ثقافة

الفنانة المسرحية “ريم نبيعة”: للـمسـرح ألـقـه الـخـاص حـتـى ولــو خــف بـريـقــه

روحها موزعة بين خشبته وكواليسه، كانت ولاتزال تشعر بأن المسرح هو وطنها الصغير، وطنها وبيت أحلامها وصديق أسرارها الأنثوية الأمين.
كانت “ريم” قد بدأت حياتها المسرحية بمحض الصدفة، حيث كانت تجري دورات خاصة للغة الفرنسية في المركز الثقافي الذي هو الآن المسرح القومي في اللاذقية، تتوالى الأيام وتلبي “نبيعة” دعوة واحدة من صديقاتها لحضور بروفة عمل مسرحي للأطفال، أخرجه حينها “كمال قرحالة”، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية.
تقول ريم: سحرتني الأجواء التي تشيعها خشبة المسرح وكواليسه من ألفة عميقة، وعلاقة حسية عالية بالأشياء تزداد رهافتها رويداً رويداًً، كلما بدأت العتمة بالتلاشي لتدور عجلة الفرجة السحرية.
أجواء رومانتيكية بمدلولها الحسي، حلمت بها “ريم” منذ طفولتها، حيث أوكلت إليها في العديد من الحفلات والنشاطات الفنية في المدرسة، وكانت براعتها بأداء وتقليد الشخصيات على اختلافها من الأسباب الهامة التي جعلت من حبها للمسرح حلماً طفولياً سيمتد به الزمن ليصبح واقعاً وحقيقة.
تتابع “نبيعة”: أبديت رأيي بالعمل بكلمات خجولة بناء على طلب المخرج، وفوجئت عندما سألني: هل تلعبين دور الأميرة في هذه المسرحية؟.. أجابت “نبيعة”: لا بالكلمات، لكنها قفزت في الهواء كالطفلة التي لاتزال تحيا داخلها وهي تقول: نعم  هذا حلم حياتي.
من ذلك اليوم كنت بالنسبة لأسرتي نظرياً أحضر “كورسات” اللغة، وعملياً أنا أقف على خشبة المسرح الذي أحب، وأيضاً هنا بدأت رحلة الاحتيال لكي تحظى الأنثى بمجتمعنا بما تريد على جميع الأصعدة.
تابعت “نبيعة” دراستها الجامعية حتى السنة الثالثة في الأدب الفرنسي، إلا أنها تخرّجت في كلية التربية بدمشق، وخلال دراستها الجامعية تعرّفت “ريم” على الفنان المسرحي “فايز صبوح” الذي كان الداعم الأول لها باحترافها فن التمثيل، والذي أصبح شريك حياتها فيما بعد، وكان وقتها المسرح القومي يتألف من عشرة ممثلين لا أكثر ملتزمين بالعمل المسرحي كالفنان حسين عباس، وهاشم غزال، ورغداء جديد، وسوسن عطاف، وفايز صبوح، وأحمد قشقارة، بالإضافة إليها طبعاً.
“ريم” من الفنانات اللواتي قدمن تضحيات، حقيقة، لفن المسرح، إن كان بحرصها على شراء أزياء الشخصية التي ستؤديها في أحد الأعمال من نفقتها الخاصة كطالبة بعيدة عن أهلها، أو صرفها جل وقتها بالانكباب على دراسة المسرح بجهد شخصي، واقتناء الكتب والمجلات الخاصة بالمسرح، حيث كان الدعم المادي المقدم للمسرح في تلك الأيام، ومازال بما فيها أجور الممثلين، دعماً رمزياً لا يغطي حتى أجور النقل التي يدفعها الممثل خلال فترة البروفات.
شاركت “ريم نبيعة” في العديد من الأعمال المسرحية، وبأدوار متنوعة وغنية من حيث الأداء والحضور في أكثر من دور في العمل المسرحي نفسه، وفي تلك الفترة كانت قد احترفت العمل المسرحي، وتم تعيينها في وزارة الثقافة بصفة “فنانة” في مديرية المسارح والموسيقا.
من الأعمال التي قدمتها “نبيعة” على خشبة المسرح القومي: “الأميرة القبيحة، موت موظف ليلى والذئب، عودة جحا، جحا الرهيب والحمار العجيب، الممثل، أول من صنع الخمر، الذئب المغرور، محكمة” وغيرها.
كما أنها اشتغلت في بعض تلك الأعمال المسرحية كمساعدة مخرج، من تلك الأعمال حفل افتتاح مهرجان المحبة لعامي 2008، 2009، بالإضافة للعمل الأخير للمخرج الدكتور “محمد بصل”، مدير المسرح القومي: “سهرة في المقبرة”.
تتابع ريم: تميز المسرح القومي في اللاذقية خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة بصفتين متضادتين: الازدهار والانحطاط بآن واحد، ازدهار من حيث الاجتهاد الشخصي للممثلين، وإصرارهم على خلق وتكريس مسرح حقيقي بكل مكوناته، مسرح يحاكي هموم الناس، ويرسم الابتسامة على وجوه رواده دون ابتذال، وبعيداً عن التهريج، مسرح يليق بجمهوره الأطفال الذين هم من أهم متابعي الحركة المسرحية، ومن المواظبين على حضور المسرح، بالرغم من كل التطورات التقنية والتكنولوجية التي كدنا كممثلين نشتغل في المسرح نعتقد بأنه سيعصف بجمهور المسرح من الأطفال، لكن العكس هو من بقي واستمر، حيث بقي هذا الجمهور الحساس جداً لأدنى التفاتة أو همسة يشاهدها ويسمعها على الخشبة وفياً للمكان الذي رسم الفرح على ملامحه.
أما الانحطاط فأستطيع توصيف سببه، تتابع نبيعة: بتعدد القائمين على إدارة المسرح، حيث كانت المواقف والحسابات الشخصية والمهاترات البعيدة كل البعد عن أخلاقيات ورقي المسرح، هذا العمل الخلاق، هي المسيطرة على الواجهة المسرحية ومنذ مدة زمنية طويلة.
تغيرات وتبدلات كثيرة تقول “ريم” إنها كانت تذكّرها بفترة الانقلابات التي مرت بها سورية في حقبة الخمسينيات والستينيات، فلكل فترة مدير جديد له قوانينه ورجاله وأسلوبه الشخصي المسرحي الخاص، وللأمانة تضيف “نبيعة”: لابد لي من ذكر حالة الاستقرار التي يتمتع بها المسرح القومي في اللاذقية بوجود إدارة وفقنا بها متمثلة بشخص الدكتور “محمد بصل”، إن كان من خلال الخطة التي وضعها للارتقاء والنهوض بالحالة المسرحية في مدينة اللاذقية، لتنفيذ تلك الخطة التي تشاركنا في وضع ملامحها جميعاً بدقة وعملانية، أو من خلال المسافة الواحدة التي تعامل بها “بصل” مع الجميع دون استثناء، بعيداً كل البعد عن الشخصانية والشللية التي تسود عادة في هذا الفن وغيره من الفنون.
اليوم “ريم نبيعة” عضو مقرر في لجنة وضعتها مديرية المسارح لمشاهدة الأعمال المسرحية المنتجة في المحافظة، وتقييمها، والفصل بإمكانية عرضها أو لا، وذلك ضمن شروط نقدية بناءة، بعيدة كل البعد عن المحاباة والمحسوبيات، وقد تم إيقاف أكثر من عرض لعدم تحقيقه الشروط المسرحية التي تقدم فرجة مسرحية منشودة بمتعتها واشتغالها على اليومي والحقيقي والطازج.
وتؤكد “ريم” لـ “البعث” بأنها أبدت رأيها بحضور وزيرة الثقافة السابقة “لبانة مشوح”، والآن تكرر بأن المسرح في مدينة اللاذقية التي باتت اليوم مدينة كل السوريين الهاربين من جحيم الحرب، يجب أن يأخذ على عاتقه في هذه الفترة الصعبة التي يمر بها الوطن، إنتاج أعمال مسرحية نيابة عن المحافظات الأخرى التي حرم أبناؤها وفنانوها من المتعة المسرحية بسبب أيدي الغدر وأعمال التخريب والإرهاب على أيدي العصابات التكفيرية التي جاءت من كل حدب وصوب لترفع راية الموت السوداء، هذه الراية التي عمل المسرح منذ أيام رائده “أبي خليل القباني” وحتى الآن على تنكيسها، وإعلاء راية الحق والخير والجمال.
وتختم المسرحية الصرفة ريم نبيعة حديثها بالقول: بالمسرح سنجعل الأوكسجين متاحاً، محاولين خفض نسبة الاختناق المتوفرة هذه الأيام بمنسوب عال جداً، فالمسرح له ألقه الخاص حتى ولو خف بريقه.
تمام علي بركات