مجلة البعث الأسبوعية

هل أخطأت سلطة الأمر الواقع بتقدير صفقة النفط مع ترامب؟

“البعث الأسبوعية” تقارير

أثار الاتفاق الموقع بين ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية” التي يهيمن عليها حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وشركة النفط التابعة للولايات المتحدة “دلتا كريسنت إنرجي ذ. م. م، مطلع آب الماضي، ردود فعل دولية قوية. وسارعت بعض الدول والحكومات الإقليمية إلى إدانة الاتفاق، الذي ظلت تفاصيله سرية تماماً. ومع ذلك، فإن التقارير الأخيرة قد بددت أي شكوك في أسباب احتياجات الولايات المتحدة حقاً لهذا الاتفاق، كما أكدت مصادر عديدة اطلعت على مضمون الاتفاق أن الهدف الرئيسي هو منع الدولة السورية من الوصول إلى حقول نفطها، فضلاً عن قطعها تماماً عن أي دخل من إنتاج الطاقة في المنطقة، على أقل تقيدر.

في الوقت نفسه، لا تزال دوافع سلطة الأمر الواقع في الجزيرة السورية غامضة وغير واضحة. فإذا كان الأمريكيون ينتهجون استراتيجية الحصار السياسي والاقتصادي في محاولة لإرغام سورية على تقديم تنازلات للإرهابيين الأصوليين في إدلب ورعاتهم العرب والأطلسيين، فإن مناورة المغامرين الانفصاليين في الرقة تبدو وكأنها استسلام للولايات المتحدة وليست قراراً مدروساً وبعيد النظر.

ويشير محللو “المونيتور” إلى أنّ ميليشيا “قوات سورية الديموقراطية”، من خلال القيام بذلك، حاولت تحقيق مجموعة من الأهداف الطموحة والمترابطة، والتي كان أهمها الحصول على وضع الحكم الذاتي الذي يمهد لإعلان انفصال مخطط له، وفي الوقت الذي تراه مناسباً. ولهذا السبب قرر متزعمو هذه الميليشيا تعزيز الاحتلال العسكري الأمريكي في شمال شرق سورية وإعطاء الضوء الأخضر لـ “إرادة التجارة الأمريكية”. ويعتقد هؤلاء أن تنويع العلاقات مع الولايات المتحدة، القوة العظمى العالمية، وتعميق التعاون مع واشنطن، سيؤدي في نهاية المطاف إلى اعتراف دولي بـ “الإدارة الكردية”.

وبهذا المعنى، فإن نهج حزب العمال الكردستاني في سورية يشبه إلى حد كبير نهج البرزانيين في الشمال العراقي، حيث تمكنت سلطة شمال العراق من تعزيز الاستقلال الاقتصادي والاستقلال السياسي عن بغداد بعد تسوية الأمور مع تركيا التي مُنحت حصة كبيرة من عقود البنية التحتية وحصلت على النفط في “كردستان العراق”. أما بالنسبة لنظرائهم في الشمال السوري، فمن غير المرجح أن يتمكنوا من تكرار السيناريو نفسه. وفي حين كانت قيادة ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية” تأمل التمكن من تنفيذ هذا المشروع بمساعدة أمريكية في ظل الظروف الراهنة، إلا أنها أخطأت في تقدير التحديات المحتملة التي قد تواجهها وقللت من شأنها.

وقد اعترف البنتاغون رسمياً بأن التعزيزات العسكرية غير القانونية في سورية تهدف إلى تأمين إنتاج النفط ومصالح شركات النفط الأمريكية في جزء من الأراضي السورية المحتلة.

أولاً، إن موقف ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية” أكثر هشاشة بكثير من موقف البرزانيين في العراق، فقد كان يكفي أن تتوصل سلطة شمال العراق إلى اتفاق مع تركيا للوصول إلى أسواق النفط على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط وضمان الحكم الذاتي. ولكن على ميليشيا “قوات سورية الديموقراطية” في سورية أن تكون مستعدة لمواجهة “مفاوضات” مكثفة على الأقل مع عدد كبير من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، أو حتى مواجهة مفتوحة مع جار معاد. وبصرف النظر عن الحكومة السورية، التي أدانت الاتفاق، ونددت بـ “السرقة” والاعتداء على سيادة البلاد، لا يزال تطبيع العلاقات مع أنقرة أحد أكثر القضايا إشكالية بالنسبة للميليشيات الانفصالية. خاصة وأن تركيا تعتبر أيضاً أن “قوات سورية الديمقراطية” تابعة لتنظيم “حزب العمال الكردستاني” الإرهابي. وتحت هذا الشعار، نفذت بالفعل عملية واسعة النطاق، في شمال سورية، في عام 2019.

إن الإجراءات الأحادية الجانب التي تتجاهل مصالح الوطن الأم، والمخاوف التركية، يمكن أن تدمر تماماً أحلام ميليشيات الرقة في الحكم الذاتي المحتمل. ولا سيما أن سورية مصممة على تحرير كامل ترابها الوطني من سائر المجموعات الإرهابية، وهي لن تتهاون في موضوع السيادة الوطنية، علاوة على أن الوضع يزداد تفجراً يوماً بعد يوم، وقد دخلت العشائر العربية على خط المواجهة الميدانية.

وفي مثل هذه الحالة، سيكون من الخطر للغاية أن يعتمد الانفصاليون على الدعم المتواضع لقوات لاحتلال الأمريكي اليي تشارك حالياً بشكل كامل في “حراسة” حقول النفط. وقد أظهرت الممارسة أنه عندما تواجه الولايات المتحدة معضلة دعم للانفصاليين، أو إعادة العلاقات مع دولة شريكة، فإنها تختار الأخيرة.

في الماضي، عارضت واشنطن الاستفتاء على استقلال شمال العراق العراق، عام 2017، وأذنت فعلياً بالعملية العسكرية التركية “نبع السلام”، التي كلفت ميليشيات “سورية الديموقراطية” خسائر في الأرواح والكثير من الأراضي. وإذا نأى الانفصاليون بأنفسهم عن التنسيق المتعدد الأطراف، فإنهم يواجهون عواقب وخيمة، بما في ذلك العقوبات الدولية أو العمل العسكري. والأخطر من ذلك هو أن “قوات سورية الديمقراطية” تخاطر بالإضرار بالعلاقات مع الدول الأوروبية التي دعمت “القضية الكردية” في سورية لفترة طويلة.

بالنسبة لما يسمى ا”لإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية”، فإن المكاسب المؤقتة للاتفاق الموقع مع شركة نفط أمريكية يمكن أن تصبح فشلاً ذريعاً على المدى الطويل.