خضر عكاري: حالات التصوف من شيمي الشعرية
“سلميةُ الحزن مجبولٌ بخاطرنا/ لمّي الحنين ورشّي دربنا حبقا/ (سلميتي) من نزيف الجرح قافيتي/ أنت القصيد فكوني صحونا الألَقا”
هكذا يصف الشاعر خضر عكاري مدينته سلمية التي يستقر فيها اليوم مستمداً من محمية البلعاس التي تقع إلى الشرق منها مفردات قصيدته، فلُقّب بشاعر البلعاس وهو الذي بدأ بكتابة القصيدة في مستهل صباه ولكنها لم تر النور نشراً إلا في العام 1984 من خلال مجموعته الشعرية الأولى “الوجه الآخر” لتتتالى بعد ذلك إصداراته التي وصلت إلى أربعة عشر ديواناً.
ماذا يعني لك لقب “شاعر البلعاس”؟ ومن أطلقه عليك؟ ولماذا؟
لقَّبني أصدقائي بشاعر البلعاس، وانتشر هذا اللقب في الصحف والمجلات، وأصبح الجميع يقدمونني على المنابر باسم شاعر البلعاس.. وأنا اليوم أفتخر بهذا اللقب الذي حملته لأنني عُرفتُ بحبي لطبيعة وجغرافية مدينتي سلمية التي ولدتُ بين أحضانها، وكتبتُ أشعاراً لبلعاسها ولأشجار بطمها الجميلة إلى درجة صار البلعاس فيها مزاراً وأشعاراً .
رغم البداية المبكرة لكتابتك للشعر،نشرتَ مجموعتك الأولى “الوجه الآخر” في وقت متأخر لماذا؟
بسبب الظروف المادية وصعوبة النشر في الصحف والمجلات التي كانت تنشر للمعارف والأصدقاء فقط .
رحلتك الشعرية بدأت منذ الستينيات وما زالت، فكيف استطاع شعرك الصمود طيلة هذه السنوات؟
رحلتي الشعرية مازالت مستمرة، وهوادجها مليئة بالدفء والعطاء والإبداع، وقد صار نبض حياتي وسبب استمرارها، لذلك ستبقى الحياة والشعر بالنسبة لي صنوان لا يفترقان حتى بعد موت أحدهما قبل الآخر، فالشعر هوائي الذي أتنفسه.
ثمة محاولات عديدة لوضع تعريف للشعر، فما هو رأيك بها؟
الشعر لا يُعرَّف، ومتى تم تعريفه نكون قد دجنّاه وأخرجناه من دائرة الإبداع، لذلك تختلف الآراء بين الشعراء والمثقفين حول ماهية الشعر والشاعر، ليبقى الشعر بالنسبة لي حالة من حالات الخلق والإتيان بصور وألفاظ تقلق القارئ والمستمع بعيداً عن الجمل الإنشائية والألفاظ المكررة.
تقول: “ما أحبه في الشعر هو الغموض الجميل” ألا تخشى أن يتحول هذا الغموض إلى طلاسم يصعب حلها؟
الشعر بالنسبة لي هو أن يأتي الشاعر بصورة شعرية لم يطرقها أحد الشعراء ويكون هو شاعرها، ولا أعني فيما قلتُه الغموض المقصود به الطلاسم وإنما أن يأتي الشاعر بدهشة وفتنة، وأنا أدرك أن كل قارئ يفهم حسب مستواه الثقافي، وأعترف أنني أكتب لقارئ متابع ومجتهد بعيداً عن تشويه الإبداع بحجة النزول إلى عامة الشعب الذي لا يعي القراءة والكتابة.
تؤمن أن الشعر حالة من حالات التصوف، فكيف ومتى تتجلى كشاعر مع قصيدتك؟
لا أفقد متعة التجلي عند كتابة القصيدة بل أعززها وأهبها متعة العبور إلى الآخر المتابع والمتذوق للشعر الذي يتجلى مع قصيدتي التي هي أنا، لذلك فإن حالات التصوف من شيمي الشعرية، والمتابع لدواويني يدرك ويعرف ذلك.. ولا بد من الإشارة إلى أنني شاعر لي قصيدتي ومفرداتي وألفاظي وصوري الشعرية، ومن يقرأ أشعاري يعرف فوراً أن هذه القصيدة لشاعر البلعاس، وهذه هي البصمة التي تركتُها عند المتابعين والقراء المجتهدين الذين يحضرون الأمسيات الشعرية.
تميل للقصيدة النثرية، وترى أن البحور الشعرية مقتل للحالة الإبداعية، وفي الوقت ذاته تعترف أن أجمل ما قيل هو الشعر الجاهلي!
قلتُ إن أجمل ما قيل هو الشعر الجاهلي لصدقه ونظافته ولأهمية تجربة شعرائه الفطاحل وصدقية تجاربهم الحياتية، ولا بد من الاعتراف أن شعراءنا النظّامون لا يخرجون عن الحالة الفراهيدية، وبعضهم يكرر ما قاله السابقون من الشعراء دون تقديم ما هو جديد، فعلى سبيل المثال شعراء الغزل اليوم بما يقدمونه من أشعار صورة مكررة عن أشعار الشاعر نزار قباني.
أصدرتَ دواوين “سيرة البلعاس، سومريات، أفاميا العاشقة” فأي إغراء يقدمه لك التاريخ والجغرافيا كشاعر؟
هناك تحالف حميمي بين الجغرافيا والتاريخ.. أحب الجغرافيا، جغرافيا الانتماء للأرض، وأحب التاريخ لإعطاء الصورة الحقيقية عن الحضارات ونتاجاتها على أرض الواقع والحياة المجتمعية.
اقتحمتَ بشعرك عالم الطفولة من خلال عدة مجموعات، فما الذي دفعك لخوض هذه المغامرة؟
أقدمتُ على هكذا مغامرة لأنني كنتُ معلّماً، وعلاقتي مع الأطفال كانت يومية، لذلك تجرأتُ وحاولتُ التجريب ونجحتُ وأصدرتُ عدة مجموعات شعرية للأطفال مثل “أناشيد الطفولة، تشرين يا صغار، فراشات ملوّنة” وقد لاقت نجاحاً ورواجاً كبيراً، وأهم ما حصدتُه من هكذا تجارب أنني عدت لطفولتي من خلالها.
يقال: قلَّ الشعر وكثر الشعراء، فما الذي أوصلنا إلى هذه المعادلة؟
كثرة المنتديات والأمسيات وتسيّد الشاعرات اللواتي لا عمل لهنّ سوى الظهور على المنبر وأخذ الصور، في حين أن الشعراء الذين يحترمون أنفسهم وأشعارهم بعيدون عن هذه المنابر التجارية.
ما الذي يربطك بالشاعر الراحل محمد الماغوط؟
ما بين بيتي وبيت الشاعر محمد الماغوط مسافة بسيطة، فقد كنا جيراناً وكان رفيق الدرب في الفكر الذي أنتمي إليه، وأنا من المحبين لأشعاره.
ماذا في جعبتك اليوم من كتابات شعرية؟
ما زلتُ أكتب فالشعر هو متنفسي الحياتي، ولولا الكتابة لكانت حالتي يرثى لها، كما أكتب في مجال نقد المجموعات الشعرية التي تصدر بين وقت وآخر، ولديّ مجموعة ما زالت مخطوطة تحمل عنوان “مزامير عكارية” وهي جاهزة للطبع.
بين دمشق وسلمية بماذا جادت قريحتك الشعرية؟
السلمية مدينة الشعر والشعراء كتبت: “سلمية من معانيك ارتوينا، سلميا العز معدنها أصيل!؟ قالوا : تحب سلميا ويلكم ولهي، الله يدري، ويدري الله ما خلقا!؟ سرها أنها أم القاهرة، ومهد عبيد الله المهدي، وسلمية قناة العاشق “أفاميا” وقلعة شميمس” أما في شام الياسمين فقلت: “الشام لا تنام قبل أن تعدنا ويهدل اليمام!؟”.
أمينة عباس