دراساتصحيفة البعث

بالدليل.. أردوغان عميل الناتو

محمد نادر العمري

من الممكن أن نؤكد بل وربما نجزم بأن الاجتماع الذي استمر قرابة ساعتين ونصف الساعة وجمع بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس النظام التركي رجب أردوغان، والذي حصل في منتصف نيسان الماضي على أثر اجتماع دول حلف شمال الأطلسي، لم يفضِ لأي نتائج. بل على العكس من ذلك ربما باتت نتائجه تطفو على السطح وبسرعة لم يكن يتوقعها أحد، رغم الخصومة الشخصية التي تدور بين بايدن وأردوغان منذ ولاية أوباما، وهي لا تقلّ ضراوة عن العلاقة الشخصية بين بايدن ونتنياهو، فكلا الشخصين لم يهاتفهما بايدن إلا بعد مرور شهر من وصوله البيت الأبيض وكلا الشخصين على عداوة قديمة معه، وكلا الشخصين وخاصة رئيس النظام التركي وصفه بايدن بأنه مجرم وقامع للحريات، بل وذهب أبعد من ذلك واعترف بمجزرة الأرمن واعتبر أن السلطنة العثمانية هي المسؤولة واستمر في سياسة الوعيد والتهديد بفرض المزيد من العقوبات في حال استمرت أنقرة بتمسكها بمنظومة أس400.

كل ذلك الحجم من مستوى للخلافات لم يقف عائقاً أمام حصول تفاهمات، فتركيا كانت وما زالت رأس حربة للناتو في المنطقة، وهنا سنورد الأدلة الكفيلة والحاسمة في ذلك:

أولاً: إعلان النظام التركي رغبته في الاستمرار بالتواجد في أفغانستان رغم إعلان الولايات المتحدة نيّتها الانسحاب من هناك بشكل تدريجي حتى نهاية العام الحالي، فالنظام التركي الذي تواجد في القوات التي شاركت في احتلال أفغانستان 2003 بـ2500 جندي، يسعى لزيادة توسعها هناك بـ9000 جندي، واستلام المراكز الحيوية من مقرات وقواعد ومطارات من القوات الأمريكية رغم تهديد طالبان باستهداف أي قوات لن تخرج من هناك، وبذلك يحاول النظام التركي كسب ودّ أميركا بالبقاء هناك واستغلال عامل الإسلام للتقرب من أفغانستان لتمثيل النفوذ الأطلسي هناك، وتمتّع أنقرة هناك بنفوذ سياسي واجتماعي بين الأفغان وخصوصاً المجموعات ذات الجذور التركية مثل الأوزبك. وهو ما يحفظ للأمريكيين طرق الإمداد بين المتوسط والخليج وصولاً للصين مروراً بآسيا الوسطى عبر أفغانستان، كما أن التركي يطمح في حال بقائه في أفغانستان بأن يسمح لها ذلك بالطلب من إدارة البيت الأبيض التخلي عن أدواتها في سورية أي “قسد” والقيام هي بالدور المطلوب القيام به في سورية إن اضطرت واشنطن للانسحاب، فضلاً عن أن رئيس النظام التركي يرغب في عدم مواجهة المصير الذي واجهه نتنياهو من خلال دعم بايدن لحكومة بينت للوصول للسلطة، ولاسيما أن بايدن ووزير خارجيته وعدا في بداية العام الحالي بدعم المعارضة التركية للوصول للسلطة في تركيا. مع وجود عاملين مؤثرين في ذلك: الأول، اتساع قوة المعارضة التركية أفقياً وعامودياً خلال الفترة الماضية وتوحدها على شعار إسقاط أردوغان رغم اختلافها الإيديولوجي، والعامل الثاني المتمثل بانتشار ما عرف بـ”فضائح سادات بيكر”، وهو أحد رجال المافيا الذي ظهر عبر الفيديو يتحدث عن كيفية مساهمته علناً في الحملات الانتخابية نيابة عن حزب “العدالة والتنمية”، وكيف قام سراً بتمويل بعض أنشطة الحزب ورشوة نوابه. هذه العوامل أدّت إلى فقدان غير مسبوق للثقة بالحزب، بسبب مزاعم الفساد المتفشية، ما أدى إلى انفكاك قسم من مؤيديه عنه، حتى بين الناخبين الموالين سابقاً، وفق استطلاعات رأي للمعارضة التركية.

ثانياً: حصول تركيا على 3 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي وهي الدفعة الثالثة لتركيا من الاتحاد لإبقاء المهاجرين على أراضيها، وهذا المبلغ يصل لتركيا بعد سلسلة تصريحات خلال العام الفائت صدرت من بروكسل ووزرائها بعدم تقديم أي أموال جديدة لتركيا نتيجة استفزازاتها لأمن أوروبا ومساومتها على ذلك، وفي ظل استمرار سياستها العدائية ضد دول الاتحاد أثناء خلافها مع اليونان وقبرص حول التنقيب عن الغاز في المتوسط، وبعد عرقلة المشروع الأوروبي في ليبيا. إذن الأموال الأوربية قدّمت بعد طلب أميركي بذلك، وهو مايعني أن كل العقوبات التي اتخذت على تركيا لم تكن سوى عقوبات وهمية وشكلية!.

ثالثاً: دعوة تركيا لحضور مؤتمر “روما” والذي ضمّ وزراء خارجية الدول الكبرى في شنّ الحرب على سورية بقيادة أميركا، والمجموعة المصغرة حول سورية، والمبعوث الدولي غير بيدرسون، بغياب الدولة السورية، المعني الأول، والاتحاد الروسي والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث كان الهدف من المؤتمر زيادة الضغوط على سورية، وإعادة تفعيل المشاريع القديمة بما في ذلك تأهيل “داعش” والضغط على الدول لعدم عودة علاقاتها مع سورية وتوحيد الجهود من أجل التوافق على دعم المشروع الأمريكي في مجلس الأمن في 11  من شهر تموز الحالي لتمرير مشروع المعابر الذي ترفضه كلّ من سورية وروسيا، ومجرد حضور تركيا المؤتمر والتصعيد الذي أقدمت عليه مجموعاتها المسلحة في إدلب مؤشران على توافق تركي أميركي.

هذه الأدلة تمثّل خير الأدلة على تبعية تركيا لحلف الشمال الأطلسي عموماً وللولايات المتحدة خصوصاً، فرئيس النظام التركي لا يصون عهداً ولا وعداً، وهو ليس أكثر من عميل أميركي ينفذ الأوامر لتحقيق مصالحه في التمسّك بالسلطة.