تحقيقات

الذهب السائل..”العسل السوري ” ثروة حقيقية ومساعي حثيثة لزيادة إنتاجه

لم يعد احتواء العسل في المنزل من الرفاهيات والكماليات هذه الأيام، فقد اتجه الكثير من المواطنين لشراء كميات كبيرة من العسل خلال الشهر الماضي لتناوله كصنف من الدواء نظراً للفوائد الكثيرة التي تحويها هذه المادة، فقبل انتشار فيروس “كورونا” بدأ الناس بالبحث عن شتى أنواع الأدوية والعقاقير والأعشاب التي تقوي الجهاز المناعي لا سيّما العسل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعره أسوة بشتى السلع والمواد الاستهلاكية التي قفزت أسعارها دون سابق إنذار قبل انتشار فيروس كورونا في بلدنا بالشكل المخيف الذي لمسناه في جميع دول العالم.
عودة الإنتاج
وعلى الرغم من تعرض هذه الثروة للخسارة خلال سنوات الحرب إلّا أن إصرار النحالين على عودة عجلة إنتاج هذه الثروة جعلها تقلع من جديد، لترتفع نسبة أعمالهم 25 بالمئة ، ومع ذلك لم يتعد الإنتاج 600 طن حالياً في وقت كانت سورية تنتج أكثر من ثلاثة آلاف طن قبل الحرب حسب الأمانة السورية لاتحاد النحالين العرب، فشهرة العسل السوري ليست وليدة عام بل هو كنز حقيقي اشتهرت به سورية على مدى العصور لما يحمله من ميزات بجودة عالية، ولأنه مكثّف ويحمل قيمة غذائية، لكن انخفاض عدد العاملين في قطاع النحل وتدهور طوائف وخلايا النحل أدى لتراجع إنتاج هذه الثروة، فبحسب إياد دعبول رئيس أمانة سورية لاتحاد النحالين العرب وبالرجوع إلى إحصائيات وزارة الزراعة كان عدد خلايا النحل 630 ألف خلية قبل الأزمة، لكن تدهور طوائف النحل وتدميرها خلال الأزمة أدى لانخفاض عددهم ليصل إلى 200 ألف خلية، وتكون خسارة الثروة النحلية خلال الحرب من 400 إلى 430 ألف خلية ، الأمر الذي جعلنا نقوم في 2017 بالتواصل مع المنظمات الدولية وبالتعاون الفني مع وزارة الزراعة حيث نفذنا 14 مشروعا و21 ألف خلية نحل جديدة ، ومنذ 2017 وحتى الآن ازداد أعداد الخلايا الجديدة إلى 110 آلاف بالإضافة إلى الأعداد القديمة، ويؤكد دعبول أن الاستهلاك المحلي للسوق السورية 1500 طن ويصدّر الباقي إلى الدول المجاورة.
عسل مغشوش
امتلأت الأسواق خلال السنوات العشر الأخيرة بأصناف كثيرة من العسل الرخيص السعر والذي اكتشف المواطن لاحقاً بأنه مغشوش كباقي السلع التي طالتها يد التجار المتلاعبة بتصنيعها طمعاً بالربح الكثير السريع بأقل تكاليف ممكنة، ليفقد المواطن اليوم الثقة بالعسل السوري وجودته التي لطالما تغنّت سورية بهذه الثروة الحقيقية، ويرجع دعبول سبب انتشار هذه الأصناف المغشوشة لفقدان العسل الطبيعي في تلك الفترة بعد أن خرج الكثير من العاملين في هذا القطاع من العمل بعد خسائرهم، أو نتيجة سفرهم لدول أخرى أو مزاولتهم لمهن تدرّ عليهم ربحا أكثر من العمل في قطاع النحل خلال سنوات الأزمة، لكن هذا العام كان الإنتاج مميزا بسبب كميات الأمطار الممتازة التي عمّت المافظات، ولسوء حظ النحالين جاء حظر التجوال بسبب فيروس كورونا لتتجاوب وزارة الزراعة مع طلب النحالين بالسماح لهم بالتنقل لخدمة الخلايا والوصول إليها، ونفى دعبول الشائعات التي تتحدث عن تسرب أمراض مبيدة للنحل عن طريق الملكات أو الطرود المستوردة فسورية صارمة في الحجر البيطري حيث يتم حجر النحل ثلاثة أيام ثم تؤخذ عينات منها وتفحص في وزارة الزراعة ليتم الإفراج عن النحل لجهة خلوها من الأمراض، وفيما يتعلق بارتفاع سعر العسل أكد دعبول أن سعر المادة يتم تحديده بناء على قاعدة العرض والطلب ، ولأن الإمكانيات قليلة والإنتاج قليل نجد أن سعره مرتفع ومع ذلك يبقى سعره منخفضا مقارنة بالسعر العالمي، ويعمل الاتحاد في المرحلة القادمة على دعم النحالين المتضررين من خلال التعاون مع المنظمات الدولية، كذلك يتم العمل على تجهيز منشأة لتحضير العسل ومنتجات الخلية وتوضيبها وتصنيعها لإعدادها للتصدير وهذا يساعد النحالين لجهة تسويق إنتاجهم مستقبلاً.
أهمية اقتصادية
يعتبر النحل مسؤولاً بشكل كبير عن استمرار الحياة على كوكب الأرض ، حيث يقوم بتلقيح ما يقرب من ثلاثة أرباع النباتات التي تنتج 90 ٪ من غذاء العالم ، ويرى عبد الرحمن قرنفلة “المستشار الفني لغرف الزراعة” أن كل ملعقة من ثلاث ملاعق طعام نتناولها تعتمد على دور النحل في إخصاب النباتات ، وهذا ما دعا كثيرا من المفكرين للقول بأنه لو اختفى النحل لن تستمر البشرية على الأرض سوى بضع سنوات، فالفاصولياء واليقطين وفول الصويا والبروكلي والخيار والحمضيات والتفاح واللوز والخوخ والكرز والبطيخ والتوت وعباد الشمس و39 محصولا تجاريا آخر وغيرها الكثير من النباتات التي تدخل بتغذية الإنسان مباشرة لا يمكن وجودها في غياب النحل ، ويقوم نحل العسل أيضا بتلقيح نباتات العلف ونباتات المراعي الطبيعية التي يتم إطعامها للثروة الحيوانية، لذلك هناك آثار على توفير اللحوم والألبان أيضًا للبشر، ناهيك عن المجموعة الضخمة من المنتجات الغذائية المصنعة المصنوعة من جميع هذه المكونات. بالإضافة إلى ذلك ، يلعب نحل العسل دورًا هامًا في تلقيح المحاصيل الهامة الأخرى مثل القطن والكتان المستخدمة في صناعة الألبسة وغيرها، وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية ، تضاعفت كمية المحاصيل التي تعتمد على الملقحات ثلاث مرات (أي الفاكهة والخضروات والبذور والمكسرات والبذور الزيتية) حيث يلعب النحل دورا هاما فيما يتعلق بنطاق الإنتاج الزراعي ، إذ يزيد التلقيح الفعال من كمية المنتجات الزراعية ويحسن من جودتها ويعزز مقاومة النباتات للآفات.
حماية البيئة
ويؤكد قرنفلة أن النحل حيوي للحفاظ على التوازن البيئي والتنوع البيولوجي في الطبيعة. و يوفر واحدة من أكثر خدمات النظام البيئي المعروفة ، أي التلقيح وحيث أن أغلب النباتات المزهرة تحتاج إلى تلقيح بواسطة النحل لإنتاج البذور، فانعدام هذه العملية سيؤدي إلى انهيار العديد من الأنواع والعمليات المترابطة معا داخل النظام البيئي ، ويربط النظام الإيكولوجي البري بنظام الإنتاج الزراعي بشكل مباشر ، وهو ما يجعل إنتاج الغذاء ممكناً من خلال القيام بذلك فإنها تحمي وتحافظ على النظم البيئية وكذلك الأنواع الحيوانية والنباتية ، وتسهم في التنوع الجيني والاحيائي . ويعمل النحل أيضا كمؤشرات لحالة البيئة يخبرنا وجودهم أو غيابهم أو كميتهم عن حدوث شيء ما في البيئة والحاجة إلى اتخاذ إجراء مناسب، ومن خلال مراقبة تطور وصحة النحل يمكننا التأكد من التغيرات في البيئة وتنفيذ التدابير الوقائية اللازمة في الوقت المناسب، وتقديراً لأهمية النحل فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 211/72 في عام 2017 ، بإعلان يوم 20 مايو من كل عام يوماً عالمياً للنحل وفي كل عام في هذا اليوم ، يتم لفت انتباه الجمهور العالمي إلى أهمية الحفاظ على النحل والملقحات الأخرى. ويتم تذكير الناس بأهمية النحل للبشرية جمعاء ودعوتهم إلى اتخاذ إجراءات ملموسة للحفاظ عليها وحمايتها. وقد شارك في رعاية القرار 115 دولة عضو في الأمم المتحدة ، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والصين والاتحاد الروسي والهند والبرازيل والأرجنتين واستراليا وجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ميس بركات