ثقافةصحيفة البعث

تحت ظل الليل الأحمر

 

في عمر غابر في متاهات الظنون حيث كانت أمواج الحياة مدا وجزرا تتناوب بنا، حزنا تارة وعشقا هاربا من ظله تارة ،وفرحا لا يتجاوز عمر وميض أو نبرة لشهقة تتراوح بنا بذات المكان على أرجوحة اللازمان فوق طرقات موطن مسقوفة بسماوات شمس عتيقة الخلق ،جليلة الشأن بعمر المجرات والأكوان. هناك وجدنا،وهنا خلقت زهرات قلوبنا في تفتحها هنيهة هنيهة في بلد الضوء والغار..وعلى الرغم من أننا كنا منتظرين رمق الصبر يحل بنا لطلوع فجر كل صبح يحل علينا،متجاهلين متناسين كل المكائد والغوايات،.نتفحص المارين منا إلى حتفهم أو الحالمين منا لتوقهم بغد يعيد لبنة الأمل بترابه ومواطئ المسرات…لكننا بقينا نقيم هناك.وفجأة ودون إنذار مسبق لبدء الرواية وسرد لسنين من عمر الضيم مرت بنا، حيث لا يكفي تاريخ لتذكرها،هبت علينا وبنا عاصفة سنة بقمر دموي المحيا،جليل الهيبة، حاد المعالم،قاسي النبوءات.
هناك حيث بدأ ينكشف ويكشف قليلا لنا عن معالم فصول قادمات..لم نصدق مزحته الثقيلة تلك بوجه مكتمل الاغتراف من نوايا دفينة معتمرة على تقلبات بالأمزجة، وتفاصيل أسرارنا وتوهج أعيننا التي كانت ترمق نجمة الصبح بوابل من الاشتياق لحلم حب يوشوش لنا،ونقطف بعده الزهر عطرا بفم الشعر والأحجيات..فجأة نمنا وصحونا على ليل أحمر المقل، مدثرين بأغبرة الخوف الأصفر المهيب وأتربة الموت الشعثاء التي غطت أجسادنا ورموش تطلعاتنا وصحوة يقظتنا من أعماق السبات ..حتى غدونا أشباه أشباح وأنصاف أحياء..في تلك الليلة الليلاء التي تصادمت بها مجريات الأحداث عكسا مع سفن النجاة التي رسمناها بمخيلتنا عمرا ونسجنا ترانيم سلامنا وسلامها فصولا من قداسة النور وعظمة سير مجد أبطالها الأنبياء..
غطانا هذا الليل الأحمر بكليتنا، أسطحنا ومرافئنا، منازلنا أطعمتنا ولم ينس حتى الشوارع وعبارات الحب والدعايات.كان هذا الليل شديد الولوج لتفاصيل توقنا معلنا رايته الظلامية فوق تلال أنفاسنا وهضبات وانهار أوردتنا، حتى بات يكتسي بفرشته الظلام كل مولد رأس كان يضيء شمعة حياة رغم انف ليله الحالك..وكلما مر يوم ازداد شحوبنا وزاد تغلغله بخلايا معيشتنا بنومنا ومأكلنا ومشربنا ومسيرنا حتى ضاقت بنا التوسلات.. فكل مصدر للقمة فرح صارت بحلوله جوعا،وكل رؤى مستبصرة بنا عمدا هو لرش الكحل في الأعين بدل البصيرة ليسكن الرماد..وهكذا يوما بعد يوم استباح ليدحرج كل لحظة رؤوس الحقيقة من أعالي قصور شموخها العاتيات،ليكتم بنا حناجر الصراخ بفعاله الموبقات، فكثرت الضحايا وقل الناجون من شروره الكبيرة نهاراته المجردة منا ومن تنهداته العاريات، من بصيص أمل يحول بنا حتى غدونا نفترش اليأس صاحبا لليالينا والأغنيات، وفي ظلال هذه النائبات التي ألمت بنا لم استطع بكل جلمود صبري وقدرات احتمالي اجتياز ما يحدث كعابرة على ممرات ذاك الحزن الوقور في تلافيف القلب ومضامير التنهدات، فكل شيء كان يستدرجنا وأنا منهم لنعيش تلك التفاصيل بلا انفصال عن المجربات أوليس النفس أمارة وتنهى إلا أن توغل في السبع المحرمات،ومنها احتمال الصدور للأسى الموغل في القدم واصطبار على مهالك الليل الأحمر وأغانيه الفاجعات، فحملت كل ما امتلكت من مداد حبر وصبر وكلمات وقررت أن أجول بنبضي كل الشوارع الثكلى لأتفقد الناس التي تنام في للشوارع وحقائب المهجرين ومرافئ الاغتراب..كنت امشي وفي خطوة يعتصرني ذاك الصرير الموجع لصدى أمهات الشهداء ولأطفال بعمر الورد قطعت أياديهم الفرح بقنابل وبارود ومتفجرات.. مشيت وروحي تلفظ قلة حيلتها..لا اله إلا الحب وحده قادر على المعجزات لا حول إلا به اسند راسي وضلوع بلادي واشكو إليه همي من كل هذه المجريات، فوحده الكفيل برفع هذا الظلام ويحل بمسحة من زيت طهر محبته شفاعة وسلاما وشفاء لكل الجراحات. تابعت الهمهمة والتساؤل يأكلني بهشيمه لحظة بعد لحظة حتى وصلت لبناء مدمر من فعائل خبائث ذاك الليل الأحمر المحارب.. احترت فعلا أن اسند ظهري أمام هذا الدمار الشامل الذي هب بوبائه على البشر قبل الحجر..استمريت تنهدا وحتى ملت على احد الجدران الخاوية ودخلت بنوم عميق هروبا. وفجأة أحسست رياحا ربيعية حملتني على بساط الحلم حيث صرت أتجول ماسكة بيدي ممحاة وبذارا وعطرا. فكل مكان أمر به كنت ازرع بدل القهر قمحا وبدل الخراب عطرا ارويه بماء نور الحب يقينا جامعا ومزهرا في تحول نياشين تلك الحرب إلى ربيع تدق طبول أفراحه الشقر…
طفت وطفت حتى استطعت بزنود أبناء المحبة السمر معي أن نخلص من كل غمام الحزن ..هكذا إلى أن صحوت وجدت نفسي في مكاني بجانبي قنبلة أزهر منها ياسمينا وقد جلبت لي الرياح رسالة حطت إلى جانبي كتب عليها:
سلام على صباحات موطن الشمس لا ليل احمر ولا عباءته ولا ظلاله قادر على انحناءة مجده وعناوينه العاليات ..البلاد الياسمين حبا عادت اعمارا وانولدت معها مجددا من رحم الحقيقة إلى منابر الحياة.

رشا الصالح