دراساتصحيفة البعث

مشروع أردوغان لتقويض حرية الملاحة في البحر الأسود

د. معن منيف سليمان

يعتزم نظام أردوغان شق “قناة إسطنبول المائية” في الجانب الأوروبي من المدينة، بعد أن تحوّل مضيق البوسفور في إسطنبول، إلى أحد أكثر المضائق البحرية حساسية بالنسبة لسفن شحن البضائع، نتيجة الازدحام المروري الحاصل فيه. القرار أثار انتقادات بشأن تكلفة القناة وأثرها البيئي، وخلق مواجهة جديدة في حزمة مشاكل هذه المرّة بين رئيس النظام التركي أردوغان وأميرالات متقاعدين عبّروا عن رفضهم المشروع.

تمّ طرح فكرة وجود قناة تربط البحر الأسود مع بحر مرمرة عدّة مرّات في تاريخ تركيا، ليتمّ الإعلان عنه بشكل رسمي عام 2002، ولتبدأ أعمال التنقيب في مسار المشروع عام 2017، ومن المفترض أن يتم افتتاحه عام 2023.

تربط القناة البحر الأسود شمالي إسطنبول ببحر مرمرة جنوباً، وقسم الجزء الأوروبي من المدينة إلى قسمين ليكون الجزء الشرقي من القسم الأوروبي جزيرةً وسط قارتي آسيا وأوروبا. طول القناة نحو 30 كيلومتراً منه في اتجاه الغرب، وتقدّر التكلفة المبدئية للمشروع بنحو 15 مليار دولار.

وتمتدّ القناة في غربي البلاد لتربط البحر الأسود في الشمال ببحر مرمرة في الجنوب، بطول 45 كيلومتراً، وعمق 25 متراً. ويبلغ عرضها نحو 400 متر، ويصل في إحدى النقاط إلى كيلومتر واحد.

وتبدأ القناة من بحيرة كوتشوك شكمجه، وهي بحيرة طبيعية في بحر مرمرة، إلى الغرب من إسطنبول، وتمتد شمالاً إلى سد سازليديري، ثم قرية شاملار، وصولاً إلى البحر الأسود، وتعتزم وزارة النقل التركي بناء عشرة جسور ضمن مشروع القناة.

ووفقاً لسلطات أردوغان، فإن القناة ستساهم بتخفيف حركة الملاحة في مضيق البوسفور، وهو أحد أكثر الممرّات البحرية ازدحاماً في العالم. كما سيقلّل افتتاح القناة الجديدة التلوث في مضيق البوسفور، ما يعزّز ذلك الاستفادة من المضيق في القيام بالأنشطة السياحية والرياضة، نظراً لموقع مضيق البوسفور السياحي في قلب المنطقة التاريخية. وتريد  وفق خططها كسب ثمانية مليارات دولار سنوياً، مقابل التعريفات التي تدفعها السفن مقابل المرور عبرها، في ظل عدم خضوعها لاتفاقية “مونترو”.

وترجع اتفاقية “مونترو” لعام 1963، وقد وقعت عليها تركيا والاتحاد السوفييتي السابق وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا. الاتفاقية تسمح للسفن التابعة للدول المطلة على البحر الأسود بحرية المرور والوجود في حوض البحر الأسود، أما السفن التابعة لدول خارج حوض البحر الأسود، فيُسمح لها بالوجود لمدة ثلاثة أسابيع.

المحتجون على المشروع يرون أن مشروعاً كهذا سيقوّض حرية الملاحة في البحر الأسود، لأن تركيا ملزمة بشروط اتفاقية “مونترو” منذ عام 1963، التي تفرض عليها حرية الملاحة البحرية في البحر الأسود، أي المرور من دون رسوم، وتقيّد الدول غير المطلة على البحر بالبقاء ما لا يزيد على 21 يوماً.

وفي هذا السياق، انتقد بيان موقع من 103 أميرالات أتراك، إصرار نظام أردوغان على تنفيذ مشروع القناة، حيث ربط بيان الضباط الأتراك، بين الوضع في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا وبين إلغاء اتفاقية “مونترو”، وتحدثوا عن أن “قناة إسطنبول” تفتح الباب لوجود السفن الحربية الأمريكية في البحر الأسود.

كما ترفض المعارضة التركية المشروع، وتتحدث عن تغييرات تهدد النظام البيئي والمناطق الأثرية حول القناة. ويعارض رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو من “الحزب الجمهوري المعارض”، خطط حفر القناة، ووصفها بأنها “مشروع كارثي سيتسبب في مجزرة بيئية”، وتلوث في مصادر المياه العذبة في محيط المدينة، البالغ تعداد سكانها 15 مليون نسمة. إذ تشير خطط المشروع إلى أن عملية الحفر ستزيل 2.5 مليار متر مكعب من التربة، تخطط الحكومة لاستخدامها في بناء ثلاث جزر صناعية في بحر مرمرة. كما أن إنفاق تركيا لمواردها على القناة بالتزامن مع محاربتها تفشي فيروس كورونا بات أمراً محيّراً للعقل!.