ثقافة

مروة قرعوني: العرض تحية لآلام وأوجاع المرأة

حين أنجزت تجربتها الأولى مونودراما “تفل قهوة” في لبنان منذ ثلاث سنوات استضافتها مديرية المسارح لتقدم عرضها على خشبة مسرح القباني، ولتحقق بذلك حلمها في أن تعتلي خشبة هذا المسرح العريق، متحدية كل الظروف الصعبة التي كانت تعيشها دمشق في ذروة الحرب على سورية، واليوم وبعد أن رأى وليدها المسرحي الثاني النور “هي وهنّ” نص وإخراج وسينوغرافيا د. مشهور مصطفى كانت مصرّة على أن تكون دمشق بوصلتها في عروض ثلاثة تقدمها للجمهور السوري على خشبة مسرح القباني أيام 24و25و26 من الشهر الحالي.

الخطوة الأولى

تؤكد الممثلة مروة قرعوني أنها تغيرت كممثلة كثيراً بين “تفل قهوة” و”هي وهنّ” فـ”تفل قهوة” كانت التجربة الأولى والأصعب في حياتها لأنها كانت الخطوة الأولى في طريقها، ونجاحها فيها حَرَّضها وشجعها على الاستمرار وعدم التوقف بعد أن أصبحت اليوم أكثر خبرة ونضوجاً، وهذا ما حملها مسؤولية كبيرة في “هي وهنّ” لتقديم ما هو أفضل مما قُدِّمَ في التجربة الأولى، لذلك لا تنكر أن التحدي كان كبيراً في التجربة الثانيةـ خاصةً وأن المونودراما فن صعب ويحتاج إلى جهد كبير، مبينة قرعوني أنها تعلَّمْت من نجاح “تفل قهوة” بعد عرضها في دمشق أن العمل اللبناني قادر على الوصول للآخرين خارج لبنان، وأسعدها جداً تقديمه في سورية في أقسى ظروف الحرب ودون أي تردد من قبلها لإيمانها بحاجة الناس لمشاهدة المسرح، ولذلك حضرت مع “تفل قهوة” بعد غياب طويل للمسرح اللبناني عن دمشق لتشارك بعد ذلك في العديد من المهرجانات العربية في الأردن ومصر وتونس، حيث استُقبلت في كل هذه الدول العربية بشكل جيد لأن ما تطرحه جزء من مشاكلنا في العالم العربي ومشاكل المرأة بشكل خاص، وهي مشاكل تكاد تتشابه إلى حد كبير.

هي وهنّ

تتابع قرعوني في “هي وهنّ” ما بدأت به في “تفل قهوة” من تسليط الضوء على بعض ما تعانيه المرأة في المجتمعات العربية، لذلك تؤكد أن العرض يعنيها كثيراً كامرأة لأن أي امرأة قد تكون عرضة لما يحدث للبطلة في المسرحية، لذلك أرادت تسليط الضوء على هذه المشاكل ليعرف من هو بعيد عنها ماذا يحدث من خلال نص هو خلاصة تجارب حقيقية ويرصد ما تعانيه المرأة على صعيد حضانة أطفالها بقوة القانون وبعض التشريعات والمحاكم الدينية وسلطتها على العلاقات الزوجية والعائلة والأولاد، والعمل لا يتناول فكرة الحضانة فقط بل يتطرق إلى مشاكل عديدة تعاني منها المرأة والطفل كالعنف المعنوي والمادي والزواج المبكر، موضحة أن العرض ليس للتهجم على أي طرف بل توصيف للحال، وهو تحية للمرأة ولوجعها وآلامها على هذا الصعيد، وهي كمسرحية لا يمكنها أن تفعل  أكثر ذلك.

كوميديا سوداء

لا تستطيع مروة قرعوني في “هي وهنّ” الذي سيميل إلى المباشرة بشكل أو بآخر أن تفلسف الأمور أو تفذلكها لحساسية المواضيع المطروحة، دون أن تنفي أنها والمخرج حاولا تقديم هذه المواضيع ضمن لوحات مجموعة مع بعضها ضمن عرض مسرحي واقعي ودرامي لم يخلُ من كوميديا سوداء ليتنفس من خلالها الجمهور، مؤكدة أن الجمهور بشكل عام والنساء بشكل خاص سيجدون عرضاً مسرحياً يحترم معاناة المرأة وآلامها ضمن عرض مباشر ولكن بطريقة مسرحية، خاصة وأن النص محبوك بطريقة إخراجية توصل الهدف منه في وضع يدنا على الجرح، وهو انعكاس لما يحدث للمرأة في هذا المجال، مؤكدة أن النص صعب وتجسد فيه عدة شخصيات، لكل منها مشكلتها وخطها الدرامي المختلف، لذلك بذلت مع المخرج مشهور مصطفى جهوداً كبيرة، خاصة وأنه أستاذ جامعي ولديه تجارب عديدة في المسرح، وهو الذي قام بكتابة النص بعد جمع القصص، ورأت أنه كان من المهم أن يَكتُب هذا النص رجل، وأجمل ما فعله د. مصطفى أنه وعلى الرغم من كل الظلم الذي تعرضت له البطلة إلا أنه لم يصورها ضعيفة بل شرسة، وخاصة الأم، حيث بقيت تدافع عن ولدها فلذة كبدها للنهاية رغم كل ما تعرضت له.

ضد الرجل

وتنوه قرعوني إلى أن مسؤوليتها كانت كبيرة كممثلة، وقد حاولت وهي التي تناولت في “تفل قهوة” قضية من قضايا المرأة أن تبذل جهداً كبيراً حتى لا تكرر نفسها، مع إشارتها إلى أن العرض هو تجربة، وهي والمخرج راضيان عنها، متمنية أن ينال إعجاب الجمهور السوري، وأن تصل رسائله بالشكل المناسب، مبينة أنه سبق أن قُدم في بيروت، وكان أول عرض يطرح موضوع الحضانة من خلال عمل فني وبشكل مباشر، لذلك تلقاه الجمهور بشكل جميل، وما أدهشها هو الحضور الكبير للرجال الرافضين لبعض القوانين التي تحكم الأسرة، في حين رأت النساء أن العرض عبر عن ما تعانيه العديد من النساء، وفي الوقت ذاته انتقده البعض بحجة أنه ضد الرجل، وهي لا يسيئها ذلك الجدل الذي أحدثه، وتراه أمراً طبيعياً، حيث لا يوجد عمل مسرحي كامل، ولأن أي عمل يحدث نقاشاً وحواراً هو عمل جيد، وهي تنوي عرضه مرة أخرى في بيروت وبعض المناطق الأخرى وكذلك في الدول العربية، مشيرة وهي التي تميل للمونودراما إلى أنه بات  لديها هاجس العمل في العروض المسرحية التي تعتمد على فريق بعيداً عن المونودراما بهدف التجديد ولصقل تجربتها بالعمل مع ممثلين لتعود بعد ذلك بين وقت وآخر للمونودراما التي باتت تغري الأغلبية لسهولة إنتاجها على الرغم من صعوبتها وحاجتها لممثل يجب أن يبذل جهداً كبيراً لإحداث التأثير المطلوب.

أمينة عباس