مجلة البعث الأسبوعية

محمد العبد الله: أنا ضد الاستعلاء اللغوي والعربية لم تترجم إلى لغات العالم

“البعث الأسبوعية” ــ غالية خوجة

ماذا بين اللغة المرسِلة واللغة المرسَل إليها؟ وكيف للمترجم أن يتوغل في روح النص ليطل على القارئ المستهدَف من خلال هذه العملية اللغوية؟ وكيف يتبرأ المترجم من ذاتيته حين يتعامل مع النص؟ وهل من تشاركيّة ما بين هذه العناصر؟

سألت “البعث الأسبوعية” محمد العبد الله، الكاتب والمترجم، الذي يرأس، حالياً، فرع حلب لاتحاد الكتّاب العرب، فأجاب: أحاول قدر الإمكان أن أكون أميناً للنص الأصلي، على أن أقدم لغة سهلة بهوية اللغة الهدف المترجم إليها، مخففاً قدر الإمكان عن القارئ صعوبة اللغة المترجم عنها.. الأمّ.

 

الشعر بوابتي للترجمة

عن طفولته وعلاقته باللغة، أجاب: تأخرت سنتين عن انتسابي إلى المدرسة بسبب بعدها المكاني في ريف دير الزور، وكنت متفوقاً في الابتدائية التي اجتزتها بأربع سنوات، ومنذ الصف الأول وأنا أحفظ كل أبيات الشعر، وأنافس طلاب الثانوية بأشعار المنهاج، وهذا ما جعلني ألتفت إلى اللغة، وأؤسس دواخلي من خلالها.. انتقلت أسرتي إلى قريتي بزاعة، وهي أقدم قرية في الباب، ثم انتسبت عام 1977 لدار المعلمين، وتخرجت معلماً.

أمّا عن مسيرته مع الإنكليزية: تخرجت عام 1985 من قسم اللغة الإنكليزية ــ كلية الآداب بحلب، واستهوتني الترجمة والكتابة، ونشرت أول مقال “عوامل تغيّر اللغة” في المجلة العربية، العام 1983، وعملت مدرّساً في بعض دول الخليج مثل السعودية واليمن، وعدت عام 1999 رئيساً للمركز الثقافي العربي بالباب، وبدأت مسيرتي مع الترجمة.

 

بدايتي مع راسبوتين

وأضاف: ترجمت القصة الطويلة أو الرواية القصيرة، ومنها “ماذا أخبر الغراب؟” للكاتب الروسي المعروف راسبوتين، من الإنكليزية إلى العربية، والطريف في الأمر أنني ظللت أراجعها لمدة سنتين وأكتشف فيها الجديد، ثم كلفت من قبل وزارة الثقافة بترجمة “الحداثة والأخلاق” للكاتب البريطاني مارتن هاليويل، وهو كتاب يتحدث عن تقنيات القص ذات الأثر الأخلاقي في الرواية الإنكليزية والأمريكية، ويعد مرجعاً حقيقياً للنقاد والباحثين في مجال الأدب.

وتابع: ذهبت إلى بريطانيا، عام 2005، لأحضر مؤتمراً عن المسرح في جامعة ليتز البريطانية، وهناك التقيت كبار المخرجين والكتـّاب الإنكليز، مثل الكاتب العالمي الحائز على جائزة نوبل هارولد بنتر، والمخرج العالمي هنري وولف الذي أُخرج له أول عمل مسرحي بعنوان “الحُجرة”، وأجريت مع وولف حواراً لم ينشر بعد، لكني أذكر أنني سألته: سيد وولف هل ما تزال الغرفة – الحجرة، هي المكان الآمن الوحيد في هذا العالم؟ فأجابني بحصافة وذكاء: هذا ما كانت عليه الحجرة قبل 50 سنة، المكان الآمن في هذا العالم أن تعيش مع أفكارك ولا تبوح بها لأحد.. حينها، سألته: ماذا بعد مسرح العبث؟ فأجابني إجابة الواثق من نفسه: الفانتازيا قادمة لا محالة.

 

الرواية حضوري الغائب

وعن نصه الغائب منه وعنه ومازال يبحث عنه؟

“تستهويني الرواية وكتابة الرواية، وترجمت الكثير من القصص والروايات من الإنكليزية إلى العربية، منها رواية “الصدع” الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب لدوريس ليسينغ، حائزة نوبل، التي التقيت بها في لندن، وشعرت أنها كاتبة تعتز بانتمائها البريطاني لكنها لا تمجد السياسة الاستعمارية التي تنتهجها بريطانيا مع مستعمراتها، لاسيما أنها ولدت في إيران وعاشت في بريطانيا.

وتابع: لدي 12 كتاباً مترجماً عن الإنكليزية أولها كتاب “الحداثة والأخلاق”، للإنكليزي مارتن هاليويل، الصادر عن دار إنانا، 2005، وآخرها كتاب “الورق ما قبل الطباعة وتأثيره في الحضارة الإسلامية”، جوناثان بلوم، وصدر عن وزارة الثقافة والإعلام بالسعودية، عام2020، وهناك 3 كتب قيد الطباعة، وترجماتي متنوعة بين الرواية والمسرح والنقد الأدبي والبحثي والفكري.

 

لا أترجم المتَرجَم

أمّا كيف يختار ما يترجمه وعلى أية معايير يستند؟ فأكد أنه يقدم الجديد للمكتبة العربية والقارئ العربي، مسترسلاُ: قبل اختياري للكتاب أطلع على السيرة الذاتية للكاتب وموقعه الثقافي والفكري في الثقافة واللغة التي يكتب بها، وأقرأ الكتاب قراءة سريعة قبل البدء بترجمته لأطلع على أهم الأفكار الواردة فيه، ثم أبدأ الترجمة.. وأنا لا أترجم أي كتاب سبقت ترجمته إلى العربية.

 

لا تجوز الإضافة

لكن، كيف يفهم أمانة النص.. المتحول المتجول إلى لغة أخرى؟

مفهوم الأمانة هو أن نتقيد إلى حدّ كبير بالنص المصدر من حيث التركيب اللغوي والمعرفي وعدم الإضافة من خارجه.. النص المصدر هو نص لا تجوز الإضافة عليه وإليه، إلاّ لدواعي بنية النص المنقول إلى لغتها، فأنا ضد ما يمارسه بعض الأدباء والمترجمين المنتمين إلى الثقافة الاستعلائية، إذ إنهم يعتبرون أنفسهم أكثر قدرة على التعامل مع النص المترجم من لغة أخرى، فتجدهم يضيفون ويحذفون ولا يعيرون النص الأصلي قداسته المناسبة.

 

الوسيطة ليست الأفضل

ورأى العبد الله أن أهم الفروقات بين الترجمة العلمية والأدبية والإلكترونية هو الأسلوب الإبداعي المحبب في عملية الترجمة مع الحفاظ على دقة المعلومة والمصطلح، مضيفاً: لا بد للمترجم أن يتقن اللغة وثقافتها سواء لغة المصدر أو لغة الهدف، مؤكداً أن اللغة الوسيطة ليست الأفضل لكثرة المترجمين وانفتاح العالم على كافة اللغات والترجمات، وقد يعتمد المترجم على القاموس، والشبكة الالكترونية، والقلم والورقة، فأي نقص في هذه الأدوات هو نقص في أدوات المترجم!!

 

المخيلة الجمالية

وعن دور المخيلة في هذه العلائق، قال: دورها ضروري عندما يكون العمل إبداعياً لأن هنالك فوارق ثقافية يجب أن يأخذها المترجم بعين الاعتبار، ويوصلها إلى القارئ بلغة الهدف بصورة جميلة ومشوقة ومضيفة.. القيمة الجمالية تختلف بين الشعوب، فمثلاً تتغزل الثقافة الهندية بالأنثى وتشبه مشيتها بمشية الفيل، بينما الثقافة العربية فتشبهها بالغزال!

 

أين التنسيق المؤسساتي؟

الغزل البائد يسقط الصفات الحيوانية على الأنثى، لكن، ماذا لو سألتك: ما واقع الترجمة في عالمنا العربي؟ وكيف ننشر آدابنا وعلومنا العربية؟ وهل هناك جائزة للترجمة من العربية إلى الإنكليزية واللغات الأخرى؟

هناك مؤسسات معنية بالترجمة موجودة قي سورية ولبنان ودول الخليج، لكن، لا يوجد تنسيق بينها، من حيث انتقاء الكتاب المراد ترجمته للعربية، أمّا فيما يتعلق بترجمة الكتاب من العربية إلى اللغات الأخرى فلا تزال هذه العملية بسيطة، وما يترجم يقع ضمن حدود النشاط الفردي للكتّاب ودور النشر، ونحن بحاجة إلى نشر وتسويق إنتاجنا الإبداعي، ولم تستفد مؤسساتنا الثقافية من العالم التكنولوجي كما يجب، بحيث تترجم الكتب الجديرة إلى اللغات الأخرى، علماً أن النشر الالكتروني متاح للجميع وغير مكلف.

وأضاف: من جهة أخرى، تواجه الترجمة من العربية إلى الإنكليزية مشكلات عديدة، أهمها: ضرورة وجود مترجمين أكفّاء يستطيعون نقل الثقافة العربية إلى الثقافات الأخرى بلغة سليمة ودقيقة، ومشكلة وجود دور نشر تتبنى هذه الترجمات، ولديها القدرة المادية على تسويق هذه المطبوعات في العالم بشكل عام، إضافة إلى مشكلات أخرى تتعلق بالاتفاقيات الثنائية بين الدول المصدرة للمعرفة والدول المستقبلة لها.

 

مشكلة الثقافة العربية

يرى محمد العبد لله أن الثقافة العربية لا تنال الاهتمام المناسب، كونها لم تخرج من المحيط العربي باستثناء بعض الكتب القليلة، ربما لأن الدول عندما تكون في حالة من التقدم تتمتع بقدر كاف من القدرة على بسط نفوذها على الثقافات الأخرى، والمطلوب مشروع متكامل للترجمة من العربية إلى لغات العالم، يتقن صناعة الانتقاء والنشر والتوزيع والتسويق.

واستدرك: لدينا مشكلة تسويق في الوطن العربي إضافة إلى القيود التي تفرضها الدول على الكتاب الورقي، إلاّ أن الفضاء الإلكتروني لم يصل إلى درجة منافسة الكتاب الورقي، فلا يزال الكتاب الورقي هو المصدر الأهم للقراءة، ولدينا كتب معنية باللغويات التطبيقية والأدب المقارن ونظريات النقد، وهناك نقص عام في الأجناس الأدبية وبعض العلوم والمعارف التي تقدمت كثيراً واستفادت منها اللغات الأخرى بينما العربية فلم تستفد من كل ذلك حتى الآن.

 

محفوظ لا يبيع

ولماذا لم يحقق نجيب محفوظ الحائز على نوبل مبيعات؟

أجاب العبد الله: بسبب جهْل الآخر بالثقافة العربية! مثلاً، عندما دعي محفوظ لحضور مؤتمر لإلقاء محاضرة عن الثقافة العربية في فرنسا بعد حصوله على نوبل، وتحدث بإسهاب عن الكتّاب والمبدعين والروائيين في الوطن العربي، كانت المفاجأة أن مَن داخلَ في هذه المحاضرة كان يسأل عن أشياء لا تمت للثقافة العربية.. بل سألوه: كيف تتزوجون 4 نساء؟!

 

جائزة الباسل علنية أم سرية؟

ونتيجة المتابعة للمشهد الثقافي في حلب، اكتشفنا أن جائزة الباسل عادت وكأنها علنية وسرية في الوقت ذاته، كونها لم تنشر نتائج دورتها السابقة، ولم تشكر حتى المشاركين القلة – وأنا منهم – لتخبرهم بصدور النتائج على الأقل، ولم يكن هناك مؤتمر إعلامي للإعلان عن نتائجها، لذلك، سألت الكاتب محمد العبد الله عن مستقبل هذه الجائزة؟ فأجاب: فزت بجائزة الباسل عن ترجمتي لكتاب “حلب مدينة لا تموت”، إعداد المهندس خلدون اسكيف، من العربية إلى الإنكليزية، وكانت اللجنة مؤلفة من مدراء الدوائر في حلب، ولكن..

ختاماً، للقارئ العزيز أن يتوقع ما بعد “لكن”.