الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

رحلة الأرواح مع الأصالة والتراث



أن تخلق جيلا فنيّاً ينشأ على حب الموسيقى والطرب الأصيل، فهو أمر يحتاج إلى وقت طويل، وإمكانات كبيرة يعمل المجتمع بأكمله على توظيفها لينشئ الجيل الذي يطمح إليه، لكن أن تؤسّس عائلة فنيّة تمتلك من الموهبة والبراعة مالا يمتلكه غيرها، فهو أمر يحتاج لحب كثير، وموهبة نادرة، وشغف لا حدود له، تحاول بكل ذلك أن تخلق الجمال في زمن اختفت منه كل معالم الحب، واندثرت في متاهات صعبة الوصول، ومع ذلك يبقى الجمال يتطلّع إلينا عبر ثقوب صغيرة للأمل، تفتح لنور الشمس باباً من ضوء يتسلل إلى قلوبنا بين الفينة والأخرى، هذا الجمال الذي استطعنا أن نتلمّسه في الأمسية الموسيقيّة الغنائية التي أقيمت في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، بعنوان (بقعة ضوء 4.. الأسرة السورية النموذج الأجمل)، من مشروع مدى الثقافي الذي تقيمه وزارة الثقافة، حيث ضمت الأمسية برنامجاً موسيقياً غنائياً لأسرة الفنان يوسف الجادر التي جعلت من هذه الأمسية الموسيقية الغنائية ابتسامة ترتسم على وجوه الحاضرين فرحاً وطرباً تنتشي به الأرواح وتطرب له الآذان.

إن البدايات حكايات فكيف إذا كانت هذه البدايات مرسومة بريشة مجدّد الموسيقى الكبير (السيد درويش)، حينها ستكون بداية تصل إلى القلوب دون استئذان، خاصة مع الموشح الرائع (منيتي عزّ اصطباري) الذي قدمته المجموعة بكل براعة وود، حيث بدأ الموشح باستهلال على مقام النهاوند بعزف ليعقوب الجادر، لترافقه بعد ذلك شغف في أغنية (بياعة الزنبق) لإياد الريماوي.

أمّا فيروز، فقد كانت حاضرة في الحفل من خلال الأغنيات التي قدمتها المجموعة لها، والتي حاولت الأم “وائلة رمضان” أن تعطيها كل ما جادت به عذوبة صوتها، فقدمت بمرافقة زوجها يوسف الجادر الذي لحّن على العود تنويعات للسيدة فيروز (إنت وأنا- عم يسألونا كيف- يا حنينة).

بعد ذلك قدم يعقوب مقطوعة موسيقية (سماعي حجاز كار كردي لطاطيوس أفندي)، نقلنا فيها إلى عالم من النغم العذب، لننتقل بعدها إلى التراث بباقة مميزة من الأغنيات التراثية لمنطقة الجزيرة قدّمتها الأسرة مجتمعة.

الأخوان رحباني كان لهما نصيب مميز من أغاني هذه الأمسية الدافئة، حيث قدمت شغف بمرافقة يعقوب (أنا لحبيبي).

وكما كان الطرب عنوان البداية كان الوفاء عنوان التحية في الختام، إذ أبهرت المجموعة الحضور بالأغنية العراقية الشهيرة (لا خبر) لـ فاضل عواد، قامت بإرسال تحية حب ووفاء لروح الموسيقي الشاب (إياد عثمان)، عازف البزق الذي رحل من فترة قريبة، تاركاً وراءه مجموعة لا تنسى من الأغنيات والألحان التي لم تكتمل، والتي أشار إليها الفنان يوسف الجادر، وغنوا له أغنية (النوب النوب) من تراث جرابلس الغنائي هدية لروحة المعطاءة.

مادلين جليس