الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

هل هي طَفرة؟

عبد الكريم النّاعم

– ثمّة تحوّلات تحدث فتغيّر من تركيب الأشياء، ولا أقول من “تكوينها” لأنّ الموّاد التي تؤلّفها موجودة فيما هو سابق ولاحق، وهذا ما أطلق عليه العلماء “الطَّفرة”، ولم يستطيعوا إرجاعها إلى أيّة حتميّة مُقْنِعة، لأنّ تسميتها تدلّ على أنّها خارج مسار التسلسل التطوّري، حتى لكأنّها قفزة مُفاجئة، أو تحوّل خارج عن السياق، وهذا الكلام مجرّد بساط للوصول لأهداف أخرى فلست من الباحثين في هذا المجال، وهي موجودة في الطبيعة، كما هي في المجتمعات البشريّة.

– تثور البراكين، على غير نظام، ولا يمكن التّنبّؤ بزمن ثورانها، وإن كانت العلوم ترصد تحرّكات معيّنة في أعماق الأرض تشكّل مقدّمة لذلك الثوران، وهذا تقدّم علمي مهمّ، فبعض البلدان التي فيها براكين تمكّنت من إجلاء رعاياها بعيدا، لإنقاذهم من الدّمار، استناداً إلى الرصْد العلميّ.

– بعض الزلازل تعصف بالأرض فإذا عاليها سافلها، وقد تتبدّل الطبيعة الجغرافيّة نتيجة ذلك، فهذا الفالق لم يكن في زمن ما، وتلك الجبال لم تكن بهذا الشموخ، وتلك البقاع التي كانت آمنة مأهولة تصبح قفرا، والصحارى كانت بحاراً.

– يُخيّل لي أنّ في طبيعة المجتمعات البشريّة ما يُشبه ثوران البراكين والزلازل، فالثورة الفرنسيّة، على سبيل المثال، كانت زلزالا أعقبَه ما أعقبه، والثورة البلشفيّة، عام 1917، كانت زلزالا أثّر في حياة الأمّة الروسيّة ومن جاورها، وفي العالم، لمدّة سبعين عاماً، كان العالم معها يبدو مختلفا اختلافا بيّنا عمّا أعقبها بعد سقوطها.

– ها نحن في زمن واحد نشهد زلزالين متزامنين، زلزال كورونا، وأيّا كانت مصادره هل هو تصنيع مختبرات، وناتج عن حرب بيولوجيّة تشتغل عليها الدول لمهاجمة من تراهم أعداء لها، أم كان ناتج فعل الطبيعة، فمن حقّ هذه الطبيعة أن تردّ عن نفسها العدوان الوحشيّ في التلوّث، فقد لُوّثت البحار، ومنابع المياه، والهواء، حتى ليمكن القول إنّ هذه الطبيعة التي تحتضننا قد أصابها وباء التلوّث فلم تجد بدّاً من الدفاع عن نفسها، لعل من الطريف هنا أن أنقل أنّ بعض النظريّات الروحيّة الشرقيّة ترى أن الطبيعة كائن حيّ.

– الآن ولمّا تمض بضعة أشهر على تفشّي الكورونا في العالم كلّه، وذلك المنع للتجوّل في العالم برّاً وبحراً وجوّاً، حتى بدأ يصغر حجم ثقب الأوزون، وبدأت الطبيعة تستعيد شيئاً من بهائها، حتى الفصول في بلادنا بدت على غير ما اعتدنا عليه، فها نحن نشهد ربيعاً افتقدناه منذ زمن بعيد، فهل نحن على أعتاب أزمنة جديدة؟! مجرّد سؤال.

– الزلزال الآخر المرافق هو هذه التظاهرات المليونيّة في أمريكا، واشتعال الحرائق في البيت الأمريكي من الداخل، نتيجة الظلم الفادح، والتمييز العنصري الكريه، وتسلّط أصحاب الأموال، وتجار السلاح والمخدّرات والعصابات على مقدّرات الكثير من الأمور في المجتمع الأمريكي، بدعم من الدولة العميقة، التي يُعتبَر ترامب وجهها الوقح، وهذا متداخل عضويّا مع العنصريّة الصهيونيّة في أرض فلسطين المحتلّة، ويتواشج معه مشايخ البترودولار في منطقتنا، حتى لكأن ما يحدث في المدن الأمريكيّة هو صورة منسوخة عن العنصريّة التلموديّة، أوَلم تنقل وكالات الأنباء أن الصهاينة يدرّبون عناصر من الشرطة الأمريكيّة على كيفيّة التصدّي للمتظاهرين؟!

– لستُ أرى أنّ المجريات في المدن الأمريكيّة ستؤدّي إلى انقلاب جذري، فقوّة التسلّط، والنّهب، والقتل بدم بارد لا تقتلعها إلاّ أعاصير، هي ربّما أكبر ممّا يجري الآن، على أنّ ما أنا متيقّن منه

أن بداية تحوّل ما يولد في أمريكا، يتصدّره شرفاؤها ممَن هم من أصول إفريقيّة وعناصر غير قليلة من حمَلة البشرة البيضاء.

شرّان متضافران العنصريّة الأمريكيّة بممثّليها في الدولة العميقة في أمريكا، و.. الصهيونيّة، ولن يرتاح العالم من الشرور إلاّ بسقوط أحدهما، حيث سيتبعه آليّا سقوط الآخر، وهو لا بدّ أنّه كائن في زمن ما، لأنّ دوام الحال من المُحال.

aaalnaem@gmail.com