تحقيقاتصحيفة البعث

يزعزع الثقة القلق الامتحاني.. تشتت في التركيز وسلوك يهدد النتائج

 

مع بداية العد العكسي، واقتراب موعد امتحان الشهادتين الإعدادية والثانوية، يترافق جهد الطلاب وقلقهم وخوفهم من الامتحانات مع قلق الأهل وتوترهم أيضاً، وذلك لخوض أبنائهم تجربة الاختبار التي تحدد نتيجتها المرحلة القادمة من حياتهم التي يجب أن تتسم بالثقة بالنفس انطلاقاً من قانون التوقع الذي يقول: “إن ما نتوقع أن يحدث بقوة يصبح سبباً للاتجاه نحو ما توقعناه”، وحسب الأكاديميين فإن درجة من القلق لابأس بها لحث الطالب على المنافسة والتفوق، وهو ما يسمى بالقلق المحمود، ولكن إن زاد عن حده اعتبر قلقاً مرفوضاً يؤدي إلى صعوبة التركيز، كما يؤخر التحصيل العلمي، ويثبط الهمة، وللأهل دور كبير في تخفيف حدة القلق والتوتر لدى الأبناء للوصول داخل القاعة إلى أداء امتحاني جيد وهادىء ومطمئن.

علاقة عكسية
القلق هو اضطراب نفسي مترافق مع اضطراب سلوكي يعبّر عنه، وينتج الخوف عن القلق، والعكس صحيح، وبشكل مؤثر يكون القلق خارجياً، أو شعوراً ضمنياً إزاء مشكلة أو قضية ما ترتبط بالشخص القلق، وذلك حسب الدكتورة بانة إبراهيم، “علم الاجتماع السياسي”، مشيرة إلى أن للقلق درجات تتراوح بين الطبيعية والمرضية، وتختلف الدرجات باختلاف شدة القلق، وسمات شخصية القلق، كما تختلف ردود الفعل وطريقة التعامل مع القلق، ويعتبر قلق الامتحان الحد الأدنى من القلق الطبيعي لأنه مرتبط بفترة معينة هي فترة الامتحانات، تليها فترة النتائج، قد يزول القلق، وقد يستمر، وهو أمر طبيعي نتيجة تفكير الطالب بتحصيله العلمي، باعتبار أن شعوره عندما يكون متمكناً من التحضير الدراسي يكون مرتفعاً، وعندما لا يكون متمكناً من التحضير الدراسي يكون منخفضاً، وبالتالي هي علاقة عكسية، فكلما ارتفعت الثقة بالنفس انخفض الشعور بالقلق.

الحث على المنافسة
وبيّنت إحدى الدراسات النفسية أن القلق من الامتحان حالياً يعادل قلق المحاربين الذين يخوضون المعارك، وتتجلى انعكاسات الحالة المرضية بالشعور بالغثيان لدى بعض الطلاب، أو بالإقياء أو التلعثم أثناء الكلام، يتحول لحالة مرضية نفسية عندما يكون القلق بشكل دائم، فينعكس قلقه بكل اتجاهات الحياة مؤثراً على النوم والسلوك الاجتماعي، ويؤدي في بعض الأحيان إلى إحجام الذاكرة عن استدعاء المعلومات قبل الامتحان، ما يشعره أنه لا يستذكر أية معلومة، في الوقت الذي تحتفظ بها الذاكرة، والعلاقة الطردية هنا بين القلق وإحجام الذاكرة قد تكون لها علاقة بالتشكيل النفسي السيكولوجي للطالب القلق، وهو سبب ذاتي، أما الأسباب الموضوعية فقد يكون سببها بالدرجة الأولى الأهل، فمثلاً قد يكون طموح الأهل أكثر من قدرة الطالب، وبالتالي يضغط هذا الطالب بطاقات هو غير قادر على استيعابها فكرياً، ويلوح غالباً من قبل الأهل بالعقاب في حال تدني المستوى المطلوب، وهو منشأ القلق والاضطراب والخوف لديه، كما يقوم الأهل أحياناً بتعويد الطالب على سلوك الصراع أكثر من سلوك المنافسة.

العلم لأجل العلم
وختمت د. إبراهيم بنصائح لتغلب الطالب على خوفه، وللوصول إلى أداء أفضل داخل قاعة الامتحان، مؤكدة على ثقة الطالب بنفسه، والعلم لأجل العلم، وليس لأجل التحصيل الكمي، وبالتالي أية درجة علمية يأخذها يجب أن يشعر بالرضى عنها في حال قدم كل ما يبذله من جهد، وعلى الأهل أن يلامسوا الواقع في قدرات أبنائهم، وهنا يجب أن يتغير دور الأهل من سلوك صراعي أو تناحري مع الطالب إلى سلوك يشعرون الطالب من خلاله بالطمأنينة، وهذا ليس حاصلاً في مجتمعنا، فمعظم الطلبة صراعهم فيما بينهم نتيجة الصراع وليس التنافس الصحيح السليم، وليس بهدف التحصيل العلمي بقدر ما هو إرضاء الأهل، وبالتالي تكف لديهم حالة القلق، أو تستثار بحسب معطيات الواقع.

استثمار القلق
ويرى الدكتور بسام الصافتلي، “كلية التربية”، أن هناك حداً أدنى من القلق، والخوف هو أمر طبيعي لا داعي للخوف منه مطلقاً، بل ينبغي علينا استثماره في الدراسة والمذاكرة، وجعله قوة دافعة للتحصيل والإنجاز، وبذل الجهد والنشاط ليتم إرضاء حاجة كبيرة لدى الطالب، وهي الحاجة للنجاح والتفوق وإثبات الذات وتحقيق الطموحات، ويمكننا القول: “إن قليلاً من القلق لابأس به”.

أسباب القلق
وعن أسباب القلق من الامتحان يوضح د. الصافتلي: الخوف من النتائج، أو الخوف من نظرة المجتمع في حال الرسوب، وعدم الاستعداد الجيد، وعدم الثقة، وأسلوب المذاكرة الخطأ، والتوقعات العالية، والطموح الزائد للوالدين اللذين يتوقعان الأفضل من ابنهما دائماً، ويريدان أن يحقق أعلى النتائج بغض النظر عن أية ظروف أخرى يعيشها، كذلك تهويل الطلاب الآخرين لبعض المواد، وهناك أسباب تتعلق بالمادة أو المنهاج، ومنها صعوبة المنهاج، وكثافته، وتشابه المعلومات داخل المادة الواحدة، وأسباب تتعلق بمدرّس المادة، ومن ذلك كثرة تخويف المدرّس لطلابه، وممارسة بعض المدرّسين أسلوب الغموض الشديد في الأسئلة، وتركيز بعض المدرّسين أثناء الاختبار على وضع الأسئلة من أجزاء يسيرة، وإهمال بقية المنهاج، إضافة إلى أسباب تتعلق بالطالب، وأهمها: ضعف الإعداد، والخبرات السلبية السابقة للطالب نفسه، والخبرات السلبية السابقة التي مر بها غيره من الطلاب، ما يجعله يعمم هذه الخبرات السلبية ويقيسها على نفسه، وتقصير الطالب في دراسته يؤدي إلى تراكم المواد الدراسية عليه، وبالتالي الصعوبة في دراستها وحفظها.

دور الأهل
ومما لا شك فيه أن للأهل دوراً كبيراً في مساعدة الأبناء للتغلب على الخوف والقلق فنّده الدكتور الصافتلي بالقول: ضرورة حوار الأهل للطالب عن مخاوفه وتبديدها، ومكافأة الطالب على جهده وليس على النتيجة، وتجنب مقارنة الطالب مع أي طالب آخر، ومساعدة الطالب في وضع برنامج دراسي، وتنظيم وقته، ولابأس بقليل من المرح واللعب خلال وقت الدراسة، فذلك سيجدد نشاطه، ويحسن نفسيته، كذلك وضع أهداف بسيطة وقابلة للتحقيق، مبيّناً أن تذكير الطالب بميزاته ومستوى ذكائه خلال الفصل الدراسي يعد عاملاً مساعداً في بناء ثقة الطالب بنفسه، ولابد من حثه على المثابرة دون توبيخ أو ضغط، إضافة إلى المحافظة على الهدوء لدى الأهل، وتهيئة الأبناء على مدار العام الدراسي لاستقبال فترة الامتحانات، وعدم فرض طموحات الأهل على الطلاب دون النظر إلى ميولهم ورغباتهم وإمكانياتهم.
الألم والأمل
ولتحصيل جيد بعيد عن التوتر والقلق اقترح د. الصافتلي الاسترخاء أثناء المذاكرة، وأثناء تقديم الامتحان، وتنظيم الوقت، وجدولة المواعيد، والرسائل الإيجابية الذاتية، ويجدر أن يكون مكان المذاكرة واحداً لأن تنوع الأماكن يؤدي إلى التشتت الذهني، إضافة إلى وضع خطة /ب/، ففي حال لم يتحقق الهدف الذي يريده يجد بديلاً، وبالتالي يشعر بالرضى وعدم الاستياء، ويتحقق الهدف العام من الحياة وليس المؤقت، والدراسة كما تناسب الطالب وليس كما يرى الآخرين يدرسون، مع بذل الجهد اللازم، وتذكر الألم والأمل اللذين سيدفعان إلى العمل والإنجاز.

استثمار الطاقات الكامنة
ويتابع د. الصافتلي موضحاً أهمية استثمار الطاقات الإنسانية الكامنة في الإنجاز والعطاء، مع أخذ قسط كاف من النوم قبل الامتحان، وتناول وجبة الإفطار الصحية لتزويد الجسم بالطاقة التي تلزم للتفكير السليم، وضرورة الابتعاد عن المشروبات الغنية بالمنبهات والكافيين قبل الامتحان، والذهاب في وقت أبكر للتعوّد على جو الامتحان، وتجنب الغش أو البحث عن الإجابات، لتجنب التشتت، وفقد التركيز، ونسيان الإجابات، والتركيز على النقاط والعناوين الهامة قبل الامتحان، وعدم الإرباك بمراجعة المادة كلها، وعند بدء الامتحان على الطالب أن يضع ساعة أمامه حتى يقسم وقته للإجابة عن كل الأسئلة، ويجب أن يجيب بداية عن الأسئلة الأسهل فالأصعب، وقراءة تعليمات الامتحان بحذر للتعرف على ما هو مطلوب بالتحديد.

دارين حسن