دراساتصحيفة البعث

الديمقراطية الأمريكية الزائفة

ريا خوري

بدا تسليم السلطة الولايات المتحدة بين ترامب وبايدن كأنه حدث يجري في إحدى جمهوريات الموز، أو تشبه الولايات نفسها عام ١٨٦١ عندما تم الإعلان عن تواجد أمني ضخم جداً لتنصيب أبراهام لنكولن الرئيس السادس عشر  في الفترة بين ١٨٦١ إلى ١٨٦٥ خوفاً من الحرب الأهلية.

لقد دفعت أحداث السادس من كانون الثاني العديد من المراقبين والمحللين السياسيين والمخططين الاستراتيجيين لإعلان إنهاء ادعاءات الولايات المتحدة المتكررة بأنها رمز الديمقراطية، ليس فقط بسبب تلك الأحداث، بل بسبب السنوات الأربع الكاملة لحقبة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.

ولكن في الواقع لطالما كانت الديمقراطية الأمريكية عبارة عن إناء متصدّع بأكثر من جهة، منذ القيود المفروضة على حق الانتخاب الذي صاحب ولادة الولايات المتحدة، والانفجارات شبه المستمرة لعنف الغوغاء والدهماء، إلى تشوّهات السلطة التنفيذية من قبل كل رئيس يصل إلى البيت الأبيض تقريباً.

منذ نشأتها، كانت الولايات المتحدة بحاجة ماسة باستمرار إلى ترتيب بيتها الداخلي، ولكن على مدى السنوات الأربع الماضية لحكم ترامب، كان العمل في تراجع واضح، فالديمقراطية في الولايات المتحدة ليست كاملة. والحقيقة أن الديمقراطية ومفهومها قد تبدو مجرد تصدير آخر من الدعاية التي يعمل على ترويجها بعض المفكرين والسياسيين الأمريكيين على مختلف مستويات عملهم، كما لو كان امتداداً للعلامة التجارية الأمريكية، هم لا يروّجون للديمقراطية العامة، بل للديمقراطية الأمريكية التي لها نمطها الخاص، بعبارة ثانية، إن الترويج للديمقراطية كعلامة تجارية إما أن يتلخص بالترويج لنسخة الولايات المتحدة الأمريكية من الديمقراطية، أو الترويج لمصالح الولايات المتحدة في الداخل والخارج .

هنا يمكننا الحديث عن الديمقراطية كما هو الحال في دعم الصادرات الأمريكية، حيث هناك أموال هائلة تنفق في الترويج للديمقراطية الأمريكية، فالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، على سبيل المثال، لديها ميزانية كبيرة تبلغ ملياري دولار للترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم، التي تشمل الانتخابات الرئاسية، وانتخابات مجلس الشيوخ والنواب، والعمليات السياسية المتداولة، وبرنامج حقوق الإنسان، وبرنامج العمل العالمي، والتنمية الشاملة، وبرنامج حقوق المعوقين.. إلخ، لكن العديد من التقدميين الأمريكيين لديهم تحفظات كثيرة، يتعلق أحدها بتغيير النظام السياسي الذي تراه الإدارات الأمريكية أيقونة.

المحافظون الجدد على وجه الخصوص استخدموا الترويج للديمقراطية كغطاء واسع وفضفاض لمتابعة انهيار الحكومات التي لم تعجبهم، والتي لا تتوافق مع مصالحهم، وهم يتدخلون في أي بلد لتحديد مستقبله السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بل تضغط ما تسمى الديمقراطية الأمريكية لضمان التزام الدول بحقوق الإنسان، مع العلم أن الولايات المتحدة هي أكبر منتهك لحقوق الإنسان بشكل علني في العالم.

كل المؤشرات تدل على أنه في مرحلة ما في المستقبل القريب أو البعيد، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى دعوة المجتمع الدولي لمساعدتها في إنقاذ الديمقراطية الأمريكية أيضاً.