دراساتصحيفة البعث

جنون ترامب يتجسد بقانون “قيصر”

 

هيفاء علي
لم توفر إدارة أوباما وبعدها إدارة ترامب أي وسيلة أو طريقة لمعاقبة الشعب السوري وحرمانه من الحصول على الحد الأدنى من المواد الأساسية والأدوية في معيشته. فلم تكتف بالحرب الشرسة التي شنتها على سورية منذ تسعة أعوام بالتواطؤ مع حلفائه وأزلامه الخليجيين والأتراك، بل شراهتها العدوانية وعنجهيتها الاستعمارية دفعتاها لفرض عقوبات اقتصادية جائرة بعدما عجزت عن تحقيق مآربها وبعد هزيمة إرهابييها ومرتزقتها هزيمة نكراء على أيدي الجيش العربي السوري في ميادين المعارك.
ففي 20 كانون الأول 2019 ، وقّع دونالد ترامب قانون” قيصر” بزعم “حماية المدنيين في سورية”، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى عميل سوري للاستخبارات الأمريكية ملقب بقيصر الذي تم استقدامه إلى الكونغرس عام 2014 و بجعبته العشرات من مقاطع الفيديو المفبركة لانتزاع تنازلات من روسيا في المفاوضات الدولية بشأن سورية.
الهدف المعلن من هذا القانون الذي يشكل خيانةً لاتفاقات طويلة الأمد مع روسيا، تصوير سياسة ترامب على أنها الهزيمة الكاملة للشعب السوري وحكومته المنتخبة وإقامة دولة دمية بقيادة الولايات المتحدة. إذ لم يتحمل ترامب فكرة أن الجيش العربي السوري وحلفاءه بمساعدة القوات الجوية الروسية بدؤوا في تطهير محافظة إدلب آخر معقل للإرهابيين، فهي بالنسبة له فكرة جنونية.
فلا يزال هناك معقلان إرهابيان آخران، أحدهما في حقول النفط السورية شرق الفرات ، النفط الذي تباهى ترامب “الاحتفاظ به” والآخر بالقرب من الحدود الأردنية حيث تقوم قوات ترامب المحتلة بتمرير الأسلحة إلى الخلايا المعزولة من إرهابيي “داعش” التي لا تزال طليقة في الصحراء الغربية.
وفي الوقت الذي طرحت فيه مبادرة قانون قيصر، لم يكن الغرب يعلم بعد أن ما يسمى “الجيش السوري الحر” ليس سوى فرع من تنظيم “القاعدة وداعش” وأنه كان تحت سيطرة وكالة المخابرات المركزية.
وقد أظهر فحص الصور، التي قدمها المدعو قيصر، من قبل محققين مستقلين أنها صور تم تحريرها وتمريرها أو العبث بها باستخدام برنامج فوتوشوب باستخدام أقسام رئيسية من صور القتلى والجرحى خلال القتال، وخاصة في محافظتي حماة و حلب.
والأهم من ذلك أن العديد من هذه الصور تعود للضحايا الذين قامت التنظيمات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة بإعدامهم وهي لجنود من الجيش العربي السوري ومدنيين و لمسؤولين سوريين وعائلاتهم في المناطق التي كانت تسيطر عليها. في حين هناك صور أخرى مأخوذة من العراق واليمن وليبيا. ما هو واضح هو أن هذه الصور بدون سياق يتم تسليمها للمؤلفين أنفسهم وتم تقديمها كحقائق دون أي تحقق من أي نوع.
وبينما يقف الرئيس الروسي بوتين إلى جانب دونالد ترامب في محنته المتمثلة في محاولة عزله من قبل الكونغرس، يبذل ترامب قصارى جهده لتشويه سمعة روسيا وتشويهها في جهودها لمكافحة الإرهاب والتقليل من شأن تضحيات الروس الذين سقطوا في سورية “بطريق الخطأ” من قبل الطيران والمدفعية الأمريكية. والاسوأ من ذلك أن ترامب يستخدم مواد دعائية، مثل رسائل وصور الفيسبوك المزيفة كـ “دليل” على هجمات الغاز السورية في دوما، التي تم إخراجها بطريقة بهلوانية هزيلة لتخدم سياسته العدوانية.
أولئك الذين قضوا وقتاً طويلاً لفحص مجموعة الأدلة الزائفة وجدوا المواد التي تم سحبها من يوتيوب وفيسبوك، وأحياناً نفس المادة التي تحتوي على أجزاء من الصورة تم نقلها إلى مادة أخرى، وهذه المهمة سهلة باستخدام البرامج المتطورة، وهذا “دليل” على أن أي طفل لديه جهاز أيباد يمكنه إنشاء كم هائل من الصور ومقاطع الفيديو حيث تم استخدام الصور نفسها مراراً وتكراراً باستخدام العديد من الأشخاص الذين لديهم أرقام ملف تحقيق وهمية لرفع الأرقام، وقد كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش النقاب عنها وفضحت أمرها.
في عام 2014، قام الخبير الأمريكي “غوردون دوف” بزيارة دمشق بدعوة من وزير العدل السوري آنذاك واستعرض معه الملفات المتعلقة بالاعتقالات والاحتجاز بالإرهابيين في مقر وزارة العدل مع الدكتور فرانكلين لامب ووفد مشترك روسي-أمريكي.
حيث لفت “دوف” إلى أن الملفات التي تم فحصها كانت عبارة عن قوائم للمحتجزين ، لم يتم احتسابها بالآلاف بل بالمئات، بمن فيهم كبار الضباط السعوديين والقطريين الذين تم أسرهم من قبل الجيش السوري في منشأة أسلحة كيميائية بالقرب من الرقة. وأضاف دوف: إن المفتاح لفهم المشكلة هنا هو استمرار اعتماد الولايات المتحدة على الإرهاب والتجاوزات وانتهاك القانون الدولي، والذي لا يشمل فقط استخدام الأدلة الكاذبة التي عمرها سنوات طوال، وفضح أمرها منذ زمن طويل، لكن أيضاً الإجراءات العدوانية الأخيرة المتمثلة بسرقة النفط السوري وبيعه بأرباح طائلة لتمويل عمليات تنظيم “داعش” الذي تحاول الولايات المتحدة إحياءه.