دراساتصحيفة البعث

الإمارات المتحدة ..من قوة البترودولار إلى عسكرة الدولة

ريا خوري

بات من المؤكد بعد التحالف العسكري الإماراتي لاستهداف اليمن الشقيق بالحديد والنار، أن تتحوّل الإمارات من قوة النفط والبترودولار إلى عسكرة الدولة وتحوّلها من مجتمع مدني إلى مجتمع عسكري يتسم بالقتل والبطش والدمار، وذلك للشعور القوي بوجود فائض قوة مالية وجبروت عسكري وإهدار ثروات البلد بشراء السلاح لمهاجمة الآخرين بدل أن تدفع بأموالها نحو التنمية البشرية والاقتصادية العربية وسد رمق جياع الوطن العربي الذي فاق عشرات الملايين.
من هذا المنطلق يمكننا القول: إن التطوّرات المتصاعدة في الشرق الأوسط كانت قد دفعت وستدفع أكثر في اتجاه إعادة تشكيل القرن الإفريقي، ما سيجذب العديد من القوى والدول الفاعلة الذين يجدون أن هذه التطوّرات تحمل فرصاً حقيقية لتدعيم مصالحهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، وسيسعى هؤلاء للبحث عن مواقع داخل الإقليم وجواره الجغرافي عن أفق أوسع للاستراتيجية الأمنية والتمدد والهيمنة على حساب الآخرين. وهنا تبرز أهميته كأحد الأقاليم الفرعية المهمة لإقليم الشرق الأوسط. وتتعاظم فرص هذه القوى الخارجية في ظل تركيز النُظُم السائدة هناك على استقرار نُظُمها فقط، فمصالح هذه النظم أقل من المصالح الإقليمية، ما يجعل من الصعب إنشاء نظام فعّال للأمن الجماعي.
وهنا يتجلى الأمر أكثر وضوحاً في القرن الإفريقي الذي بدأت تنزاح عنه الستارة بين قواعد عسكرية إماراتية وضعف للأمن الجماعي المفتعل. هذا القرن الإفريقي على البحر الأحمر صاحب الأهمية التجارية العالمية وأهم الممرات المائية في العالم، كونه يربط قارات العالم الثلاث، (آسيا، أفريقيا، أوروبا)، ولذلك يُعدّ من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم، ونظراً لوجود قوى عظمى متصارعة على النفوذ ومتوحشة في صراعها الدموي، ووقوع دول شرق أوسطية عربية إلى جانب الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية ومنها المملكة السعودية والإمارات المتحدة عليه فمن الطبيعي أن يكون أحد أخطر وأكثر الساحات التي تشهد صراعاً دولياً حاداً وكبيراً. فمنذ العام ٢٠١٢ بدأت السياسة الخارجية للإمارات المتحدة تتجه أكثر فأكثر نحو المزيد من العَسكرة التي تتمدّد في (آسيا وأفريقيا)، وبدأت تسمع دويّ الطلقات النارية التدريبية الذي يتردّد صداه في صحاري الإمارات بالقرب من القواعد العسكرية الأمريكية والأوروبية خارج دبي، وتدريب ما تم جلبهم من مرتزقة من أنحاء العالم لتحقيق هذا المشروع ومن ضمنهم كوماندوس من بلاك ووتر، والمظاهر العسكرية الأخيرة في العاصمة أبو ظبي تكشف عن أن الدولة مستعدّة لخوض معارك قاسية أكبر خارج البلاد مع عسكرة مستمرة في الإمارات.
واقع الأمر أن الإمارات المتحدة تبدو في طريقها إلى ذلك، بتوزيع قواتها والمرتزقة في قواعد عسكرية مؤللة ومدججة بالأسلحة خارج البلاد، ومع مرور الوقت ظهرت قواعد عسكرية جديدة. لم تكن هذه المعلومات إعلامية فقط بل وردت في تقرير استخباراتي رسمي نشره موقع (تاكتيكال ريبورت) المتخصّص في تقديم معلومات استخبارية حول الطاقة والدفاع في الشرق الأوسط، فإن الأمير محمّد بن زايد، كشف أمام قادة عسكريين إماراتيين عن رغبته في تعزيز دور البحرية الإماراتية في تأمين ساحل اليمن حتى باب المندب، ضمن خطة استراتيجية لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي. يبدو أنّ الإمارات المتحدة قد افتتحت قاعدة عسكرية واسعة في جزيرة قرب باب المندب، وذهبت صوَر بالأقمار الصناعية التقطت في كانون الثاني عام ٢٠١٧ لتبيّن وجود بناء جديد لمدرج بطول 3200م على جزيرة “ميون” الواقعة في باب المندب وتربط بين اليمن وجيبوتي.
لقد شهدت منطقة القرن الأفريقي تنافساً حاداً بين القوى العالمية الكبرى للتمركز في هذه المنطقة من العالم، حيث تكتسي هذه المنطقة الممتدة على سواحل الصومال وجيبوتي واثيوبيا واريتريا وكينيا، أهمية تجارية كبرى فهي تطل على المحيط الهندي من ناحية وعلى مدخل البحر الأحمر الجنوبي من ناحية ثانية، عبر مضيق باب المندب. وهو ما مكّنها لأن تتحكّم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج ، والمتوجهة إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها تُعد ممراً مائياً استراتيجياً مهماً لأية تحرّكات عسكرية قادمة من أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية، باتجاه منطقة الخليج ما شجّع الإمارات أن تستأجر الموانئ والجزر، بعد أن أقرّ البرلمان الصومالي في شهر شباط من العام ٢٠١٧، الموافقة على قرار إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية كبيرة في مدينة “بربرة” شمال غرب البلاد.
لا تعتبر هذه القاعدة العسكرية التواجد الأول أو الوحيد للإمارات في المنطقة، فخلال عام ٢٠١٦ حصلت شركة “موانئ دبي” على امتياز إدارة مرفأ “بربرة” لمدة 30 عاماً. وإن لم يقتصر الحضور الإماراتي في سواحل القرن الأفريقي على الصومال فقط، وكل ذلك بحجة المخاوف المتعاظمة من التهديدات الإيرانية والعدوان الذي تشارِكُ الإمارات فيه على اليمن، كل ذلك بتخطيط من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وبمساندة خفية من الكيان الصهيوني، يذكر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنه وقّعت دولة الإمارات عقد إيجار لمدة ثلاثين عاماً كجزءٍ من اتفاقية الشراكة المُبرَمة لغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية للإمارات في ميناء “عصب” بأرتيريا.
منذ ٢٠١٧ وحسب الموقع العسكري البريطاني “جاينز” فإن المراقبة الجوية وصوَر الأقمار الصناعية أظهرت عمليات بناء المدارج.
تعتبَرُ منطقةُ الخليج العربي، التي تنتمي إليها الإمارات، منطقةً يُطلق على دولها بأنها “دول ملعب” بمعنى أن الجغرافيا السياسية لا تسمح لها بأن تكون لاعباً دولياً، وبالتالي ولأسباب عدة خاصة بها فإن الإمارات المتحدة لا يمكن أن تكون قوة عسكرية مؤثرة ومتوسّعة في المنطقة، ولذلك فإن تحَـرّكاتها لبناء قواعد عسكرية ما بين الجزر اليمنية وباب المندب ودول القرن الأفريقي الواقعة على البحر الأحمر، ليست سوى غطاء لتحَـرّكات دولية تتقنّع بغطاء وتمويل خليجي وهي عملية مراوغة فاضحة في وضح النهار بخاصة وأن السفن الحربية الأمريكية تنقل معدات عسكرية وجنود ومرتزقة مدربين تدريباً جيداً إلى تلك القاعدة .
يبقى في النهاية أن هذه التحَـرّكات الإماراتية التي قد تبدو في ظاهرها بأنها طموحٌ لامتلاك نفوذ في دول القرن الإفريقي، إلا أن هناك كثيراً من الحقائق والعوامل والأسباب التي تؤكّد أن الإمارات تتصدّر مشروعاً لصالح غيرها وتحديداً الولايات المتحدة. من تلك الحقائق أنها دولة قامت على حماية بريطانية وانتقلت لحماية غيرها مع تراجع القوّة البريطانية، وبالتالي فإن الدولة التي يبلغ تعداد جيشها بضعة آلاف وتاريخها العسكري كله لا تؤهلها لأن تكون دويلة ذات تواجد عسكري عابر للحدود، وهو ما يجعلها أقل قدرة من ذلك على حماية مصالحها خارج حدودها بل غير قادرة على حماية بلدها مكتفية باتفاقيات الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية .