دراساتصحيفة البعث

مواقف ترامب المناقضة لتعاليم المسيح

 

ترجمة: لمى عجاج

عن موقع واشنطن بوست 19/4/2019

إن خلفية ومعتقدات ترامب هي الأبعد من أن تتناسب أو تتفق مع النماذج التقليدية، فمذهب ترامب المادي الصارم والرافض لتقديم أي اعتذار والذي يعتبر النجاح المالي والاجتماعي معادلاً للإنجاز الإنساني والقيم البشرية هو بمثابة نفي للتعاليم البشرية. إن قَبليَته وكراهيته للآخر تقف في معارضة مباشرة للأخلاق الراديكالية حول حبّ الخير وحبّ الجار.

تزامنت الجمعة العظيمة مع الكثير من الأحداث التي كانت مادةً دسمةً تناولتها الصحف وتحدثت عنها خلال هذا الأسبوع، والتي بدأت مع الحريق المروّع في كاتدرائية نوتردام وانتهت مع تقرير مولر المنتظر، كانت كلمات يسوع الأخيرة على الصليب “لقد أُكْمِلَ” أي أن العمل الذي كلّفه فيه الأب قد انتهى، لقد أُخمدت الحرائق في كنيسة نوتردام وأنقذ المبنى الأساسي بعدما أتت النيران على سقفها وتسبّبت في انهيار برجها، وها قد انتهى أخيراً التحقيق الذي أجراه المحامي الخاص روبرت مولر بعد حوالي العامين دون أن يتضمن أية أدلة على تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية.

لقد تفاوت هذا الأسبوع بين ردود أفعال ترامب المبتذلة والسخيفة عن الحريق الذي تعرّضت له كنيسة نوتردام، في الوقت الذي تعالت فيه دعوات الملايين وصلواتهم لأجل ألا يحترق تاريخ من العراقة والجمال امتد على مدى قرون بفعل ألسنة اللهب، فبالتزامن مع احتفال المسيحيين بعيد الفصح وقيامة المسيح –كان هناك حديثٌ عن إعادة بناء وترميم- وتبرعات لإعادة بناء الكاتدرائية التي التهمتها النيران وحوّلتها إلى رماد، صحيح أن ما ضاع يصعب تعويضه لكن الكنيسة هي حالة استثنائية، فهي ليست مجرد بناءٍ ضخم بل هي معلم أثري ديني.

إن جميع الزوار الذين اجتمعوا تحت سقف كنيسة نوتردام العظيم تركوا جزءاً من روحهم فيها، فلا يمكن للنيران أن تمحو الإيمان الراسخ الذي زرعته الكنيسة بداخلهم عبر قرونٍ من التأمل والدعاء والنعمة. ربما يكون هذا هو موسم الكفارة والتطهير، لكن حالة الهستيريا التي تسبّبت فيها وسائل الإعلام بعد صدور التقرير واستلام الكونغرس لنسخته المكتوبة يوم الخميس –باستثناء أجزاء منه تثير تساؤلات حول ترامب واتهامه بعرقلة القضاء- سلّطت الضوء على شخصية ترامب الشريرة والجشعة التي لا تكتفي بما لديها من ثروة وممتلكات ونفوذ ومناصب. لقد أثارت أفعال ترامب المسيئة حنق وغضب الكثيرين، لكن الحقيقة الفعلية هي أنه “من الصعب أن تشعر بالأسف على شخصٍ لا يشعر بأي نوعٍ من التعاطف تجاه أحد” على شخصٍ ماديّ مثله لا يفقه شيئاً عن العلاقة المتبادلة بين ما سمّاه الفلاسفة القدماء بالتّسامي فوق الوجود المادي -كالحقيقة والخير والجمال– والتي لا تتعارض مع العقل والإرادة والقلب، فجميعها  تستوجب حبّ الله غير المشروط حسب التعاليم المسيحية. لكن ترامب يشنّ يومياً حرباً على الحقيقة وهناك الكثير من الأمثلة التي تشهد على زوره وكذبه الصريح يمكن أن تملأ مجلدات لا تستطيع الرفوف حملها!.

إن حسن النوايا وطيبة القلب أمر غير موجود في قاموس ترامب، وهذا ما يؤكده خطابه المليء بالحقد والتطرف والذي يغذي نرجسيته ونزعته الغريزية الواضحة في تصرفاته، من استحقار المرأة إلى الاستهزاء بالأعداء والأصدقاء، وما يثير السخرية هو أن المستشارين المقرّبين من ترامب رفضوا الانصياع لأوامره في إعاقة تحقيق مولر وربما هذا ما ساعد في تبرئته.

وفي النهاية ليس بالضرورة أن نكون متدينين أو فلاسفة لنرى وقاحة ترامب ونواياه الخبيثة، فما يعرفه عن الخير يقتصر على الأبراج التي تحمل اسمه، والمهمّ هو أن التقرير انتهى بتبرئته من تهمة التواطؤ، ولكنه لم يلقِ بالاً لما قاله مولر حول عدم براءته من إعاقة القضاء، وبما أن سياسة وزارة العدل تمنع توجيه الاتهام إلى الرئيس وهو على رأس منصبه، اقترح مولر في تقريره بأنه على الكونغرس أن يطبق قوانين العرقلة على ممارسة الرئيس الفاسدة لصلاحيات المنصب تتوافق مع النظام الدستوري من الضوابط والتوازنات، ومبدأ أنه لا يوجد أحدٌ فوق القانون.