إسرائيل تمول جماعات ضغط أمريكية.. والأمريكيون يدفعون الثمن!!
“البعث الأسبوعية” ــ عناية ناصر
تخيل للحظة أن هناك حكومة أجنبية تتلقى مليارات الدولارات سنوياً على شكل “مساعدات”، وأفضليات ومزايا ومكاسب أخرى، من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة.. ولنمض أبعد من ذلك، كأن تأخذ تلك الحكومة جزءاً من الأموال التي تتلقاها، لتعيد تدويرها سراً إلى مجموعات من المواطنين الأمريكيين للحفاظ على تدفق الأموال الذي يخدم أيضاً مصالحها (مصالح الحكومة الأجنبية)، بل ويعمل على زيادتها.. هذا يعني أن الولايات المتحدة نفسها تدعم اللوبيات والجماعات التي تعمل حتماً ضد مصالحها الوطنية، كما يعني أيضاً أن المواطنين الأمريكيين يتصرفون كعملاءء أجانب يعطون سراً الأولوية لارتباطاتهم بدولة أجنبية بدلاً من الدولة التي يعيشون فيها وينتمون إليهاا.
المقصود هنا هو إسرائيل، فالأمر لا يتطلب مراقباً لامعاً لملاحظة كيف أصبحت إسرائيل وحلفاؤها داخل الولايات المتحدة بارعين جداً في استغلال حكومة الولايات المتحدة، وعلى جميع المستويات، للحصول على كل جزء من المساعدات المالية والأفضليات التجارية والمعدات العسكرية والغطاء السياسي. إن تدفق الدولارات والسلع والحماية لا يتم مناقشته، في الواقع، بأي طريقة جادة، وهو غالباً ما يتم عبر التفاوض مباشرة بين الكونغرس، أو المجالس التشريعية في الولايات، وبين جماعات الضغط الإسرائيلية. وهذا الفساد والتلاعب بالنظام الحكومي الأمريكي من قبل أفراد – هم أساساً عملاء أجانب – هو مشروع إجرامي، ولا يمكن للمرء أن يتخيل سوى صرخات الغضب القادمة من “النيويورك تايمز” إذا كان هناك ترتيب مماثل مع أي دولة أخرى.
آخر ما تكشف عنه التحايل الإسرائيلي، في هذا الصدد، يشير إلى إعانات تم دفعها سراً من قبل وكالات حكومية إسرائيلية لجماعات في الولايات المتحدة تلقت، بدورها، توجيهات من إسرائيل غالباً ما تضر بالمصالح الأمريكية الحقيقية. لقد فشلت الجماعات المعنية في الكشف عن المدفوعات، وتلك جناية، كما فشلت في تطبيق قانون تسجيل العملاء الأجانب، للعام 1938، والذي يفرض عقوبات على الجماعات والأفراد الذين يتصرفون نيابة عن الحكومات الأجنبية. وعلى وجه الخصوص، يفرض قانون تسجيل العملاء الأجانب “FARA” أن تكون الشؤون المالية والعلاقات الخاصة بالمنظمة الأجنبية التابعة مفتوحة أمام إدارة التفتيش العدلية، كما ينص على أن “أي شخص يعمل كوكيل أو ممثل أو موظف، أو يتصرف بطريقة أخرى، بناءً على أمر، أو طلب، أو تحت إشراف، أو سيطرة، مدير أجنبي، ولا يقدم إقراراً بذلك، قد يُعاقب بما يصل إلى خمس سنوات من السجن، وغرامات تصل إلى 250 ألف دولار”.
تم استثناء أصدقاء ووكلاء إسرائيل المتعددين، بشكل فريد، وبحكم الأمر الواقع، من أية ضوابط وترتيبات من قبل الحكومة الأمريكية. وجاءت آخر محاولة جادة لتسجيل اللوبي الاسرائيلي على يدي جون كيندي، الذي سعى إلى جعل المنظمة السابقة لـ “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” (إيباك) تتوافق مع قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، ولكن كيندي اغتيل قبل أن يتمكن من استكمال العملية.
ومن المؤكد أن الحكومة الأمريكية أظهرت، مؤخراً، عدوانيتها في المطالبة بتسجيل الوكلاء الأجانب للدول الأخرى، وكذلك تجاه الأمريكيين الذين يعملون لصالح قوى أجنبية. وكان هناك العديد من المتابعات الإعلامية لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب في النشرات الإخبارية. وقد اضطرت وكالات الأنباء الروسية الكبرى العاملة في الولايات المتحدة إلى التسجيل في عام 2017، وكشفت عن تمويلها. ولقد أقر كل من الرئيس السابق لحملة ترامب، بول مانافورت، ومستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلين، أنهما أخفقا في الامتثال لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب لدى عملهما كمستشارين مع حكومات أجنبية.
كانت “مؤسسة حلفاء اسرائيل” IAF من المستفيدين الرئيسيين للتمويل الاسرائيلي، ولها وجود في 43 دولة حول العالم. وعلى الرغم من أنها مسجلة في الولايات المتحدة كمؤسسة غير ربحية، فقد تلقت منحة قدرها 100 ألف دولار من وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، في عام 2019، وهي جزء من 6.6 مليون دولار تم توزيعها على 11 منظمة أمريكية في العامين 2018/ 2019. ويستخدم حلفاء إسرائيل بشكل خاص قانون لاوفير لاستهداف حركة المقاطعة BDS، والتي تكتسب حضوراً كبيراً ومتزايداً في الجامعات الأمريكية. وأدى الضغط الفعال لـ “مؤسسة حلفاء إسرائيل” في الولايات المتحدة إلى قيام أكثر من نصف الولايات بإقرار تشريعات تحظر – أو تحد من – نشاط المقاطعة، في حين أن التشريعات التي من شأنها تجريم المنظمات التي تعمل ضد إسرائيل كانت تتحرك بكامل حريتها في الكونغرس، وشاركت “مؤسسة حلفاء إسرائيل” بشكل مباشر في صياغة مثل هذا التشريعات، ودفعت في الآونة الأخيرة باتجاه إصدار قوانين جديدة من شأنها أن تعتبر توجيه أي انتقاد إسرائيل نوعاً من معاداة السامية.
حاولت وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، بداية، بين عامي 2015 و2017، منح الأموال علناً لمنظمات الشتات، لكنها وجدت أن العديد من الجماعات اليهودية الأمريكية لن تأخذها بسبب مخاوف بشأن قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، واحتمالات اتهامهم بـ “الولاء المزدوج”. لذلك، أنشأت الوزارة “شركة منفعة عامة” غير حكومية ظاهرياً لتوزيع الأموال، بطريقة أكثر سرية، وأعطيت الآلية الاسم التشغيلي Concert “كونسيرت”.
كان الغرض الوحيد من “كونسيرت” توفير الأموال للجماعات التي ستعمل بشكل أساسي ضد حركة مقاطعة اسرائيل BDS ، والجهود الأخرى لنزع الشرعية عن اسرائيل. كان لـ “كونسيرت” مجلس إدارة مستقل، لكن نشاطه يديره مدير عام وزارة الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلية.
كانت وثائق “كونسيرت” الداخلية تصاغ بشكل غامض فيما يتعلق بوصف الأنشطة التي كانت تمولها، ويمكن التأكيد أنها مضللة عن عمد. وهي تشير إلى الإجراءات “الدفاعية والهجومية”، و”مسؤولية الشركات”، و”ساحة المعركة الرقمية”، وفيما يتعلق بـ “وحدات التضخيم” التي من شأنها توفير “الدعم للمنظمات في شبكة مؤيدة لإسرائيل”. كان القصد من ذلك تحسين صورة إسرائيل بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، والذي هو من بين الأسوأ في العالم. وتم إنشاء “كونسيرت” لتكون بمثابة آلية يتم الاستفادة منها لهذا الغرض، حيث سادت المواقف التي “تتطلب مناقشة” خارج إطار الحكومة “مع الجماهير المستهدفة المختلفة.. [و] توفير استجابة سريعة ومنسقة ضد ما تسميه محاولات تشويه صورة إسرائيل حول العالم”.
ومن المثير للاهتمام أن منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” CUFI كانت أحد أكبر المتلقين المعروفين لأموال “كونسيرت”، وهي أكبر مجموعة مؤيدة لإسرائيل في أمريكا، وقد تلقت قرابة 1.3 مليون دولار، في شباط 2019، لدفع تكاليف “رحلات حج” عديدة، لمدة 10 أسابيع، إلى الأراضي المقدسة. وشارك في كل زيارة ثلاثون “رجل دين مسيحي مؤثر” من الولايات المتحدة، تم الترويج لهم بوضوح أثناء وجودهم هناك. وذهبت مدفوعات ضخمة أخرى لمجموعات طلابية غالبيتها من اليهود، على الأرجح لتزويدهم بالموارد والتدريبات اللازمة لمعارضة منتقدي إسرائيل في الجامعات.
إن الطريقة البسيطة للتعامل مع عمليات التأثير الإسرائيلية الضخمة، وغير القانونية، التي يتم توجيهها ضد الولايات المتحدة، ستكون أولاً، وقبل كل شيء، خصم كل دولار، تنفقه حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتمكين مؤيديها في أمريكا، من الـ 3.8 مليار دولار التي تحصل عليها إسرائيل كل عام مباشرة من وزارة الخزانة الأمريكية. لن تشعر إسرائيل بالقلق إذا كانت الولايات المتحدة ستسترد 10 ملايين دولار، أو نحو ذلك، لكن ذلك سيشكل رسالة واضحة.
ومن ثم يمكن المتابعة من خلال مطالبة جميع الوكلاء الإسرائيليين – الذين يشكلون معاً اللوبي الإسرائيلي – بالتسجيل بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب. وققد يبدأ الأمر مع “إيباك”، و”مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، و”معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، ولكن سيكون هناك الكثير والكثير قبل الانتهاء من العمل، و”المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل” بالتأكيد.. إن المسيحيين الأصوليين الذين يضعون مصالح إسرائيل قبل مصالح بلادهم يحتاجون لمن يقرع لهم جرس الانذار.