سورية.. عشر سنوات من أجل لا شيء
“البعث الأسبوعية” ــ كارولين جالاكتيروس
تحل الذكرى العاشرة لاستشهاد وطن وشعب. الحالة السورية عبارة عن حالة مدرسية مثلثة. حالة السخرية المطلقة من الغرب، وحالة الانتهازية الجامحة للقوى الإقليمية الأخرى، وحالة اللامبالاة المطلقة من جانب كل هؤلاء إزاء المعاناة الإنسانية التي لا تطاق التي أنتجها سعيهم لتحقيق أهدافهم منذ عام 2011. الخسائر فادحة: نصف مليون قتيل، وما لا يقل عن مليون جريح، وأكثر من 10 ملايين لاجئ في البلاد وحولها، واقتصاد مدمر، وحقول خراب وآلام. حصيلة جيدة للدوغماتية الأخلاقية لديمقراطياتنا “الكاملة”. المشاعر الطيبة والمثل الكونية العظيمة تتسبب في فوضى الموت في كل مكان. لكننا لا نرى المشكلة، أو بالأحرى، لا يمكن إخفاء آثامنا الدفينة إلا من خلال الإنكار الهائل والعناد الفظيع والغامض. هي إذاً مسألة “إنهاء عمل” بدأ بشكل سيئ للغاية، ودمر هذا البلد الرائع والمؤثر للغاية، لكنه لم يهزمه ولم يحقق النتائج المرجوة. ذلك أنه، من الناحية العسكرية، الفشل الذريع ولا لبس فيه بالنسبة للعشيرة الغربية. عشر سنوات من القنابل، والعقوبات، والعنف الجهادي المتطرف، والأكاذيب، والدعاية.. والحكومة السورية الشرعية لا تزال قائمة، والرئيس الأسد، أيضاً، الذي استرجع مساحات كبيرة من أراضيه. فشلت “داعش” والمسوخ التي لا حصر لها لـ “القاعدة”، الذين شجعتهم وشكلتهم ودربتهم وسلحتهم الرعاية الحسنة لتحالف أعداء سورية الذين يدعون بطبيعة الحال أنهم “أصدقاء”، في تفتيت البلاد. ودعمت إيران “محور المقاومة” الذي لا تزال دمشق واسطة العقد فيه، وقد جاءت روسيا للمساعدة في الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتعتزم جني فوائد اقتصادية وسياسية من دعمها العسكري. وشعرت تركيا أن الرياح تتحول في عام 2015، وهي التي كانت تأمل أن يؤدي تدمير البلاد إلى زيادة نفوذ الإخوان المسلمين. لقد نصبت نفسها في موقع دولة مفصلية مفيدة لكل من واشنطن وموسكو، وتمكنت من التدخل عسكرياً، اعتباراً من عام 2016، بذريعة القتال ضد حزب العمال الكردستاني، ثم تثبيت نفسها عسكرياً على نطاق واسع في إدلب، معقل الرجس الراديكالي الإسلاموي المناهض للأسد والذي يمنع التهدئة من الحدوث. وتضع أنقرة هذه المنطقة التي تغص بالجهاديين تحت سيطرتها كرهينة للتفاوض السياسي مع كل من موسكو وطهران.. وواشنطن.
باختصار، لم يحدث التدمير الممنهج لبلد غني، هو مركز مهم للطاقة، ولا يخضع لنظام العالم الذي تحلم به واشنطن. لقد فشلت الحرب بألوان “داعش” والقاعدة، ومسوخاتهما التي لا حصر لها. لكن بدلاً من الطاعة، تجرعوا كل الخزي، وتشجيع تطبيع سياسي براغماتي من خلال عملية أستانا، عملنا كل شيء لنسفها، وسعينا لمواصلة الهدف الأولي – إسقاط هذا النظام المرن والشعبي على نحو لا يحتمل – من خلال تجويع الشعب السوري بعد أن أخفقنا في ترهيبه. لذلك، نحرق المحاصيل، ونفرض حظراً، بموجب قانون قيصر، على جميع السوريين الذين ما زالوا قادرين على تمويل إعادة البناء الاقتصادي. نريد من السوريين الجائعين والمنكسرين أن يفقدوا عقولهم وينقلبوا على هذا النظام الذي يحميهم. وكما هو الحال في إيران، وكما في روسيا، يبدو لي أن الحساب قذر، ولكن قبل كل شيء حساب خاطئ. إنه يتعامل مع الناس كحمقى. ولكنهم يعرفون من أين تأتي مصائبهم، وفي هذه الحالة، مهما كان النظام قاسياً وظالماً وخطاءً، فهي ليست من دمشق.
في محجر الفرصة الأخيرة هذا، لا تعترف أمريكا أبداً بالهزيمة. إنها تحرض وكيلها التركي، وتحاول أيضاً، من خلال إبرام الاتفاقات الأبراهامية وتوسيعها، أن تكثف ضد طهران استياء جميع الدول العربية التي استاءت من الأسد منذ عقود، وذلك لطمأنة الحليف الإسرائيلي الذي تعتبر سورية بالنسبة له حلقة الوصل المميتة بين إيران وحزب الله اللبناني. ومن أجل هذه الغاية، لا نتردد في زعزعة استقرار لبنان الهش بشكل خطير. نأخذ ما يلزم. أرادت السعودية، وقطر، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، جميعاً، أكثر أو أقل، ولأسباب مختلفة، جلد سورية. لقد فهم الجميع أن روسيا وإيران (اللتين تتقاربان تكتيكياً لحماية وحدة الأراضي السورية، لكن لكل منهما طموحاته وحلوله الخاصة) لن تسمحا لهم بذلك.. هم يتراجعون ولكنهم لا ينزعون أسلحتهم، وينوي كل منهم سحب قطعة لا بأس بها من هذا القسمة التي لا ترحم، والتي توقفت بشكل مزعج، منذ خريف 2015، مع دخول موسكو إلى الحلبة .
في هذا الوضع المعقد، حيث لم تكن لها مصلحة إلا بالابتعاد عن أي حملة عقابية، ودعم استقرار هياكل الدولة لإنقاذ ما تبقى من نفوذها في لبنان وسورية، ودور محتمل كوسيط نزيه عندما يحين الوقت، تاهت فرنسا أخلاقياً وسياسياً واستراتيجياً، كما هو حالها في العديد من الموضوعات الأخرى. لقد قمنا برعاية التقسيم المبرمج، ودفعنا ما يسمى بسياسات سورية بديلة دون أي صفة تمثيلية، ثم شجعنا وسلّحنا جحافل جهاديين حولناهم إلى “متمردين مهذبين يقومون بعمل جيد”.
لقد أغرقنا أنفسنا بشكل مخجل في المنطق الأمريكي لتفتيت الشرق الأوسط خلف بهرجات وتزويقات أخلاقية دّعية ولا تطاق، كشفت عن جشعنا وغبائنا الاستراتيجي في هذا المسرح، وقوضت مصداقيتنا. إنها دائماً الحلقة نفسها من الدجل المصبوغ بالفضيلة والمشاعر الطيبة: التشجيع الخفي للمطالب الاجتماعية والسياسية المشروعة في كثير من الأحيان، والتنديد بقمع الحكومة، وشيطنة النظام وإضفاء الطابع الشخصي على فساده، والدعم الفعال لزعزعة الاستقرار السياسي، استيراد مجموعات من الجهاديين الذين من الواضح أنهم يفعلون ما هم مسؤولون عن القيام به – زرع الموت والإرهاب – والتدخل العسكري خارج أي تفويض من الأمم المتحدة، باسم “واجب الحماية”.. التدخل في عملية سياسية تريدها في يدك وتهرب منك، لأنه حتى السلام لا يمكن أن يُبنى إلا على أساس الحقائق على الأرض وتوازن القوى.
لن يحل السلام في أمد قريب طالما أن السخط الغربي من الفشل متأجج للغاية. مع ذلك، بالنسبة لباريس، حيث لا أحد يرغب في الإصغاء طالما أن الكثير من كلامنا تتم شيطنته من خلال هذه الامتثالية الحمقاء، يمكن للملف السوري أن يكون ملف الفداء الاستراتيجي. لذلك، يتطلب الأمر التواضع والبراغماتية. علينا أن نظهر أننا أدركنا أخيراً الطريق المسدود الدموي الذي قادنا إليه عمانا. 10 سنوات من المحنة كثير، وربما لا تغتفر بالنسبة للبعض. لكن ليس للجميع. لم يفت الأوان بعد. يمكننا أن ننأى بأنفسنا عن جميع أعمال “التحالف” العسكرية، وكذلك عن جميع العقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية لقانون قيصر. قبل كل شيء، يمكننا أن ننظر إلى موسكو لنرى كيف يمكننا أن نكون مفيدين إلى جانب الثلاثي الروسي الإيراني التركي في عملية أستانا. يمكننا التوقف عن الاشتراط السياسي لمساعدتنا في إعادة إعمار البلاد. يمكننا التوقف عن العواء مع الذئاب. علينا أيضاً أن نتجرأ على بعض الإيماءات القوية: إعادة فتح سفارتنا وقنصلياتنا، وإعادة تأسيس تعاوننا في مسائل الاستخبارات. هل يبدو ذلك مستحيلاً، خادعاً، سيئ السمعة؟ مع ذلك، فإن ما هو سيء السمعة هو العناد في الخطأ وتخريب علاقة الاحترام والصداقة والمودة التي ربطت الفرنسيين بالسوريين، بما يتجاوز التقلبات السياسية، وهو الرابط الذي جعلنا نحب ونفكر ونحسب في هذا البلد، وفي المنطقة.
كارولين جالاكتيروس رئيسة مركز أبحاث Geopragma