ثقافةصحيفة البعث

واقع أدب الطفل السوري وفنه في ظل الحرب

 

كل القوى الاستعمارية قديمها وحديثها، ترفق قوتها العسكرية الطاغية بقوى ناعمة تعتمد الثقافة والأدب والفن كأسلحة تفتك في المجتمعات المستهدفة من غزوها ذاك…وهذا الغزو الثقافي ينطوي على العديد من النقاط الخطرة منها:

_ سلب إرادة الجيل الشاب القادر على مقارعة هذا العدو وجعله ضعيفاً لا حول له ولا قوة، تابعٌ بشكل أو بآخر لنهج الغازي ويتقبل كل ما يفرضه عليه.

_ (أدلجة) وبرمجة عقول هذا الجيل للانسلاخ من أخلاقيات وأعراف وقيم مجتمعهم والتمرد عليه والنقمة على واقع الحال الذي يعيشونه ليحولوا رويداً رويدا لدعاة قبول بهذا المستعمر الغازي وأفكاره لصناعة أحصنة طروادة قادرة على اختراق بيئتهم المجتمعية.

_ زراعة الأنا المتضخمة في خلد كل شاب وتغذيتها بالحقد والكراهية والأفكار التكفيرية الاقصائية للغير، فتنشأ بذلك الصراعات الداخلية التي تفتّ بعضد المجتمع وتفككه ليسهل على المستعمر الدخول إليه بأقل كلفة بشرية من قبل أفراده.

_ عدم الاكتراث بالنسيج المجتمعي القائم على التعاون والتكافل في صد الغزو الخارجي فنصبح كقصة (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض)

(نتمنى الخير والسلامة والأمان لذاتنا ولا نكترث لاقتطاع الأرض والأحلام من حولنا رويداً رويداً… ولا نهب لنصرة أجزاء من المجتمع يستفرد بها العدو قطعة قطعة).

هذا التمهيد كله رأيناه كثقافة دخيلة غرست في أفئدة وضمائر وعقول أطفالنا وشبابنا عبر صورة نمطية ولغة بصرية ترسخ نماذج من البطل الأمريكي الأوحد والمخلص للعالم …والخارج عن حدودنا الجغرافية والأخلاقية مع ألوان أزياء هؤلاء الابطال وأغلبها يحمل نفس ألوان العلم الامريكي عبر:

_ الأفلام السينمائية ذات التقنيات العالية.

_ القصص المصورة (الكوميك) التي تمجد النموذج الأمريكي وتؤلهه.

_الأعمال الكرتونية الموجهة لشرائح الشباب.

_ الألعاب الإلكترونية الطافحة بالخرافة والجنس والعنف وهي مقومات قوى الظلام التي تسترت وراء لبوس الدين لتمرير سمها عبر عروق المجتمع.

نكرر كنموذج عملي قابل للنقاش والبحث (فارس الظلام) الرجل الفارس المقنع حامي المدينة ذو العصابة والراية السوداء والشعار الدائري الأبيض وفيه رمز الوطواط الأسود يشابه لحد كبير دعاة الظلام والرايات السود والملثمين الذين عاثوا في الوطن فساداً وتقتيلاً وتدميراً … لذلك كانت حمى الترويج الاعلامي والمالي الكبيرة لثلاثية سلسلة باتمان (الهوليودية) في السنوات الأخيرة وكتبه ومجلاته ورسومه المتحركة وما رشح منها من تعلق أطفالنا بتلك الرمزية وانجرار الكثير من الشباب وراء تلك الرموز القادمة لترسخ البطل الامريكي المتفرد الخارق للعادات…والمخلص للأرض.

* الرد الذي قمنا به خلال فترة الحرب كان ولا زال ضعيفاً ورقيق العود غير قادر على صد جولة من هجمات الثقافة الدخيلة الغربية…

_ كم أنجزنا من أعمال قصصية أو أشعار تواكب ثقافة أطفالنا لشرح مفردات أصبحت بالنسبة لهم واقع معاش مثل:_ الإرهابي_المتفجرات_الأسلحة الكيميائية_ داعش والنصرة وأخواتها-_القتل_الطائفية

…وعدد ما شئت من مفردات نقف عاجزين حائرين -رغم كل ما ندعيه من وعي وثقافة-حين يسألنا طفل صغير ماذا تعني هذه الكلمة…

وحتى لانكون في دائرة المنظّر السلبي لنسأل انفسنا الأسئلة الإيجابية لتحفيز العمل والسعي لإيجاد البداءل:

أين القصص التي تمجد الوطن والإنتماء له والشهيد وعظيم عطائه والجندي العربي السوري وقدسية تضحياته وهو انبل فرسان هذا الزمان؟

لماذا لا نجد في مكتباتنا قصصاً تحمل أغلفتها رسوماً لأبطال من لحم ودم عاشو بطولاتهم ها هنا على هذه الارض النبيلة ونذرو في سبيلها الغالي والثمين؟

أين دور المؤسسات الوطنية التي تتصدر المشهد الثقافي وفيها جزء كبير ومهم من مفاصلها يعني بالشأن الطفلي؟

مثلاً: أين دور جمعية أدب الأطفال في اتحاد الكتاب العرب… لماذا لا يكون الناتج الخاص بها مناسب يتناسب مع هموم وهواجس المرحلة ومع حساسية تلقي الطفل لكل هذا الكم المهول من المفردات والممارسات الإجرامية التي تشوه ذائقته السمعية والبصرية والدماغية؟

أين دور شعبة الكرتون وبرامج الأطفال في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون؟

أين دور مؤسسات النشر الخاصة في اتحاد الناشرين السوريين؟

كم عنواناً أنتجناه يُعنى بالحرب ومفرداتها وتخفيف وطأتها على نفوس الأطفال وتحييدهم ومعالجتهم نفسياً وتربوياً وثقافياً من تبعاتها.

ما الحل العملي بعيداً عن التنظير. *

برأيي الحل هو الجواب عن كل سؤال طرحته…آنفاً وهو باختصار وقصارى القول: العمل على إنتاج ثقافة (أدبية وبصرية) ترميمية لمعالجة مخلفات هذه الحرب الهمجية على عقول وأفئدة أطفالنا ثم العمل بعدها على إنتاج ثقافة كلاسيكية تقليدية

تبدأ بالقصص والأشعار وفن الكوميك ثم تتحول إلى برامج تلفزيونية تنطلق من تحصين الأسرة والأطفال وإنتاج مسلسلات خاصة بثقافتنا ومجتمعنا ومن ثم صناعة أفلام رسوم متحركة تعالج كل ما سبق بطريقة فنية عالية.

_ لدى سورية طاقات شابة مهمة ومهنية ومتقنة لعملها في مجال إنتاج ثقافة طفولية سورية خالصة…

نتحتاج فقط لخطة وطنية عملية شاملة

ومن ثم الدعم المعنوي والمادي لإنتاج هذه الخطوات.

رامز حاج حسين