إبراهيم منصور: المهم أن يكون لما أكتبه نصيب من الجمال والنور
يأخذنا الشاعر الشاب إبراهيم فهد منصور إلى عوالم من الشعر العذب عبر حروفه البهية، لتكون سفيرة للجمال والفن والفكرة الموزونة، مختصرة مطر القصيدة التي لا يعلم حتى هو متى عصفت به أول مرة، لكن ولادة دواوينه الشعرية الأربعة هي الشاهد الحقيقي على موهبة قوية تعدنا بالأجمل، حيث لم يكتفِ إبراهيم بتبوء المركز الأول في جائزة نزار قباني 2017، والمركز الأول في مهرجان آذار للأدباء الشباب 2008، بل تطرق أيضاً لشعر الأطفال من أوسع الأبواب، حيث تمّ اختيار إحدى قصائده لتكون ضمن منهاج وزارة التربية، فماذا عن تفاصيل تجربة إبراهيم منصور في عالم الشعر وخصوصيتها؟.
الشعر معادل للوجود
تبقى البدايات هي الأجمل، وعن بداية التجربة الشعرية لإبراهيم يقول: نحاول دائماً أن نعودَ بالأمر إلى بدايتهِ، لأن البدايات هي الأكثر صدقاً وشغفاً وهي الأجمل، صحيحٌ أنني لا أذكر بدايتي بالضبط زمنياً، لكني كنت أفكر بطريقة شعرية دائماً وكأنني لا أرى العالم إلا من خلال الشعر، فهو ليس تعبيراً عن وجودي وحسب بل طريقتي في ممارسة هذا الوجود ولذا كان لا بدّ من الكتابة، وقد بدأت محاولاتي بسيطة اللغة فكانت الفكرة أجمل وأعظم من الصياغة الركيكة وسرعان ما بدأت الهوة تنردم بين المعنى وما أريد أن أقوله وبين الشكل الذي يأخذه هذا القول، وكان ذلك بفضل القراءة الدائمة للشعراء الملهمين إلى أن قررت أن أطبع ديواني الأول وكان ذلك، وقد تنوّعت المواضيع التي كتبت فيها، فمجموعتي الأولى “إله من طين”، الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب 2014، كانت ذات طابع فكري فلسفي، والثانية “تاء التأنيث الغائبة”، الصادرة عن دار بعل 2015، متنوّعة بين الحب والحرب، أما الثالثة “أجساد شائكة”، الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب 2017، فكانت الردّ الفني على واقع الحرب الذي كنّا نعيشه، محاولاً الاستناد إلى الكثير من الإسقاطات التاريخية، أما الأخيرة “قدس أقداسك يا بنت”، الصادرة عن الهيئة السورية للكتاب 2018، فهي الأجمل برأيي والأكمل فنّياً، وكل ما أكتبه في مجموعاتي هو من نمط “شعر التفعيلة” الذي يحافظ على الموسيقى من خلال نظام التفعيلات العروضية المعروفة.
ويرى إبراهيم أن عنوان الديوان إشارة إلى مضمونه، لذلك يحرص أن يكون العنوان مكثّفاً يختزل الجو النفسي العام ولا بأس ببعض اللعب على اللغة لإثارة التساؤل عند القارئ، ويصف العلاقة بينه وبين قصيدته بأنها علاقة خاصة جداً، ولذلك لا أستطيع التكلم عنها بأريحية، كما أن مجال الرؤيا يكون محدوداً باعتباري داخلها ومنغمساً بها، وعليهِ لأعرف ما يميّزها أحتاج ناقداً عارفاً بالشعر.
تسميات بلا رقيب!
على الرغم من الجوائز التي نالها والدواوين التي يمتلكها، إلا أن إبراهيم يخجل أن يسمّي نفسه شاعراً وأن يذيل قصيدته باسمه! وعن هذا يقول: لا أحب أن أقدّم نفسي للآخرين على أنني شاعر، الشعر ليس شهادة علمية وليس عملاً، لذا أفضّل أن يتكفّل شعري نفسه بهذا التقديم فليس المهمّ كيف أصنّف نفسي، بل المهمّ أن يكون لما أكتبه نصيب من الجمال والنور وهذا ما يحدّده القارئ، خاصة وأن التسميات تطلق جزافاً، ولأن الألقاب أصبحت أرخص من مطلقيها، لا أسمي نفسي شاعراً بل أقول كلمتي وأمضي، ومع أن كل إنسان هو شاعر بالفطرة لكن من المضحك أن نجد الفيسبوكيين شعراء بالمهنة، والمهنة عندهم قضت على فطرة الشعر السليمة التي كانت بداخلهم، ومعظمهم يكتب من باب الاستسهال، إما قصائد عمودية جوفاء من الطراز القديم ليس فيها من الشعر إلا الموسيقى المنهكة من قرقعة القوافي ذاتها المسنودة بالحشو والأفكار المطروقة، وإما خواطر نثرية ركيكة ومستهلكة تعجّ بالرغبات المكبوتة وبأساليب مباشرة مقيتة وضعيفة فنياً ومليئة بالأخطاء الإملائية أيضاً. وفي ظل السرقات الأدبية الكثيرة -يؤكد إبراهيم- عندما يُسرق نص من نصوصي وأجده على أكثر من صفحة على الفيسبوك ومن قبل أشخاص عاديين أفرح، وأعتبره دليلاً على نجاح القصيدة، ولكن عندما يسرق نصي شخص يسمّي نفسه شاعراً عندها أشعر بالضيق والغضب، وقانونياً عندما يطبع الشاعر كتابه يضمن نوعاً ما حقّه بشكل أفضل. ويرى أن جوهر أي جائزة هو أن يشعر المبدع بنوع من التقدير والتحفيز والتنافس للحصول عليها، صحيح أن الشاعر لا يكتب من أجل المسابقات لكن التكريم دافع قويّ للاستمرار.
أجمل شعور
وفيما يخصّ تجربته في شعر الأطفال يقول: أكتب للأطفال كي أستعيد طفولتي من جديد، فلكي تكتبَ قصيدة لهم عليكَ أن تفكر مثلهم وأن تندهش كأنك ترى العالم معهم لا أن تقدّم لهم ما تظنه خبرة ومعرفة وأفكاراً سمّمها الاعتياد على الأشياء، ولعلّ أجمل شعور أحسست به في حياتي هو ما انتابني عندما رأيت مجموعة من الطلاب في الصف الخامس يغنون قصيدتي بحب وفرح.
وعن جديده أشار الشاعر منصور إلى أنه بصدد التحضير لنشر مجموعة جديدة بعنوان “كونشرتو امرأة” قريباً، مبيناً أن عصرنا الحالي عموماً يمتاز بقلّة القراءة وتراجع دور الكتاب، لذا نجد أن النشر سواء الرسمي أو الخاص أصبح عويصاً، فالنشر الرسمي بيروقراطي وبطيء، إذ قد يبقى الكتاب طويلاً في الدرج مع نيله كل الموافقات حتى يرى النور، والنشر الخاص لا يتبنى المنتج الإبداعي ولا يوزعه كما يجب، لكنَّ النشر الرسمي يبقى الأهم والأنسب فهو خاضع للتحكيم على الأقل في ظل فوضى النشر، ففي هذه الأيام كلّ من يكتب كلمتين يظنّ نفسه شاعراً يذهب إلى دار نشر خاصة يدفع ويطبع ويقوم بحفل توقيع من باب البريستيج، إنه مشهد سوريالي بالنسبة للشاعر الحقيقي، ومع ذلك تبقى مساحة بيضاء نقية للشعر الأصيل لا يعرفها إلا المبدعون بحق.
لوردا فوزي