تحقيقاتصحيفة البعث

مع تطويع زراعته الزيتون في السويداء.. تقدم ملحوظ في الإنتاجية ودخول سريع في سباق المردود الاقتصادي

البداية من النهاية، أي في معاصر الزيتون، حيث تفوح رائحة الزيت معلنة نهاية رحلة طويلة من الجهد والتعب، وبعد مراحل عدة تسلكها حبات الزيتون في المعصرة، ولكل مرحلة فيها أهميتها وخصوصيتها لاستخراج الزيت، وتسجيل انتصار على التحديات التي تواجه المزارعين في السويداء، وماسحة قطرات العرق عن جبينهم، وقد استطاعوا تطويع هذه الزراعة، واستخراج الزيت منها رغم كل المعوقات، فما هي هذه التحديات؟ وما هي المعوقات التي تواجه مزارعي الزيتون في السويداء؟ وكيف طوّع أبناء المحافظة هذه الزراعة لصالحهم؟.

نزهة الوداع
مع تلوّن حبات الزيتون بالأسود، استنفرت أسرة أبي باسل للبدء بموسم القطاف “حواش الزيتون” الذي يعد بطقوسه العائلية مناسبة لها خصوصيتها من حيث اللمة، وأجواء العمل الجماعي، وما يرافقه من نهارات طويلة، حيث تكون لكل فرد من الأسرة وظيفته في عملية القطاف، هذه الوظيفة تحددها قدرات الشخص ذاته وإمكانياته، وأسرة أبي باسل واحدة من مئات الأسر في محافظة السويداء التي امتهنت هذه الزراعة وطوّعتها رغم التحديات المناخية التي تعترضها، وحوّلتها إلى زراعة تساهم في دعم الاقتصاد المحلي في المحافظة.
يقول أبو باسل: إن الموسم متذبذب بين عام وآخر حسب كميات الأمطار الهاطلة، والمناخ الجوي الذي يرافق عمليات الإزهار، وبالنسبة له هذا الموسم جيد، حيث يقدر إنتاجه بطن من الزيتون يعطي من ١٢-١٥ “تنكة زيت”، وهو إنتاج جيد بالنسبة له.

اكتفاء ذاتي
بالرغم من الصعوبات التي تواجه مزارعي شجرة الزيتون في السنوات الأخيرة في محافظة السويداء، إلا أنها مازالت تحظى باهتمام شريحة لابأس بها من المزارعين نظراً للأهمية الاستراتيجية التي تحققها هذه الشجرة على مستوى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الزيت والزيتون.
يقول المهندس خلدون منذر، رئيس دائرة الأشجار المثمرة في مديرية زراعة السويداء: بالرغم من عدم ملاءمة الطبيعة الجبلية لغراس الزيتون في محافظة السويداء، إلا أن مديرية زراعة السويداء استطاعت تطويعه بما يتلاءم مع بيئة المحافظة، حيث استنبطت أصنافاً أكثر ملاءمة لظروف الجفاف والصقيع، وأصبح موسم الزيتون في محافظة السويداء يدخل في سباق المردود الاقتصادي مع التفاح والكرمة.
وبيّن منذر أن كمية إنتاج زيت الزيتون المتوقع إنتاجها لهذا العام تصل إلى 1600 طن، مبيّناً أن كمية إنتاج الزيتون قدرت بحوالي 11 ألف طن تقريباً، بزيادة تصل إلى 5 آلاف طن تقريباً مقارنة مع العام الماضي، وأن المساحة الكلية المزروعة بأشجار الزيتون في محافظة السويداء بلغت 9896 هكتاراً، وعدد الأشجار الكلي 1,5 مليون شجرة، كما بلغ عدد الأشجار المثمرة 1,3 مليون شجرة، وأضاف بأن إنتاج الزيتون في الموسم الحالي سجل تقدماً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، حيث قدرت مديرية زراعة السويداء الإنتاج بنحو 11 ألف طن تقريباً، في حين بلغ الإنتاج في العام الماضي 600, 8 طن، وعزا منذر هذا التقدم والتحسن في الإنتاج إلى الظروف المناخية المناسبة لعقده وإثماره، وتوفر كميات مقبولة من الأمطار، إضافة إلى طبيعة الحمل في شجرة الزيتون “المعاومة”، مشيراً إلى وجود 6 معاصر في المحافظة تستقبل كامل الإنتاج من المزارعين، موضحاً أن سعر عصر الزيت يتم تحديده من قبل لجنة التسعير في المحافظة، أما مديرية الزراعة فتقوم بحساب تكلفة عصر الكيلوغرام الواحد بـ 21 ل.س هذا العام.

تكاليف مرتفعة
وفي حديث الزيت والأسعار تبرز تكاليف العصر التي يجدها المزارعون مرتفعة، وهذا يضيف عبئاً آخر على تكاليف الإنتاج التي تمتص الكثير من الأرباح لتصل إلى حد التعادل بين التكاليف والأسعار، خاصة أن التكاليف تعتبر مرتفعة، وهذا ينعكس على سعر المادة في نهاية المطاف، ويقود ذلك إلى إحجام المستهلكين عن الشراء لضعف القوة الشرائية عند غالبيتهم، حيث يصل سعر “تنكة” زيت الزيتون ما بين الـ 33و35 ألف ليرة سورية، ما يشكّل عبئاً إضافياً على المواطن السوري الذي يعجز عن شراء كمية كبيرة، نظراً لارتفاع سعرها، وبالتالي هناك الكثير من السلع ستخرج من قائمة طعام المواطن السوري بسبب غلاء الأسعار.
وفي الجهة المقابلة فإن لأصحاب المعاصر رأياً آخر، يقول راضي عكوان، وهو صاحب معصرة زيتون في السويداء: إن ارتفاع أجور عصر الكيلوغرام من الزيتون الذي وصل إلى 25 ليرة أثار حفيظة المزارعين فعلاً، واعتبروها غير منصفة ومجحفة بحقهم، إلا أن هذا الارتفاع يعود إلى النفقات الكبيرة التي يتحمّلها صاحب المعصرة التي تشغل أكثر من 16 شخصاً في كل واردية، إضافة إلى المحروقات، والصيانة، وقلة حيازات المزارعين، كلها عوامل أدت إلى وضع هذا السعر، مع أننا نجده قليلاً بالنسبة لنا كأصحاب معاصر، وطالبنا برفعه.

طرد مركزي
طبعاً أجور العصر ليست الوحيدة المرتفعة، فهناك أجور القطاف التي وصلت إلى 70 ليرة للكيلوغرام الواحد، تضاف إليها أجور النقل، وعلاوة على ذلك هناك أجور التقليم والرش، إضافة لأجور الفلاحة، هذا الأمر أدى إلى ارتفاع سعر صفيحة زيت الزيتون إلى 35 ألف ليرة.
مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالسويداء فادي مسعود قال بأنه يتم عصر المحصول عبر 6 معاصر تعمل جميعها على مبدأ الطرد المركزي، لافتاً إلى أنه تم إجراء دراسة عن تكاليف العصر لدى المعاصر، إذ تبلغ هذه التكاليف وفق الدراسة ٢١ ليرة، مضافاً إليها هامش الربح، وسعر العصر تقدره لجنة التسعير بالمحافظة، وأن تكلفة إنتاج الصفيحة الواحدة من زيت الزيتون هي 28 ألف ليرة بالنسبة لتسعيرة أجور عصر الزيتون، وهناك لجنة مشتركة ما بين التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ومديرية الزراعة، إضافة لعضو المكتب التنفيذي المختص لوضع تسعيرة مناسبة، والتسعيرة الحالية يبلغ مقدارها 25 ليرة للكيلوغرام الواحد، ويراها المزارعون (مرتفعة)، ويبيّن مسعود أنه تم خلال العام الحالي المحافظة على السعر المعتمد العام الماضي، وهو أقل بكثير من دراسة التكاليف المقدمة من أصحاب المعاصر، عازياً ارتفاعها قليلاً عن باقي المحافظات إلى عدم وجود كميات كافية من الزيتون لتشغيل جميع المعاصر العاملة بالمحافظة، وتغطية تكاليفها، إضافة إلى أن كميات التفل المستخرج أقل، ولا توجد معامل للبيرين، علماً أنه تم تشكيل لجنة على مستوى المحافظة تضم ممثّلين عن مديريات الزراعة، والصناعة، والبيئة، والتجارة الداخلية، وغرفتي التجارة والصناعة، مهمتها الإشراف على عمل المعاصر طوال موسم العصر.

البيع “دوغمة”
تشير إحدى المعلومات إلى أن اسبانيا تعتبر أكبر مستورد لزيت الزيتون السوري، وهي في الوقت نفسه أكبر منتج للزيت في العالم، فلماذا تقوم بالاستيراد؟ لا شك أن الجواب سيكون حاضراً في أذهان الكثير من المهتمين بعمليات التسويق، فهي تقوم بإعادة تعبئته وتصديره كمنتج اسباني عالي الجودة، بينما تجارنا يتسابقون لبيعه “دوغمة”!
وإذا كانت الفوائد الصحية والغذائية المبرر الوحيد للمستهلكين والمزارعين على حد سواء لارتفاع السعر، إلا أن ذلك سيكون حتماً على حساب الكميات المستهلكة سنوياً لكل أسرة التي تتراوح بين “التنكة والتنكتين”، وتصل إلى ثلاث عند بعض الأسر، وتنخفض عند الكثير منها لتصل إلى الاستخدام في المناسبات، وبعض حالات الاحتفال، وللمواءمة في ذلك لابد من البيع دوغمة في السوق المحلي وبسعر مقبول للمستهلك، والاهتمام بالشكل، وإعادة التعبئة الأنيقة بشكل يضاعف سعر المادة في السوق الخارجية.

رفعت الديك