دراساتصحيفة البعث

خمسة أسباب للتوتر بين الولايات المتحدة و أوروبا

إعداد: عناية ناصر

منذ اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني، أحدثت الولايات المتحدة شرخاً آخر مع حلفائها الأوروبيين حتى وصلت العلاقات بين ضفتي الأطلسي إلى الحضيض، فمن إيران إلى التجارة مع الصين إلى التغير المناخي وأخيراً فيروس كورونا، ما يؤكد أن الغرب منقسم.
يلقي الكثيرون في أوروبا باللوم على الرئيس ترامب فيما آل إليه هذا الوضع.  وبالفعل، فإن إدارة ترامب تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية، لكن التوترات عبر المحيط الأطلسي أعمق بكثير مما تسبب به رئيس أمريكا الخامس والأربعون. ودون اتخاذ إجراءات تصحيحية، سيزداد هذا الشرخ بين الولايات المتحدة وأوروبا بشكل أكبر في عشرينيات هذا القرن، بغض النظر عمن سيكون في المكتب البيضاوي.

التوترات الأمريكية مع أوروبا ليست جديدة، فحرب العراق قسمت شركاء الأطلسي، ولكن التداعيات السابقة كانت تدور حول السياسة. أما اليوم، فقد أصبح أساس مفهوم وقيمة التحالف عبر الأطلسي موضع تساؤل. يعد دونالد ترامب أول رئيس أمريكي يضعف التكامل الأوروبي بدلاً من تشجيعه  فهو ينظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه تهديد بدلاً من النظر إليه كحليف، ولهذا يعتقد العديد من الأوروبيين أن خلافاتهم مع واشنطن سوف تختفي بمجرد مغادرة ترامب منصبه. بالتأكيد أن رئيساً جديداً يمكنه تخفيف التوترات، ومن المحتمل أن يلزم الرئيس القادم الولايات المتحدة بحلف الناتو، وأن يتشارك المخاوف الأوروبية بشأن تغير المناخ، ويتعامل، عندما يكون هناك خلافات مع هذه القضايا في إطار تفاوض ثنائي بدلاً من التغريد. ومع ذلك، وبعد فترة شهر عسل أولية، من المحتمل أن يشعر الأوروبيون بخيبة أمل لأنهم سيكتشفون أن العديد من خلافاتهم مع الولايات المتحدة ستظل موجودة عاكسة تبايناً طويل الأمد بين المصالح الأمريكية والأوروبية.

هناك خمس مسائل على وجه الخصوص تبرز في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال هذه العشرينيات، بغض النظر عن الشخص الذي يجلس في المكتب البيضاوي.
أولاً، التوترات حول الإنفاق الدفاعي: من المحتمل أن يستمر الأوروبيون، الذين يقعون تحت الغطاء الأمني ​​الأمريكي، في الإنفاق أقل مما تريده واشنطن. لكن في الواقع الإحباطات الأمريكية من انخفاض الإنفاق الدفاعي الأوروبي لم تبدأ مع إدارة ترامب، وستدوم بعده أيضاً وقد تزداد التوترات إذا قرر الرئيس المستقبلي خفض الإنفاق الدفاعي الأمريكي وطالب الأوروبيين بسد الفجوة. وبالمثل كذلك، لن تنخفض التوترات التجارية بالضرورة في ظل الإدارة الجديدة.

ثانياً التوترات مع الصين: في الوقت الذي تشددت فيه مواقف الجمهوريين والديمقراطيين تجاه بكين، فإن الأوروبيين – المدركين لأسهمهم الاقتصادية المتزايدة – سيظلون مترددين في الاختيار بين علاقاتهم الأمنية مع الولايات المتحدة، وتنمية العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين، ما يؤدي إلى تفاقم خلافاتهم مع  واشنطن.

ثالثاً، سيستمر اهتمام الولايات المتحدة بأوروبا كنتاج لهيمنة الحرب الباردة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن هذا الأمر سيشهد تراجعاً هذا العقد. فكما يرى بعضهم، فإن الحرب الباردة الجديدة ستكون مع الصين. ولذلك  سيكون تركيز السياسة الخارجية الأمريكية لأي إدارة مستقبلية منصباً على المحيط الهادئ، وليس المحيط الأطلسي.

رابعاً، مع صعود القوى الأخرى، فإن قدرة الولايات المتحدة على الهيمنة على العالم سوف تنحسر، وستكون مقيدة من قبل الجمهور الأمريكي المتعب. كذلك فإن الأوروبيين سيتواجهون مع الآخرين، بما في ذلك روسيا والصين.

أخيراً، سواء كان الأمر يتعلق بإيران أو تغير المناخ، فقد اعتاد الأوروبيون على عدم الاتفاق مع الولايات المتحدة على مدى السنوات القليلة الماضية بطريقة لم تكن متصورة في ظل الإدارات السابقة. لن يعود المارد إلى القمقم، حتى لو كان الرئيس القادم سيهتم بالاتحاد الأوروبي، فإن الأوروبيين يعرفون الآن أن رئيس الولايات المتحدة المستقبلي يمكن أن يرجع في أي وقت إلى نهج ترامب،  و سوف يتحوط الأوروبيون لذلك.

العلاقة القوية عبر الأطلسي هي في صالح كل من الولايات المتحدة وأوروبا، لكن ومع دخول العقد الجديد، من المرجح أن يتم تحديد مسار جديد من خلال تلاشي النظام الدولي القائم على القواعد وصعود حقبة جديدة من التنافس بين القوى العظمى، فتوحد الغرب يعد ضرورياً في مواجهة الصين الصاعدة وروسيا. والخبر السار هو أنه رغم المسار الهبوطي الذي  لا مفر منه فإن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة سيحتاجان إلى تجديد وعودهما. فماذا يمكن أن يفعله الأوروبيون والأمريكان اقتصادياً؟، من شأن الصفقة التجارية الجديدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن تساعد الولايات المتحدة على إبعاد أوروبا عن الصين وتمكينهما بشكل أفضل من وضع معايير عالمية جديدة  و”خارطة الطريق” الدولية الجديدة. ومن الناحية السياسية، يمكن أن تلتزم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بطرق مشتركة باتخاذ موقف موحد تجاه إيران وروسيا والصين وغيرها من التحديات. عسكرياً، يمكن لكل من الولايات المتحدة والأوروبيين أن يعيدوا الالتزام بحلف الناتو وأن يعيدوا تشكيل حلف الناتو كمنتدى سياسي، وليس مجرد منتدى عسكري فحسب. لسوء الحظ، فإن بعض هذه الخطوات تبدو حالياً مرجحة وإلى أن يتغير ذلك، يجب على الأوروبيين التوقف عن خداع أنفسهم بأن التوترات عبر الأطلسي ستختفي بطريقة سحرية بعد ترامب فالمسألة بين ضفتي الأطلسي قد تتسع على مدى العقد المقبل، أياً كانت النتيجة الانتخابية في تشرين الثاني القادم.