ثقافةصحيفة البعث

عدنة خير بيك تستحضر ذكرى اعتدال رافع

“لم أعش قلبي إلا في أحلامي وأجمل لحظات حياتي هي أمومتي” هذه المفردات قالتها الأديبة الراحلة اعتدال رافع لابنتها الروحية الشاعرة عدنة خير بيك التي ارتبطت معها برباط المحبة والمودة، “يابنتي التي ولدت من رحم كتاباتي”، فباحت ابنتها عدنة بألمها الذي قالت عنه”الألم حبر القلم” الذي فجّر في داخلها مكنونات الإبداع وتمكّنت رغم مرضها الذي جسدته في رواية”صديقي السرطان” أن تحبّ الحياة، وقرارها بالعزلة والوحدة كان بمحض إرادتها فطالما رددت للشاعرة عدنة “وحدتي عبادتي”.
ولم تكن المحاضرة التي ألقتها الشاعرة عدنة خير بيك في المركز الثقافي العربي في –أبو رمانة- للتوقف عند سمات وخصائص أدبها وأهمية مقالاتها فقط، إذ حفلت بكثير من الملامح الإنسانية الشفافة بمشاركة صديقاتها اللواتي رافقنها حتى رحلت في صيف العام الماضي بعد معاناة مع مرض السرطان.
وطالبت الشاعرة خير بيك بحضور محبي الراحلة وعدد من الضيوف العرب من لبنان والعراق، إنصاف الأديبة اعتدال رافع من قبل اتحاد كتّاب العرب بإصدار كتاب يجمع أعمالها الأدبية والصحفية.
وقد وصفت خير بيك الأديبة الراحلة بالمتطرفة، فهي متطرفة بالجمال” شقراء، عيونها تمزج بين لون البحر والسماء، عذوبتها وحديثها كفيلان بإذابة ثلج العالم” ومتطرفة بالطفولة، بأن تكتب ذاتها، كما كتبت أوجاع الأمة كتبت أوجاع لبنان أثناء الحرب الأهلية من سورية، وزاويتها حديث الصباح التي دأبت على كتابتها في جريدة البعث من أجمل ما كُتب في الأدب الحديث، وإضافة إلى المقالة كتبت القصة القصيرة والرواية والشعر.

بعيداً عن الثرثرة
واستحضرت خير بيك بعضاً مما كتبته عنها د. ماجدة حمود والإعلاميتين سلوى عباس وهيام منور، لتتوقف عند السمة الأساسية بأنها تكتب ذاتها “أكتب الألم لأخفف من ثقله” وتابعت عن سماتها الخاصة بابتعادها عن التفاصيل واهتمامها بالجوهر، وعن اللغة الشعرية في قصصها، لتتوقف مطوّلاً عند إشراك المتلقي وتفاعله بالقصة، مستحضرة قصة”المخاض- يتحول بطنها المنفوخ إلى نعش” ليتساءل القارئ أية ولادة تبشر بالموت؟.
وتحدثت خير بيك عن اللغة المدهشة في أدبها البعيدة عن الثرثرة الموحية بقدرة بلاغية شديدة التعبير، تخاطب الوجدان وتتذوق الجمال، لتصل إلى أهم مقومات الحداثة ووهمية شخصياتها رغم وجودها بالواقع، كما في قصتها”يوم هربت زينب” وهي تتحدث فيها عن حكاية ابنة أخيها التي ربّتها وهربت إلى لبنان، لتبدو هذه الخاصية أعمق في قصتها”أبطال من ملح” إذ تبدو الكاتبة كإحدى شخصياتها”حياة تشبهني تعيش مكسورة الخاطر”.
وتنتقل المحاضرة إلى خاصية الحلم فأبطالها مسكنون بأحلامهم، يصرون عليها رغم قتامة الواقع، كما تطرقت إلى تكثيف الرعب فكانت تحسّ أوار الحرب وكأنها تكتب عما حدث خلال الحرب الإرهابية كما في قصة”الروزنامة” وتناولت اللغة المطواعة التي تمكنت من تجسيد بشاعة البشر لتنطق بصوت الكلب فيأبى ذلك.
وتتعارض سمة الانزياحات مع جمالية البطولة في قصصها بتسميتها عنترة، وكذلك في لغتها “أترقب أن يخرج صاحب البيت ليبتسم لي، أدركت أن هناك نجوماً غير النجوم المعلقة في السماء” إلى أن تصل خير بيك إلى نهاية المطاف بجمالية العناوين التي تشد القارئ وتحرّضه على التخيّل كما في أبجدية الذاكرة، للموت وجه آخر، رحيل البجع، تاج من شوق، يلفحني احتراقي”.
وناقشت خير بيك أيضاً موقف رافع من الرجل فهي شفافة في هذه العلاقة الأبدية التي تجمع بين الرجل والأنثى، ولا تعتبر الرجل عدوا للمرأة.

من وريقات الياسمين
وتقرأ الشاعرة خير بيك ما كتبته رافع لابنتها المغتربة سلام قبل خمسة أيام من وفاتها”أنا أسحب حروفي من خروم الآه، ويطوف الدم من حواشي دفتري، أحلب الكلمة من خروم الروح”.

رؤية شمولية
صديقات الراحلة المقربات تحدثن بمداخلتهن بصوت يختلج بدموع الحنين والفراق فأوضحت الفنانة التشكيلية جهاد رجوب بأن اعتدال رافع امتلكت رؤية شمولية، فلديها انزياحات رائعة ليس للنجوم والبحر فقط وإنما للوطن حينما قالت: “وطن بلا سقف، بلا جدران” إشارة إلى أن الوطن للجميع، وعبّرت عن وجع عام وليس محدداً لتترك رسالة إنسانية ذات أبعاد ودلالات تؤكد بأننا إما أن نكون أدباء أو صنّاعَ كلمة مزركشة.
وآخر مكالمة هاتفية كانت مع صديقتها مها عوض التي ارتبطت معها بعلاقة صداقة بدأت بعلاقة أستاذة بتلميذتها حينما تشاركتا بعمل واحد بإدارة المناهج والتوجيه، فوصفت سنواتها معها بسنوات الزمن الجميل، ووصفتها بأنها إنسانة ودودة أحبت الجميع.
وتحدثت من لبنان صديقتها زينب نبوه عن زواج رافع من الفنان أنور البابا ثم انفصالها عنه، لتصل إلى أن وحدتها لم تكن تسبب لها مشكلات نفسية.

صوفية خاصة
أما الشاعر نزار بني مرجة فتحدث بأنها كاتبة كبيرة، امتلكت رصانة لا تتوافر عند كاتبات أخريات وفرضت احترامها على الجميع، ووافق الشاعرة عدنة بمطالبة اتحاد كتّاب العرب بتدوين وطباعة كل كلمة كتبتها اعتدال رافع لأنها أنموذج للمرأة العربية والسورية، وأنموذج للكاتبة التي كتبت بصوفية خاصة بها واختارت مفرداتها من الواقع.
ملده شويكاني