مجلة البعث الأسبوعية

لأنهم ذخيرة الوطن

“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس

لأن أطفال اليوم هم رجال المستقبل، ولأن الحفاوة بهم وتوفير أحسن الفرص لهم هو واجب الجميع، أفراداً ومؤسسات، أهلاً ومربين، ولأنهم زاد الوطن وذخيرته القادمة، فإننا نريد لفلذات أكبادنا حياة ترفل بالصحة والعافية.

وما لا شك فيه أن ساحتنا الثقافية أفردت – ولا تزال – لأدب الطفل وفنونه ركناً بات ملحوظاً ولا يخفى على ذي بصر، ولكنه الطموح المشروع في أن يكون هذا الركن أوسع مساحة وأكثر امتلاء وأبرز مكاناً وحضوراً وفاعلية، بل إن الاهتمام بأدب الطفل يكاد يكون سمة أساسية لدى كل الشعوب والأمم؛ فكل الأمم يجد الباحث في مخزون تراثها الشعبي فيضاً هائلاً من القصص والحكايات التي تروى للأطفال جيلاً بعد جيل، وتكاد تلك القصص تتكرر من أمة لأخرى في جوهر المضمون والمعنى، مع تغير الأسماء والأماكن بحسب مقتضى الحال.

وأدب الطفل (قصة وشعراً ومسرحاً وصحافة وبرامج مسموعة ومرئية) هو الحضن الطبيعي والمناخ الأوسع الذي يترامى فيه الأطفال ويتبارون في إظهار عواطفهم ومكنوناتهم. لكن إذا توقفنا عند صحافة الطفل يحضرنا السؤال: بأية حال هي اليوم؟ وهل استمعنا لأطفالنا جيداً قبل أن نصوغ لهم ما نعتقد أنه يلبي احتياجاتهم ويملأ وجدانهم وينمي قدراتهم؟ وهل كانت القضايا التي تناولتها هذه الصحافة بمستوى طموح الطفل ورغباته؟

لا بد من الإشارة إلى أن صحافة الطفل هي صحافة أدبية. وإذا كان الخبر هو العمود الفقري للصحافة في عالم الكبار، فإن القصة والخاطرة هي العمود الفقري في صحافة الأطفال، ذلك أن القصة هي الجنس الأدبي الذي تفتح عليه وعي الطفل الأول، حين كان يصغي إلى الحكايات يقصها عليه كبار السن في الأسرة. وعليه يمكننا القول أيضاً، وبكثير من الثقة، أن الفضل في ظهور أدب الأطفال في سورية كان لمجلة “أسامة” التي أغناها في بدايتها مجموعة من الرواد بإبداعاتهم، ومنهم زكريا تامر، وعادل أبو شنب، وعبد الله عبد، ودلال حاتم، كما خص الشاعر سليمان العيسى المجلة بقصائده التي كانت فتحاً جديداً في شعر الأطفال، ومدرسة سار على هديها عدد من الشعراء فيما بعد.

وتختلف صحافة الأطفال عن صحافة الكبار من خلال حاجتها إلى اللوحة الملونة المرافقة للنص، فاللوحة تلعب دوراً مهماً في حياة الطفل، منذ الطفولة الأولى، حيث تلفت نظره وتجعله يتأملها ويعقد معها حواراً مشابهاً للحوار الذي يعقده مع اللعبة. وقد تعاون عدد من الفنانين التشكيليين مع مجلة “أسامة” رغم أنه لم يكن لهم سابقة بالتعامل مع نصوص الأطفال، باستثناء الفنان ممتاز البحرة الذي كانت رسومه موجودة في كتب المرحلة الابتدائية. ومن هؤلاء التشكيليين نذكر: غسان السباعي، وأسعد عرابي، وممتاز البحرة، ونعيم إسماعيل، ونذير نبعة، والفنانة لجينة الأصيل، وشيئاً فشيئاً بدأت المجلة تستقطب عدداً آخر من الفنانين، وطلاباً من كلية الفنون الجميلة برعوا في الرسم للأطفال، وقدموا مشاريع تخرجهم بقصص الأطفال، منهم: فواز أرناؤوط، وعبير محايري، وسرور علواني، وأحمد معلا، ولا تزال مجلة “أسامة” حتى الآن تحتضن فنانين شباباً ترى فيهم القدرة على الرسم للأطفال، وقد تعددت المدارس الفنية في المجلة واختار كل فنان أسلوبه الخاص والمميز، ما جعل إدارة المجلة قادرة على التعاون معهم وإعطائهم النصوص التي يرتاحون في رسمها.

الآن، وقد مضى عقدان من الألف الثالثة، وكل يوم نكتشف ثورة جديدة في عالم الاتصالات، نعترف – بأسف – أن الكلمة فقدت ألقها، والمجلة والكتاب لم يعودا يشدان الطفل، فبكبسة زر واحد يستطيع الطفل أن يشاهد ما يخطف عقله من صور وألوان وشخصيات تتحرك أمام عينيه؛ وإذا كانت الأقنية الفضائية قد خطفت الكبار من عالم الصحيفة والكتاب، فكيف يكون الحال مع الأطفال الذين لن يستطيعوا الصمود طويلاً أمام هذه الإغراءات!؟

لنعترف أن الأدب وحده لا يكفي، وهناك العلوم الجديدة، والاختراعات، والكمبيوتر، والإنترنت، لذا نحن مطالبون بتطوير صحافة الأطفال، والتطوير لا يكون بخطة يضعها مسؤول عن صحيفة أو مجلة، بل بجهود مجموعة من الكتاب والمربين وصانعي القرار، لعلنا نصل إلى صيغة أفضل شكلاً ومضموناً.