ثقافةصحيفة البعث

د. ريم منصور الأطرش: “أنا ضد التصنيف الديني أو المذهبي”

“تصوغ برهافة دودة القز نتاج رحلة الحرير فكانت أماً له”، بهذه المفردات استهل الإعلامي ملهم الصالح حواره مع الباحثة والأديبة د. ريم منصور الأطرش في جلسة إصدار في المركز الثقافي “العدوي” اتخذت سردية تاريخية وروائية شائقة بتوثيق أحداث شهدتها سورية في تاريخها المعاصر تكاملت مع الصورة البصرية للفيلم التوثيقي، وتخللها توقيع د. الأطرش رواياتها الثلاث: “إلى آخر الزمان، حرير الروح شآم، من أوراقها”، وقدمتها هدية للحاضرين الذين أصغوا بشغف إلى ذكريات سردية.

 المقاطعة

كانت البداية من رواية “إلى آخر الزمان” الصادرة عام 2013، وعنونتها بالجملة التي خطّها والدها منصور الأطرش لوالدتها هند الشويري قبيل وفاته في عيد الحب، وقد كتبت هذه الرواية بعد رحيل والدتها التي طلبت منها كتابة رواية عشقهما، فاستحضرت ريم تاريخ العائلتين المرتبط بتاريخ سورية منذ عام 1911 حينما استعصى الجبل على العثمانيين فلجؤوا إلى الخديعة، وقبض على ذوقان الأطرش والد سلطان ورفاقه وأعدموهم في ساحة المرجة، وكان الطلب الأخير لذوقان عودة سلطان من الخدمة ليهتم بعائلته، فعاد سلطان ولجأ إلى حبيب الشويري في منطقة الميدان كونه تاجر حبوب لاستدانة الحبوب، ومن هنا بدأت الصداقة والتاريخ النضالي للعائلتين، فمنزل حبيب الشويري كان ملتقى السياسيين، هذه الصداقة قادت إلى الغرام فوقعت هند ابنة حبيب بغرام منصور الأطرش السياسي والبرلماني، وعاشا قصة حب خفية طيلة أربعة عشر عاماً، إلى أن تمكنا من الزواج في إحدى كنائس بيروت، ثم ثبت الزواج في محكمة دمشق، لكن العائلتين اتفقتا على مقاطعتهما مدة أربعة عشر عاماً.

حديث الذكريات أثار شجون ريم الأطرش، وهي تتذكر القطيعة إلى أن تمت المصالحة واحتضنت ريم جدها الباشا، وقد أثرت هذه الأحداث بأفكارها فصرحت بأنها ضد التصنيف الديني أو المذهبي، وطالبت خلال مسيرتها بالزواج المدني في سورية.

التلميح وليس التصريح 

توقف الصالح عند تقنيات الرواية التي كانت سرداً لمشاهداتها وذكرياتها، معتمدة على ضمير المتكلم بأسلوب الراوي الذاتي، إلا أنها انتقائية في بعض المواضع السياسية، وتستعين بالتلميح بدلاً من التصريح.

قسمت الرواية إلى أربعة عشر فصلاً، والملفت أن الأطرش كانت حاضرة بصورة فنية مباشرة كرابط بين سيرتها وسيرة والديها مع التضمين التاريخي، فمن في المدرسة إلى جدتي سمية إلى جدي سلطان وتتوالى الفصول.

فسألها الصالح: لماذا الرحيل، ثم يأتي ذكر الولادة في السياق؟. فأجابت بأن رحيل والديها أثر بها، لاسيما أنهما كانا شاهدين على عملها بدعم الفلسطينيين بأحداث غزة والانتفاضة، وهذا يعود إلى طفولتها وتربيتها في المنزل وفي مدرسة اللاييك على أن فلسطين هي البوصلة.

الرواية الثانية “حرير الروح شآم” ألحقتها بالجزء الثاني بروايتها “شآم الياسمين”، وتوقف الصالح عند الرابط بينهما، مكتشفاً أن وقائع رواية “حرير الروح شآم” تدور حول قصة عاطفية مشابهة لقصة هند ومنصور حدثت في دمشق عام 1860 أثناء الأحداث التي ألمت بالمسيحيين، وتعرف بـ “طوشة النصارى”، والأغرب ظهور شآم الصغيرة حفيدة شآم في الجزء الثاني من رواية “شآم الياسمين” التي التقت معك، فما تفسير ذلك؟.

تحدثت عن عنصر الخيال في الرواية، إذ انطلقت بالحبكة السردية من الخطين معاً: خط الحرير، وخط قصة شآم ضمن مقولات الحب والتصوف، وإيهام القارىء بأنها حصلت على مذكرات خطتها شآم الجدة ووجدتها الأطرش في دار الوثائق التاريخية، ونوّهت إلى أن كل الأحداث التاريخية كانت موثقة، وقد وجدت أن ثمة رابطاً بين طوشة النصارى 1860 وطوشة ما سُمي بالثورة التي هدفت إلى التخريب في 2011، فأوحت إلى اللبوس الطائفي لضرب الاقتصاد السوري، وضرب الحرير، والسيطرة على ثروات بلدنا، فجاءت الرواية بعشرة فصول، ليشير الصالح إلى الفصل الذي بدا لا علاقة له بالرواية إلا أنه حامل أساسي بدلالة شآم التي تشتغل بالحرير، وتغادر دمشق في نهاية الرواية إلى دير القمر. وتعود شآم الحفيدة في شآم الياسمين إلى دمشق بعد أن قرأت مذكرات جدتها وتلتقي بريم، والمفارقة أن ولادة الحفيدة شآم كان يوم وفاة الجدة شآم، فأشارت الأطرش إلى التقمص الذي بنت عليه الجزء الثاني. أما رواية “من أوراقها” فصاغتها أيضاً ضمن الاستباق والاسترجاع لتعود البطلة إلى دمشق وتشاركها محنتها بالحرب.

الأنثى تدفع الثمن

من الملاحظات التي أثارها الصالح، غياب الأدب الغربي وتوظيفه بالمتن الحكائي، كما تستعرض أحلام مستغانمي ثقافتها، لاسيما أن الأطرش حاصلة على درجة الدكتوراه بالأدب الفرنسي من فرنسا، وكذلك سمة التقطيع بالسرد الروائي، فعقبت بأنها ابتعدت عن الصيغة التقليدية للرواية بالانتقال من المقدمة إلى الحبكة إلى الذروة، وربما يعود ذلك إلى تأثرها بالكاتب التركي أورهان باموق الذي استوحت منه أن تكتب فصولاً متباعدة، لكنها متسلسلة ومترابطة برابط خفي، كما أشار إلى كسر القاعدة العالمية بتقديم اسم العاشق على المعشوقة كما في: “روميو وجولييت- قيس وليلى- عنترة وعبلة”، فأوضحت أن الأنثى في مجتمعنا تدفع الثمن أكثر.

وتطرق الصالح إلى ترجمتها الكثير من الكتب عن اللغات: الفرنسية والانكليزية والاسبانية، وإلى عباءة جدها الباشا المثقبة بالرصاص الموجودة بالمسجد الأقصى.

 ملده شويكاني