مجلة البعث الأسبوعية

هل يحب الآباء النرجسيون أطفالهم؟ وكيف يؤثرون على شخصياتهم؟  

أُم تبدو وكأنها مثالية في الأماكن العامة، ولكنها تغضب وتصرخ على أطفالها وزوجها في المنزل عندما يضايقونها، أو أب يجعل أطفاله يشعرون بالارتباك عن عمد بإخبارهم أن شيئاً ما لم يحدث عندما يحدث، فإلى أين سيأخذ هذا أطفاله؟!

الإجابة: إلى إبطال تجربتهم البريئة وإلى تعلم عدم ثقتهم حتى في أنفسهم.

في الحقيقة إن تربية الطفل على يد والد نرجسي يؤدي إلى اعتقادة بأنه ليس جيداً بما يكفي.

وبشكل عام، ينظر الآباء النرجسيون إلى أطفالهم على أنهم امتداد لأنفسهم، ويصبحون مصدراً لتقدير الذات لدى الوالدين؛ “شيء ما يتم التفاخر به”، ويصبح الأطفال وسيلة لجذب الانتباه من الآخرين. ويتم صنع قوالب لهم، ويتعلم الأطفال كيف يتناسبون مع تلك القوالب التي تم إعدادها لهم مسبقاً، وهذا يمكن أن يؤدي إلى قلق الطفل الذي يدفع باستمرار شخصيته جانباً من أجل إرضاء الوالد.

يجب أن يلتزم ابن الوالد النرجسي بجدول أعمال والده، حتى تكون حياته مستقرة. قد يؤدي تأكيد مشاعره أو أفكاره إلى مشاكل مع الوالد قد تشمل الغضب أو اللوم أو العقاب. ومن خلال هذا، يتعلم الطفل أن مشاعره وأفكاره غير مهمة بل ويجب كبتها وتنحيتها جانباً، وغالباً ما يخنق مشاعره من أجل الحفاظ على السلام في المنزل.

والنرجسيون ليسوا دائماً قساة، يمكن أن يكونوا لطفاء في كثير من الأحيان، لكن هذا اللطف يأتي دائماً مع “الظروف”. غالباً ما يفهم الطفل أن حب والديه يقوده إلى الشعور بأنه مدين لوالده النرجسي، سواء كان ذلك علنياً أو خفياً، فإن صوت الشعور يكون “إذا فعلت هذا من أجلك، فأنت مدين لي” يأتي دائماً مع أفعال طيبة. اللطف والحب دائماً “مشروط”.

وقد يكون من الصعب التعامل مع سلوك النرجسي في أفضل الأوقات، لذلك قد يشعر الطفل بعدم القدرة على التنبؤ به وعدم الاستقرار، لا يمكن للأطفال الصغار فقط النهوض وترك عائلاتهم، لذا فهم يغذون الأمل بالتضحية باحترامهم لذاتهم ولوم أنفسهم ويتم تشويه شخصيتهم بنجاح.

والطفل يستوعب الاعتقاد بأنه هو المشكلة؛ “شيء ما داخلي هو الخطأ.” وإن اعتقاد والده النرجسي بأنه الوالد المثالي يضاعف هذا الاعتقاد فقط، لأنه يعتقد أن أي مقاومة أو سلبية يتعرض لها من الطفل هي “خطأ الطفل” كالعادة الجميع مع النرجسي هم المخطئون.

تكمن صعوبة النشأة مع والد نرجسي في أن الطفل غالباً لا يدرك أن هناك شيئاً خاطئاً، وعندما يكبر يكتشف ما تم قتله بداخله. قد تمر سنوات بعد أن يبدأ الطفل، الذي أصبح في الغالب الآن بالغاً، في فهم طفولته التي تم تدميرها بشكل أو بآخر.

 

هل الآباء النرجسيون يحبون أولادهم؟!

الإجابة في كلمة قصيرة هي: “لا”! فهم غير قادرين على حب الآخرين حتى لو كانوا أطفالهم، ونظراً لأن النرجسيين لا يستطيعون تطوير كيفية التعاطف مع الآخرين فلا يمكنهم تعلم الحب، وللأسف هذه حقيقة.

هناك نوعان من السلوكيات المختلفة يمارسهما الأب / الأم النرجسي في نفس الوقت تجاه أبنائهم:

الأول: الابن الذهبي، أو ولي العهد، وهنا يكون مهيمناً عليه بشكل كامل، فهو يعتبره امتداداً له ويُسبغ عليه صفات التعظيم، فهو لا يخطئ، ومهما كانت إنجازاته بسيطة فهو يكافئ ابنه عليها بالاحتفال والاحترام والمكافآت، وتكون كل طلباته مجابة.

وهذا الأب / الأم النرجسي يتصرف وكأن هذا الابن امتداد لشخصه، فلا حدود معه، ولا يقبل بأن يمتلك ولده شخصية أو رأياً أو خصوصية، ويمكن وصف ما يجري هنا بأنه “ابتلاع كامل” للابن بشخصيته وآرائه وكيانه.

الثاني: أن يكون الابن “كبش الفداء”، حيث يكون هذا الأب / الأم مهملاً له بشكل كامل، فهذا الابن يُلام على كل مصائب العائلة، إذ بينما الابن الذهبي لا يرتكب أي خطأ فإن الابن “كبش الفداء” يرتكب جميع الأخطاءK وكل إنجازاته مرفوضة، ويغض الطرف عنها؛ وهذا السلوك معاكس للسلوك السابق فهنا الاب يرسم كل الحدود مع ولده هذا، ولا يهتم كذلك لأمره، ما يُسبب الكثير من الإرباك للطفل؛ إذ يُحس بأنه غير محبوب، ولا يحصل على الاهتمام ولا العناية، وقد يصل الإهمال إلى درجة عدم الاهتمام حتى بنظافة الطفل أو حالته الصحية، وعدم الاهتمام بأي شيء يخصُّه.

ومن الواضح أن اختلال العدل في التعامل مع الأبناء يُسبب المشاكل بين الأولاد وبعضهم البعض، وأيضاً بين الأولاد ووالديهم مدى الحياة، والأحقاد والحسد والكُره، ومن ثَمَّ الانتقامات.

الشخص النرجسي في حقيقة الأمر لا ينجب طفلاً كي يربيه ويعتني به ويأخذ بيده في الحياة، كالشخص الطبيعي، إنما ينجب طفلاً كي يحصل على علاقة سيطرة تلقائية، حيث يفرض الأب النرجسي قوانينه على أبنائه، وينظر إلى طفله على أنه مجرد ملكية يمكن استخدامه لتعزيز مصالحه الذاتية، فالتحكم والسيطرة هما الهدف مرة أخرى.

الأب النرجسي للأسف حقيقته مؤلمة: فطفله منذ وقت مبكر سيعلم أن سبب وجوده هو خدمة هذا الأب، وليس العكس، فيعاني هذا الطفل سنين طويلة من الإحباط والمعاناة، قبل أن يفهم أن هذا الأب / الأم هو شخص مضطرب غير طبيعي، وحتى ذلك الوقت فالطفل يبذل المستحيل لإرضائه، لكن الأب النرجسي يستحيل إرضاؤه كما نعلم.

فإذا كان شريك النرجسي أصبح يفهم أن النرجسي شخص متقلب المزاج، وغريب الأطوار، وبعد بعض الوعي يتعرف على سُميته، فالطفل الصغير سيعتبره شخصاً مربكاً، ولا يمكن التكهن به أو الوصول إلى رضا وقبول ذلك الذي لا يُرضيه شيء.

ويلوم نفسه على التسبب بإساءة والده إليه، فيحس بالخزي والغباء، ويغضب على نفسه، ويجلد ذاته بما يكفي لتدميرها.

والعلاقة بين هذا الأب وولده بشكل عام هي علاقة ضعيفة ومهزوزة، فهذا الطفل لا يحس بأنه محبوب، إلا إذا تحول إلى هذه النسخة التي يرضي بها والده، فإذا أراد أن يحقق أهدافاً لنفسه تختلف عما أراده له والده فسيُقابَل بأشد أنواع العقاب والمقاطعة، وفي الحالتين من سلوك الآباء النرجسيين يعاني الأبناء من الإساءة والخوف والقلق ومرارة العيش، أو الإساءة في نشأته غير السوية وابتلاع شخصيته.

واستكمالاً لموضوع كيف يُعامل الأب النرجسي أولاده؟ سنناقش في المقال القادم كيف يمكن إنقاذ طفلك وحمايته من مثل هؤلاء الآباء، لو كان شريكك هو الشخص النرجسي الذي نناقشه في المقال.