دراساتصحيفة البعث

بايدن والأزمات الداخلية

عناية ناصر

ظهرت الأزمات المختلفة في تاريخ الولايات المتحدة خلال الفترات المختلفة للعديد من الرؤساء الأمريكيين الكبار، لكن هل ستشهد الولايات المتحدة صعود زعيم آخر؟. هذا السؤال يلوح في الأفق بشكل كبير حيث تمر الولايات المتحدة بأكبر أزمة لها في القرن الحادي والعشرين، حيث ستحتاج إدارة بايدن بلا شك إلى التعاون مع الصين، سواء في محاربة جائحة COVID-19 ، أو تنشيط الاقتصاد، أو معالجة تغير المناخ، لضمان إنجازاتها في هذه المجالات. ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقيّد بالضغوط السياسية المحلية وعوامل أخرى، ويبدو أنه من الصعب عليه تحقيق إنجازات على قدم المساواة مع إنجازات أسلافه الكبار. لقد ألقى عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي خطاباً قدم فيه توصيات حول كيفية إعادة العلاقات الصينية الأمريكية إلى المسار الصحيح. ورداً على ذلك، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جين بساكي في مؤتمر صحفي في نفس اليوم إن الولايات المتحدة تعتقد أن “العلاقة مع الصين هي علاقة تنافس قوية”. كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إنه يعتقد أن دعوات الصين “تعكس النمط المستمر لميل بكين إلى تجنب اللوم”.

تشكل مثل هذه التصريحات من قبل المسؤولين الأمريكيين استمراراً للمواقف المتشددة للإدارات الأمريكية تجاه الصين منذ تنصيب ترامب. وباستثناء تحركات مثل مراجعة جهود ترامب لحظر TikTok في الولايات المتحدة ، نادراً ما قامت إدارة بايدن بأي شيء جوهري يساعد على إصلاح العلاقات الصينية الأمريكية في شهرها الأول. هذه كلها مؤشرات على أن بايدن مقيد بتنفيذ سياسات تجاه الصين تختلف اختلافاً كبيراً عن سياسات الإدارة السابقة.

تنبع بعض هذه القيود من السياسات الداخلية للولايات المتحدة، وبسبب الانقسامات السياسية الشديدة والمشاكل الاجتماعية، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أنها إذا لم تتصرف بحزم ضد الصين، فإن بكين ستسرع من إعادة توازن القوة مع واشنطن. في الوقت الحالي، يدافع اليسار واليمين والوسط السياسي في أمريكا عن موقف صارم مع الصين، ويعود ذلك إلى التحيز شديد الجذور وسوء فهم الأمريكيين بشأن الصين.

ووفقاً لاستطلاع أجراه موقع “بيزنس إنسايدر” مؤخراً ، قال 36٪ من المستطلعين إن سياسة بايدن تجاه الصين ضعيفة أو ضعيفة للغاية، ويعتقد حوالي 33٪ أنها صائبة، بينما يعتقد 14٪ آخرون أنها صعبة أو قاسية للغاية.

على مدى السنوات القليلة الماضية، تصاعدت اللاعقلانية الأمريكية تجاه الصين، وكان أحد الأسباب المهمة جداً لهذا الاتجاه هو اتهام إدارة ترامب المستمر للصين، حيث أدى هذا إلى تدهور شديد في الرواية السياسية للولايات المتحدة حول الصين.

من المثير للقلق أن إدارة بايدن لن تراجع بعناية الأخطاء التي ارتكبتها سياسة الحكومة السابقة تجاه الصين بسبب احتياجات السياسة الداخلية للولايات المتحدة، والحاجة إلى تكريس المشاعر المعادية للصين بين الأمريكيين. والأسوأ من ذلك، من المحتمل أن تواصل الحكومة الحالية سياسات ترامب تجاه الصين.

في المقابل، أظهرت دراسة بتكليف من مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، صدرت في كانون الثاني الماضي، أن حرب ترامب التجارية مع الصين تسببت في خسارة بلغت ذروتها 245 ألف وظيفة أمريكية. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة على خفض أسعار السلع الأساسية الأمريكية، وتحسين سبل عيش الناس وسط الوباء.

وعليه، يجب على الأمريكيين فهم هذا بحيث إذا استمرت سياسة إدارة بايدن تجاه الصين في المزيد من تكريس المشاعر المحلية الأمريكية المعادية للصين، وإذا استمرت في تعزيز الابتعاد عن الصين، فإن النتيجة ستضر بمصالح الولايات المتحدة، وسيتحمل الأمريكيون الأكثر من هذه النتائج.

نشر غراهام أليسون، أستاذ في جامعة هارفارد في دوغلاس ديلون،  بالتعاون مع فريد ​​هو، مؤسس ورئيس مجموعة بريمافيرا كابيتال ومقرها الصين، مقالاً في 18 شباط الفائت في مجلة “فورين أفيرز” استعرض سياسات رؤساء أمريكيين سابقين، بمن فيهم ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان. لقد ذكرت المقالة بكلمات ريغان فيما يتعلق بالتعامل الأمريكي مع الصين في ذلك الوقت حين قال: “أنا معاد للشيوعية إذا تحدثت عن الشيوعية في الولايات المتحدة، لكنني لم أفكر أبداً في أنها ضرورية بالنسبة لنا لفرض شكل حكومتنا على بلد آخر. يمكن للولايات المتحدة والصين أن تعيشا في سلام في العالم معاً”. ما يعني من وراء هذه الكلمات هو أن الولايات المتحدة الحالية تفتقر إلى مثل هذه المواقف العقلانية تجاه الصين.

المشاكل الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة أكبر بكثير من القضايا الدولية التي تهتم بها، حيث يأمل الكثيرون بإدارة أمريكية عقلانية وإستراتيجية وواعية. لكن لسوء الحظ، السياسة الخارجية هي استمرار للسياسة الداخلية. إذا كان الوضع الداخلي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يتغير للأفضل ويظل عرضة لعوامل مختلفة، فسيكون من الصعب على الرئيس الأمريكي أن يحقق أياً من أفكاره الجديدة في الدبلوماسية.