دراساتصحيفة البعث

العقلية الأمريكية الهرمة

ترجمة: علاء العطار
عن موقع “تشاينا ديلي” 22/8/2019
يبدو أن ملامح الحرب الباردة الجديدة بدأت تتوضّح بمرور الوقت، ويتكشّف معها هرم العقلية الأمريكية التي لا تقبل التغيير والتجدّد في التعامل مع الدول الكبرى، فتتبع أساليب عفا عليها الزمن ولن تزيد الأمر إلا سوءاً، لتبقى وحيدة تحارب أشباح وساوسها.

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نجاح اختبار صاروخ متوسط المدى، وهو الأول من نوعه منذ انسحاب الولايات المتحدة رسمياً من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى لعام 1987 الموقّعة مع الاتحاد السوفييتي في حقبة الحرب الباردة. وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز: إن اختبار الصاروخ يهدف إلى “ردع سلوك الصين السيئ”، حسب تعبيره.
وقبل هذه التجربة كشفت الولايات المتحدة عن عزمها نشر صواريخ متوسطة المدى في آسيا بحجة المخاوف الأمنية الخطيرة من جانب بكين، ولهذا الغرض كشف وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحدّ من الأسلحة وشؤون الأمن الدولي، أندريا تومبسون، عن مشاورات مع الحلفاء والشركاء فيما يتعلّق بنشر هذه الصواريخ.
في المقابل، طلبت الصين وروسيا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقد اجتماع بشأن اقتراح نشر الصواريخ الأمريكية تحت بند “تهديدات السلام والأمن الدوليين” في جدول الأعمال، وهو أمرٌ مشروع ومبرّر، لكن بنية الأمم المتحدة الحالية ليست مصمّمة ببساطة لجدال على هذا المستوى، ومع ذلك، إنْ تمكنت موسكو وواشنطن في ذروة مواجهات الحرب الباردة من الجلوس والتوصل إلى معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، فلا يوجد سبب يمنعهما من القيام بذلك اليوم، فهما يشكلان لبعضهما تهديداً أقل في الوقت الحالي.
رفضت الصين، وهي دولة لم تشارك في معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، أن يتمّ جرها لتصبح طرفاً ثالثاً في مفاوضات الصواريخ المتوسطة المدى بين روسيا والولايات المتحدة، لأن الأساس المنطقي لمفاوضات الحدّ من انتشار الأسلحة النووية على المستوى الثلاثي غير موجود. وستكون المحادثات الثلاثية بلا طائل لأن الإدارة الأمريكية الحالية لم تبدِ استعدادها لتمزيق أي اتفاق كلما أحبّت ذلك وحسب، بل إنها حتى إذا شاركت فيه فستفعل ذلك وهي تُضمر نوايا سيئة، ذلك أن هدفها الحقيقي في الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى هو جعل المعاهدة غير ملزمة لها.
وهي، أي أمريكا، ترغب في تطوير صواريخ متوسطة المدى متقدّمة حتى تتمكّن من ممارسة الضغط على ما تعتبره “ثالوثاً شريراً” تشكله الصين وروسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية، ولإثارة سباق تسلح جديد. لكن عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية وانغ يي أكد معارضة بكين الحازمة لخطط واشنطن في نشر مثل هذه الصواريخ في آسيا خلال لقائه مع نظرائه من اليابان وجمهورية كوريا.
ولأن واشنطن تتوقع من اليابان وكوريا الجنوبية، باعتبارهما حليفتين رئيسيتين للولايات المتحدة في آسيا، أن تفتحا أراضيهما أمامها لنشر صواريخ بالستية متوسطة المدى جديدة، فيتوجب عليهما النظر بعناية في الحقيقة الواضحة بأن عقلية الحرب الباردة التافهة والعتيقة التي تمتلكها الولايات المتحدة هي أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة.