ثقافةصحيفة البعث

غسان جبري شيخ المخرجين السوريين.. وداعاً



لُقب بمخرج البدايات، وهو الذي عشق الدراما منذ بداية خطواته في التلفزيون الذي بدأ إرساله في23-7 عام 1960 حيث كان  يعتمد على البرامج، وبعض السهرات كسهرات “الإجازة السعيدة” بطولة الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي لتكون بداية المخرج الراحل غسان جبري في إخراج عمل درامي أسبوعي بعنوان “موقف حرج” من تأليف الكاتب عادل أبو شنب وتقديم الإعلامي ماجد شبل.

دراما جادة

يقول الراحل جبري في أحد حواراته مع جريدة “البعث” وهو الذي لقب بشيخ المخرجين السوريين: “وجدت في هذه البداية التلمس الحقيقي إلى دراما جادة في العام 1965” في حين كانت الأجواء البوليسية والنفسية قد شكلت الميلودراما في عمليه “الطير” و”القيد” من تأليف نبيل الغربي اللذين حققا نجاحاً كبيراً، وتتالت فيما بعد أعماله ومنها “عطر البحر” وتعلّق بعد ذلك بالأدب فقام بإخراج مسلسل “ديوان العرب” تطرق فيه إلى الشعراء الصعاليك عروة بن الورد وطرفة بن العبد من تأليف الأديب أحمد يوسف داوود ليكون “طبول الحرية” أول عمل يشرح قضايا إفريقية حيث صوِّر في اليونان وعُرض في دول إفريقيا بعد أن دُبلِج إلى الإنكليزية والفرنسية.

حكايا الليل

عُرف غسان جبري بأنه أول من أخرج عملا رومانسيا يعتمد على الأدب المترجم من خلال العمل الذي حمل عنوان “المطر والحياة” أما العمل السوري الأول بالنسبة له فكان من تأليف الشاعر محمد الماغوط وهو “حكايا الليل” وبعد ذلك قدم أول عمل اجتماعي بخلفية سياسية هو “دولاب” من تأليف الكاتب أحمد قبلاوي، وبعد ذلك دعي إلى التلفزيون الأردني الذي قدم من خلاله أول عمل بدوي على الساحة العربية بعد أن ذهب إلى شرق المملكة ليكون بضيافة عرب الشعلان هناك ليسجل كل  عاداتهم ويقدم لأول مرة عملاً بدوياً بعنوان “وضحة وابن عجلان” الذي لاقى نجاحاً منقطعا وقد شجع هذا النجاح الكتّاب والمخرجين للكتابة عن هذه البيئة منذ ذلك الوقت.

انتقام الزباء

عشق جبري التاريخ بشكل لا يُصدق، وخاصةً التاريخ السوري وهو الذي كان يؤمن أن أي عمل درامي يقوي ارتباطنا بالأرض هو نجاح للجميع، لذلك تحمس لنص “انتقام الزباء” الذي كتبه الكاتب المصري محمود دياب، وسافر إلى تدمر عدة مرات واستلهم من هذا المكان كل ما يمكن استلهامه لتقديم عمل يُعد اليوم أول الأعمال التاريخية المدروسة نصا وأجواءً.

في مرحلة لاحقة قدم غسان جبري مسلسل “لك يا شام” وقد قسم العمل إلى قسمين، الأول هو المكان الطبيعي- البيوت الشامية، والثاني الديكورات ضمن الأستوديو، فكانت البداية الأولى للبيت الشامي في الدراما الذي شكّل فيما بعد ما سمي بأعمال البيئة الشامية، فكان أول من قدم البيت الشامي على الشاشة.. ولطالما تأسف الراحل جبري على ما يطلق عليه اليوم اسم أعمال البيئة الشامية، لأنها حملت نوعاً من الحنين السطحي والثرثرة المناسبة لحديث فنجان القهوة الصباحية بين الجارات، وقد ولِدَ هذا النوع برأيه من الأعمال السطحية في أميركا اللاتينية، والمكسيك على وجه الخصوص وهي لا تحمل أي موروث ثقافي أو معرفي، وليس لها من هدف سوى التسلية السطحية حيث يمكن لسيدة البيت وهي منهمكة بعملها أن تتابع هذه الأعمال، والمحزن كان برأيه أن تأتي الأحداث الوطنية فيها محشورة لا مصداقية تاريخيه لها.

مخرجون درجة عاشرة

وكمخرج كان جبري يرى أن عالم الإخراج في سورية اليوم يضم مواهب تدرجت في العمل التلفزيوني، فكانوا مساعدين جيدين وأصبحوا مخرجين مميزين، وهذا يؤكد قوة الموهبة، وهناك عدد من الخريجين الأكاديميين لم يقدموا لنا شيئاً يُذكر في زمن الخضوع لسيطرة النجوم ومطالب السوق، وهذا قضى بالتدريج على جذوة الإبداع في الدراما، إلى جانب التخلي عن العديد من التقاليد التي كانت تحكم طريقة العمل في الدراما السورية على صعيد عدم الالتزام بإجراء التدريبات الكافية، فتبدو بعض المَشاهد بعيدة عن الرقابة الإخراجية، ويؤدي البعض أدوارهم بشكل سطحي، معترفاً بانعدام الإبداع في أغلب الأعمال التي هي عبارة عن ثرثرة بين اثنين أو ثلاثة، مشيراً دائماً إلى أن المخرج يجب أن يكون موهوباً ولديه قدرة على التخيل والإبداع، وأن يمتلك ثقافة عالية، ولا سيما في التاريخ، وأن يكون متابعاً للإنتاج الأدبي بشكل عام، وأدب بلده بشكل خاص وللأساليب التقنية الحديثة، ولا ينكر وجود عدد معقول من الموهوبين قدموا أعمالاً جيدة جداً، وفي المقابل هناك من لا يعرف شيئاً، والمصيبة كانت برأيه حين يُعتمد على مخرجين من الدرجة العاشرة إلى جانب الاستسهال والاستقراش.

أهلاً بالتليفزيون

وعلى الرغم من إيمان غسان جبري أن الدراما السورية شامخة وأن بعض الأعمال شكلت كلاسيكيات الدراما الحديثة، إلا أن أكثر ما كان يحز في نفسه كثرة ظهور أدوار ليس لها فائدة وغير مدروسة، وهذا يبدو في الأدوار الثالثة والرابعة، منوهاً إلى أن للعمل الدرامي عنصرين: الأول ممثل مبدع لا يمل المشاهد من مشاهدته، والثاني ممثل جديد يحمل القناعة الدرامية ويسعد المتلقي بمتعة التعرف على موهبته.

وعن مدى مواكبة النقد لما يُقدم من أعمال درامية كان غسان جبري لا يخفي أن ما يُكتَب في الصحافة عن الأعمال الدرامية لا يقدم نقداً حيث نعيش في كل رمضان عوالم من الرياء والمديح الفارغ وأغلب النقاد يتحدثون عن انطباعات شخصية وسطحية.

أمينة عباس