دراساتصحيفة البعث

بايدن يجند حلفاءه عبر ميثاق “نيو أتلانتيك”

هيفاء علي

انعقدت قمة الناتو في 14 حزيران الجاري، على أعلى مستوى لرؤساء الدول والحكومات في بروكسل. وترأسها رسمياً الأمين العام ينس ستولتنبرغ، ولكن في الحقيقة ترأسها بايدن الذي جاء إلى أوروبا لدعوة الحلفاء إلى حمل السلاح في حربه ضد روسيا والصين!.

كان ميثاق “نيو أتلانتيك”، الذي وُقّع في 10 حزيران في لندن من قبل رئيس الولايات المتحدة ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وثيقة سياسية مهمّة لم تحظَ لدى وسائل الإعلام باهتمام كبير. فقد حدّد ميثاق الأطلسي التاريخي -الذي وقّعه الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل في آب 1941، بعد شهرين من غزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفييتي – القيم التي سيُبنى عليها النظام العالمي المستقبلي، وقبل كل شيء التخلي عن استخدام القوة وتقرير المصير للشعوب وحقوقها المتساوية في الوصول إلى الموارد. بعد أن أظهر التاريخ كيف تمّ تطبيق هذه القيم، يعيد ميثاق الأطلسي “المعاد تنشيطه” الآن تأكيد الالتزام “بالدفاع عن القيم الديمقراطية ضد من يحاولون تقويضها”. ولهذه الغاية، أكدت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى للحلفاء أنه يمكنهم دائماً الاعتماد على “ردعنا النووي”، وأن “الناتو سيظل تحالفاً نووياً”.

وبالتالي انضمّت القوى الأوروبية لمجموعة السبع -بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، والتي تعدّ في الوقت نفسه القوى الأوروبية الأعظم في الناتو- إلى الولايات المتحدة حتى قبل قمة الناتو، وبذلك يكون بايدن العجوز قد أعلن الحرب ولم يترك مجالاً للمفاوضات التي تزيل التوتر.

لقد أعلنت القمة فتح “فصل جديد” في تاريخ الحلف، على أساس أجندة “ناتو 2030″، بحيث يتمّ تعزيز “الارتباط عبر المحيط الأطلسي” بين الولايات المتحدة وأوروبا على جميع الجبهات -السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والمكانية وغيرها – باستراتيجية تمتد عالمياً، من شمال الولايات المتحدة إلى جنوبها، ومن أوروبا وآسيا إلى إفريقيا. في مثل هذا الإطار، ستنشر الولايات المتحدة قريباً في أوروبا ضد روسيا، وفي آسيا ضد الصين قنابل نووية جديدة وصواريخ نووية جديدة على المدى المتوسط. ومن هنا جاء قرار القمة بزيادة الإنفاق العسكري لاحقاً: فالولايات المتحدة، التي يصل إنفاقها إلى ما يقرب من 70٪ من إجمالي إنفاق دول الناتو الثلاثين، تدفع الحلفاء الأوروبيين إلى زيادته. لقد زادت إيطاليا، منذ عام 2015، إنفاقها السنوي بمقدار 10 مليارات، ليصل في عام 2021 (وفقاً لبيانات الناتو) إلى نحو 30 مليار دولار، وهو الخامس من حيث الحجم بين دول الناتو الثلاثين، ولكن المستوى الذي يجب أن تصل إليه أكثر من 40 مليار دولار سنوياً.

في الوقت نفسه، يتمّ تعزيز دور مجلس شمال الأطلسي، وهو الجهاز السياسي للحلف الذي، وفقاً لمعايير الناتو، لا يقرّر بالأغلبية ولكن دائماً “بالإجماع والاتفاق المتبادل”، أي الموافقة على ما تقرّر في واشنطن. وهذا يستلزم المزيد من إضعاف البرلمانات الأوروبية، ولاسيما البرلمان الإيطالي، المحرومة بالفعل اليوم من سلطات صنع القرار الحقيقية في السياسة الخارجية والعسكرية، لأن 21 دولة من دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 تنتمي إلى الناتو. لكن ليست كل الدول الأوروبية على المستوى نفسه: تتعامل بريطانيا وفرنسا وألمانيا مع الولايات المتحدة على أساس مصالحها الخاصة، بينما تنحاز إيطاليا إلى قرارات واشنطن ضد مصالحها. ومع ذلك، تحتل الخلافات الاقتصادية (على سبيل المثال الخلاف بين ألمانيا والولايات المتحدة في نورد ستريم) المرتبة الثانية في مواجهة المصلحة الفضلى المشتركة: ضمان أن يحافظ الغرب على هيمنته في عالم ينشأ أو يشهد عودة بروز ملفات إستراتيجية واجتماعية جديدة.