أخبارصحيفة البعث

إيران وازدواجية أوروبا

 

على مدى عام من انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية الأحادي من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات غير مسبوقة على إيران تحت حجج وذرائع واهية، بقيت طهران، بشهادة أربعة عشر تقريراً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ملتزمة بتنفيذ ما يترتب عليها بموجب الاتفاق، الذي كفله قرار مجلس الأمن الدولي 2231، ورغم ذلك بقيت الدول الأوروبية صامتة، ولم تتخذ أي خطوة فعلية لتنفيذ تعهداتها. وبعد اتخاذ مجلس الأمن القومي الإيراني قراراً بإيقاف تنفيذ بعض الالتزامات المنصوص عليها ضمن الاتفاق النووي، ومنح الدول الخمس الباقية مهلة ستين يوماً للإيفاء بوعودها، ولاسيما في المجال المصرفي والنفطي، وإلا فسيكون هناك رد حازم، قد يوقف تعهّداتها مرحلة تلو أخرى، سارعت العواصم الأوروبية، والتي صمتت طويلاً عن السياسات الأمريكية الرعناء، لمهاجمة ردّة الفعل الإيرانية.
ردٌّ أسقط آخر أوراق التوت التي كان يتلطى خلفها الأوروبيون على مدى سنة كاملة، أكدت فيه إيران التزامها الصريح والمعلن ببنود الاتفاق، وكشف أن الوعود التي كان يطلقها الساسة الأوروبيون ما هي إلا مناورة لحرمان إيران من المزايا التي تضمّنها الاتفاق ضمن خطة العمل المشتركة، فلا الآلية المالية التي وعدوا بتطبيقها تفادياً للعقوبات الأمريكية أبصرت النور، كما لم يدعموا الشركات الأوروبية المستثمرة في إيران، بل على العكس تنصّلوا من واجبهم تجاه حمايتها، عبر بيانات أشاعت الهلع والخوف لدى تلك الشركات ومسؤوليها، وحتى النفط الإيراني امتنعوا عن شرائه.
إذاً، لماذا يرفضون أن تعلن طهران تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي؟، فهل يريدون أن تبقى إيران ملتزمة بالاتفاق دون أن يقدّموا أي ميزة لها؟، وهل الرفض مرده إلى ضغوط من واشنطن بعد التصعيد العسكري والاقتصادي الكبير ضد طهران؟.
ما هو واضح حتى الآن أن الدول الأوروبية وعلى الرغم من أنها رفعت صوتها بوجه واشنطن معلنة البقاء في الاتفاق النووي مع طهران، إلا أنها لم تقم منذ سنة حتى اليوم بأي عمل يؤكد أنها تدعم الاتفاق سوى التصريحات الإعلامية، واليوم وعندما طالبت طهران بحقوقها عادوا إلى النقطة الأولى: التهديد والتهويل بالعقوبات.
وعليه، وفيما واشنطن تنتهك كافة القرارات بفرض المزيد من العقوبات، وتصعّد عسكرياً، وترسل بحاملات الطائرات، وتؤجج الرأي العام العالمي تحت ذرائع استخباراتية على طريقة كولن باول بالعراق، يبدو الموقف الأوروبي أنه متناغم مع الموقف الأمريكي حتى ولو لم يكن بالتصريح المباشر، فرفض حصول إيران على مزاياها هو عين ما تطالب به واشنطن، بمعنى أدق تنفيذ من جانب واحد مقابل التهويل بالعقوبات.
في التاسع والعشرين من آب 2018 وخلال اجتماع مع الحكومة قال السيد الخامنئي: “إن إيران ستضع الاتفاق النووي جانباً في حال لم يحافظ على مصالحها، داعياً إلى عدم تعليق الآمال على أوروبا في إنقاذ الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه”، واليوم فإن قرار مجلس الأمن القومي الإيراني يؤكّد أن طهران ماضية في الحفاظ على مصالحها وأمنها، معلنة في الوقت نفسه أنها ملتزمة بكل ما يترتب عليها شريطة أن ينفذ الآخرون التزاماتهم، وهي، أي طهران، بقيت على مدار سنة كاملة، ورغم ما مورس عليها من أبشع الضغوط، تحترم التزاماتها، ولكن هذا الاحترام لم يجد من يلاقيه من الجانب الآخر، لأنه، كما أثبت التاريخ، لا يراد للدول المستقلة إلا الخضوع والخنوع والتنازل عن حقوقها، وذلك درس يجب على الجميع استيعابه، فكما قال السيد الرئيس بشار الأسد: “ثمن المقاومة هو أقل بكثير من ثمن الاستسلام”، ولذلك ستبقى القوى الحية في المنطقة تدافع عن حقوقها، وترفض الاستبداد والظلم.
سنان حسن