ثقافةصحيفة البعث

“بعد الحلم بلحظة”.. شغف الكتابة عبر تراشق الدهشة

بفارق  لحظة بعد الحلم وبغفلة من دهشة العبور بين إجفاله الصحو الناقد ورهافة الحد المسنون للحرف ترشقنا أمل حسن بالمزيد من حيواتها المضيئة، من حيث أنها مولد جمالي للمخيلة- تقول الشاعرة في نص خسرتك..ولكن أحبك؟!/بيقين النهر أحبك حين يناغي الحصى/بتواطؤ الضفاف/وحين كانت/وداعة روحك ترتهن صداي. لكن حسب بارت أيضا “نظرية النص” يمكن أن تقترن فقط بممارسة ما للكتابة”. وهذا يشير تبعا لبارت أن الكتابة شكل من أشكال التدمير،لأنها تقوم بتحويل النص إلى مجموعة رموز تبحث عن أصولها عبر مخيلة المتلقي/تشظيت../كأنثى حرون../يقدحني هسيس عطش../ تضمخ../ بنسغ رهاف الجذور/ في انهمار لهيب يشع التياعا/عند التصاق الجسد..ص 31

أمل حسن لم تمارس التجزيء عبر الكتابة بل استندت إلى الشغف في توضيح ثنائيات الشتات بين الأنا الفردية والانا الوطن-الهم العام- لتبدو أكثر عمقا ودلالة في تفاعلها مع القارئ/في فزع ماعاد يكتبنا/يرشفنا..بحرقة الوجع فينا/أتلك خرافة تاريخ للحمأ..؟/نرتمي فيه كصك غفران/أم شتات تبعثر من وطن؟!/فيه نغمس أسى الخليقة ص 35 . فنفهم من معادلة الاختيار أنه قوي موجع  يأتي من القلق كما /في فزع ماعاد يكتبنا\ مثل الغرق فهو معادل للزمن الذي \فيه نغمس أسى الخليقة\ حيث وفي هذه الحالة يمكن للنص أيضا أن ينفتح على تشكيلات جديدة من التعبير  معيدا بذلك توزيع اللغة عبر الخطوط والتشكيلات والتمسك بتأكيد الهوية من خلال الحديث عن الروح المرتبطة بذاكرة الوقت -\أنا نور فاتحة بصدر يسوع..\على مسرى دمي رتلت معراجي\بآيات الغضب.!!\شيدت بروجي لوعد سيأتي\أقسمت..بحق الشمس..بحق صوت الرعد\أنا الفجر والبلد،والجرح المقدس\حين يثور الحجر\بوعد يتنامى بحكمة القدر ص38 من نص بعنوان قال الفلسطيني – تحاول الشاعرة هنا رسم سيمولوجية الشخصية وبناء الدلالة باعتمادها على تصورين اثنين:النموذج العملي المباشر \على مسرى دمي رتلت معراجي\ واعتبار الشخصية  الفلسطينية المصرة على استعادة حقها علامة يجري عليها ما يجري على العلامة\أنا الفجر والبلد،والجرح المقدس\ اعتماداً على سردية حددت فيها معالم كل عنصر على حدة: انهار على كفي يمعن\بالفتح..بالزلزلة\أنا حي يرزق\ من أجل التأكيد والنفي في آنٍ معاً تضيف أمل مفردة الفجر والبلد التي تشي بالولادة ومفردة الجرح المقدس حيث تحيلنا إلى الضحية الإلهية لتطهير خطايا البشر \صلب المسيح -وبالتالي يمكن الحديث عن مسألة مهمة وهي الخلود \وأنا النبيل\أنا الشهيد\ تنتقل أمل في فضاء محمل بالكثير من الأسئلة المعلقة التي تنطوي عليها المجموعة،في حركة متأنية مثقلة بمكنونات حلمها الذي لايشبه الأحلام\تفيأ مهجة رسمي..واسمي\ ليشهد لحظك\آخر الطوفان\ص46 من نص شفاعة الظل- عالما يتشكل من أثر انعكاس اضطرابات صحو لم يكن له أن يدوم سوى لحظة، بعد الخروج من زهو التخيل\بشهقة واحدة لأنوء بك\بسدرة للمنتهى.\ص 47- ولعل مجموعة (بعد الحلم بلحظة) محاولة إعادة  خلق الأمل ضمن المشهدية اليائسة لعالم مشغول بكوابيسه الأخطبوطية مذكرة إيانا بالفرح والغموض الذي  يتأتى بهدوء يرافق القلب العاشق \كفاك تزنر تنويني\وصهيل القبل برعد يرويني\ ص 51-وهو ليس حدثا بقدر ما هو تشظ لفراغ الحدث تسعى أمل حسن من خلال رصد لحظة التماهي الكلي بالتفاصيل من خلال العبور للجسد ككل في سياق البحث عن الحقيقة العميقة – بين جمل مكثفة وأخرى تفصيلية،لأن المقاربة بين وضع ونقيضه يحتاج التفصيل\محفوفا بأناقة الحيلة،في تبنى الطيبة\لتقضم من البحر مايروض الغنيمة لك!!\ ص 93-

لافتة إلى ان الحب في هذا العصر الملتبس تجربة فريدة تبحث عن توق يؤرخ سيرته الشخصية \كان ممكنا..أن تهديني ورقة بيضاء\لأملأها بهواجسنا المتعبة!!\ص88-

وخلافا للأحلام والتي يؤسس لها العنوان لم تترك لنا الشاعرة متسعا لترقب السياقات الشعرية بحرية الحركة التي يمتلكها الحلم والخروج عن المسارات والوقائع كما يفترض به كحلم، بل أخذتنا إلى الصحو الملتبس بعد الحلم بلحظة بحيث تشير أن لا انفلات للحدث في اضطراب المكان أو الزمن الشعري.. في الديوان مجموعة احتمالات أتت في صور قابلة للتحقيق في تعرية الدلالة اللفظية وإلحاحها للخروج من القالب إلى حرية الأبعاد.ولابد من الإشارة إلى أن المجموعة اعتمدت على التأويلات المكررة مرده التجربة الأولى بالنشر، وهي تحمل إرهاصات الانكشاف المقلق، كنت أتمنى لو تركت مخيلتها تجول بحرية أكثر لتطابق فضاءاتها الواسعة  لكن من المؤكد أن ساحة التعبير الداخلية في ديوان “بعد الحلم بلحظة” تتسم بالدهشة، والتي تعتبر تلخيصاً لخصوبة تجربة مصرة على أن تكون منصة انطلاق  نحو تجربة أعمق وأكثر تكثيفا. يقع الديوان في 165 صفحة من القطع المتوسط ويضم 68 نصا صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت.

سمر محفوض