اقتصادصحيفة البعث

قـــــراءة اقتصاديـــــة فـــــي البطاقـــــة الذكيـــــة

 

البطاقة الذكية حديثة العهد في واقعنا الاقتصادي والاجتماعي، ويبدو أنه قد تم التحضير المسبق لإعدادها إداريا والمدروس حاسوبيا بعناية تامة، بغية تمكين كل أسرة وكل صاحب آلية من الحصول عليها، بغية الاستفادة من الإيجابيات الكبيرة المتوخاة منها على كافة الأصعدة، إذ من المفترض والمتوقع أن ينجم عنها فوائد شتى، تنعكس على مصلحة المواطن والوطن.

ومن المفترض أن تنظم هذه البطاقة استهلاك المواد المقننة والمدعومة من الدولة، بدءا بمادة الوقود المدعوم، بحيث تضمن حق المواطن في الحصول على حصته في ضوء حاجته، وتمنع أحقية ذلك عن غير حامليها – من الذين لا ينطبق عليهم هذا الاستحقاق- وخاصة غير السوريين سواء المقيمين أو العابرين، ما يوجب ضمان تحقق وفر وطني يخفف مما نعانيه من هدر، وخاصة في جزء الدعم الذي تتحمله الدولة.

لكن ما ظهر لنا من فوائد هذه البطاقة، توازى مع ما نجم عنها من إشكالات، فتخصيص كمية محددة موحدة لبطاقة الآليات من نوع معين أوفي منطقة معينة، شجع من لا يحتاج لهذه الكمية الحصول على كامل مخصصاته –وهذا حقه- لأن دخول تجار السوق السوداء على الخط، أتاح له بيعهم الفائض عن حاجته، لقاء مبلغ عن كل ليتر، والحالة نفسها بالنسبة للفائض عن حاجة الكثير من الجهات الأخرى المخصصة بكميات محددة من الوقود المدعوم /أكانت منشآت عامة أو خاصة/  أكان ذلك بواسطة البطاقة الذكية أو بصيغة أخرى، ما أدى لتوفير كميات كبيرة بين يدي العاملين في تجارة السوق السوداء، من أصحاب محطات الوقود أو غيرهم، وأتاح لهم بيعها إلى المحتاجين الفعليين لهذا الوقود، من أصحاب الآليات أو الجهات التي تستهلك أكثر مما هو مخصص لها، أو من ذي الاحتياجات الأخرى، أو تهريبها خارج القطر، ما جعلهم يحققوا أرباحا كبيرة على حساب المواطن – أكان المستغني الذي باع بزيادة قليلة على السعر الرسمي، أو الآخر المحتاج الذي اشترى بزيادة كبيرة على هذا السعر، وكل ذلك تم على حساب الميزانية العامة المخصص قسم كبير منها لدعم الوقود، وبيعه للمواطن بأقل من كلفته الفعلية بكثير.

والحالة نفسها تحصل مع أعداد كبيرة من الأسر الحاملة لبطاقة وقود التدفئة، وبحصص متساوية، والتي باعت كل أو جزء من الوقود المخصص لها – والذي هو من حقها –  لصاحب محطة الوقود أو لتاجر، بزيادة بسيطة عن السعر الرسمي، نظرا لأنها بغنى عنه، نتيجة استخدامها لوقود قديم لديها، أو اعتمادها على الحطب، أو تعمدها التقنين في استهلاك هذا الوقود، لغاية توفير قيمته لصالح تأمين حاجات أخرى تراها أكثر أهمية، وما من قانون يمنع عليها ذلك، ما أتاح توفير كميات كبيرة بين يدي أصحاب محطات الوقود، نتيجة اقتطاعها لهذه الكميات المشتراة من الوقود الوارد لها، وتخزينها لغاية بيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وأعلنت عجزها عن جولات صهاريجها لقطع بطاقات من لم يبيعوا بطاقاتهم، واعتادوا وصول الصهريج إلى أمام منازلهم، وليس بمقدورهم اصطحاب العبوات والانتظار ساعات على باب محطة الوقود البعيدة عنهم.

سبق أن حدثت نفس الحالة قبل عدة سنوات يوم تم منح المواطنين دفاتر قسائم وقود بالسعر الذي كان مدعوم حينئذ، وآلاف المواطنين باعوا يومئذ بعض أو كل قسائمهم، ولاحقا تم إلغاء تلك الحالة، ما يجيز التساؤل ؟ هل حققت البطاقة الذكية الجديدة الغاية المتوخاة منها، خاصة وأنه قد نجم عن منحها المجاني- لجميع طالبيها من أسر وأصحاب آليات في ضوء استحقاقهم لها – نفقة مالية كبيرة، تمثلت بتعويضات رواتب مجمل العاملين في إعدادها، وقيمة الحواسب المستعملة بين أيديهم، وبقية النفقات الأخرى، وستبقى هذه النفقة مستمرة – بدرجة أقل – خلال الأعوام القادمة، نظرا لتتابع الحاجة إلى أعداد جديدة من البطاقة، إثر حدوث أسر جديدة وامتلاك الأفراد لآليات جديدة، والسؤال المشروع..؟ من هي الجهة المشكورة التي تحملت هذه النفقات الكبيرة، وتحت أي بند تم رصد ذلك، وهل من عائد يعوض لها هذه النفقة لاحقا، جراء ذلك.

في ضوء ذلك، يبدو أن السوق السوداء ستبقى قائمة، وليس من السهولة أن تتابع الجهات الرقابية ذلك، ما يوجب التساؤل..؟ أما من إجراء أفضل بين يدي السلطات الرسمية، يمكنها أن تعتمده، بما يضمن تحقيق دعم فعلي أكبر للمواطن، وبأقل كلفة على الدولة من الدعم الحالي، المتاجر بقسم منه في السوق السوداء، أليس من المتوجب البحث عن إجراءات جديدة مدروسة بدقة، تضمن اعتماد منح الدعم المالي للمحتاجين المستحقين، عن جميع المواد المدعومة، والذي سيتيح شراء واستهلاك المادة في ضوء الحاجة الفعلية لها، ويضمن توفير الهدر الكبير الحاصل عبر الدعم العيني.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية