مجلة البعث الأسبوعية

بعد أن التهم التصحر ثلث مساحة سورية.. طروحات علمية تبحث عمن يتبناها و”الجوجوبا” إحداها!!

“البعث الأسبوعية” ــ ذكاء أسعد

تتزاحم الأفكار والمبادرات بين الفينة والأخرى لوقف زحف التصحر الذي التهم حوالى ثلث مساحة الجغرافيا السورية وذلك حسب تقارير وزارة الزراعة: منها ما قد يؤخذ به، ومنها ما يذهب أدراج الرياح.. وآخر ما حُرر في هذا السياق ما طرحه الباحث السوري الدكتور أحمد العوض باعتماد زراعة شجيرة الجوجوبا، انطلاقاً من أن التوسع بزراعتها بات ضرورياً وحاجة ملحة تقتضيها مسارات التطور الإنساني والحضاري، سيما في ظل تراجع معدلات الأمطار، وازدياد مساحات الأراضي المتصحرة، وكثرة الحرائق.

 

مبررات علمية

قدم العوض مبررات اعتماد هذه الشجيرة مدعمة بدلائل علمية، مبينا أنه يمكن زراعتها في المناطق المتصحرة والجافة في سورية لحاجتها القليلة للمياه، وبهذا يمكن استثمار الأراضي غير الزراعية والتغلب على مشكلة شح المياه، والإفادة من زراعتها اقتصادياً وبيئياً وجمالياً وحضارياً، إضافة إلى فتح آفاق علمية أمام الباحثين السوريين في المجالات الهندسية والطبية والصيدلانية، كما يمكن استخدام زيت الجوجوبا كوقود حيوي للمدافئ، غير ضار بالبيئة، ينتج منها ويعود إليها.

 

مطلوبة عالمياً

والجوجوبا شجرة دائمة الخضرة تعمر بين 150 و200 عاماً. وفضلاً عن دورها في مكافحة التصحر- كما أكد العوض – تنتج بذوراً يستخلص منها زيت عالي الجودة يتمتع بخصائص فيزيائية وكيميائية فريدة ويعد أغلى أنواع الزيوت، وذلك لقيمته الاقتصادية العالية رغم تكلفة إنتاجه الزهيدة، نظراً لأن شجيرة الجوجوبا لا تحتاج مياه للسقاية ولا أسمدة ولا يد عاملة لمراقبتها والاعتناء بها.

وأضاف العوض أن زيت الجوجوبا يدخل بصناعة مواد التجميل ويعرف بالذهب السائل، ويستخدم هذا الزيت بصناعة الأدوية كوسيط مقاوم لتشكل الرغوة ومضاد للجراثيم والأمراض الجلدية، كما يمكن أن يدخل بصناعة أحبار الطباعة ومواد تلميع السيارات والأرضيات والأثاث المنزلي، ويستعمل لصناعة الشموع وحفظ المواد الغذائية التصديرية، كما أنه يدخل بصناعة الكثير من مبيدات الحشرات، ويمكن أن يستعمل كوقود حيوي لمحركات الاحتراق الداخلي ومحركات الطائرات وتزييت الآلات ذات السرعات العالية.

ويضيف العوض أن كسبة الجوجوبا، وهي المادة الصلبة المتبقية من البذور بعد العصر تحتوي على نسبة عالية من البروتين والألياف النباتية والحموض الأمينية، وتعد الأرجنتين الأولى عالمياً في إنتاج كسبة الجوجوبا التي تستعمل علفاً للحيوانات أو سماداً عضوياً نظراً لاحتوائها على الآزوت، ويمكن أن تكون وقوداً حيوياً متجددا وبأشكاله الثلاث (صلب، سائل، غاز)، معتبراً أنه لا يمكن حصر الفوائد الكبيرة للشجيرة، داعياً الحكومة ووزارة الزراعة للتفكير جدياً لاعتماد زراعة هذه الشجيرة الكفيلة بتوفير الغطاء النباتي الأخضر في المناطق الصحراوية الجافة.

 

نهج تشاركي

تتطلب مكافحة ظاهرة التصحر تضافر وتعاون كافة الجهات الحكومية والأهلية المعنية، كما تتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بإعادة تأهيل المناطق المتصحرة وإعادة خصوبة الأراضي الزراعية فيها، ومحاولة إعادة التوازن البيئي بالمناطق الأشد تصحرا لحالتها السليمة التي كانت عليها قبل الجفاف، وذلك من خلال مشاريع التشجير والتخضير وتكثيف الغطاء النباتي بما يساعد على تثبيت التربة ومنع الانجراف والتعرية، كما تحتاج إلى سن العديد من القوانين وإعداد دراسات جادة وفعالة بحيث تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية والبيئية، فضلاً عن تثبيت الوعي البيئي عن طريق إقامة الدورات لشرح أسباب ظاهرة التصحر وتشجيع الأبحاث العلمية في البلاد بهذا المجال والاستعانة بالتقنيات الحديثة. وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور بيان العبد الله، مدير فرع البادية في حماة، على ضرورة منع الفلاحة في أراضي البادية تجنبا لتفكيك التربة ومنع انجرافها وتعريتها ريحياً أو مطرياً، الأمر الذي يفقدها طبقتها السطحية الخصبة، وزراعة الأنواع النباتية المعمرة واستخدامها كمثبت لحركة الكثبان الرملية، إضافة إلى إدخال تقنيات الحصاد المائي التي تمنع الانجراف وتعمل على استغلال مياه الهاطل المطري.

وبالنسبة للإجراءات التي يمكن اتخاذها لتكثيف الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية، بين عبد الله أنه يجب زراعة المناطق الهامشية المحاذية للبادية وعلى خط التماس بالشجيرات الرعوية، وإقامة ما يسمى بمحميات النهج التشاركي مع مربي المنطقة، وذلك لتخفيف الضغط عن مراعي البادية واستغلال الهاطل المطري المتدني بالحدود القصوى من خلال الاعتماد على تقنيات حصاد مياه الأمطار وزيادة المساحات الخضراء في البادية ليساعد في تثبيت التربة ومنع الانجراف.

 

تعاون

وبين العبد الله أن هيئة البادية وبالتعاون مع منظمة الفاو ستقوم بدورات تدريبية في إطار مشروع دعم المزارعين والمتضررين من الأزمة في فرع حماة في الخامس عشر من الشهر الجاري، وسيتم طرح محورين أساسيين: الأول هو التغذية المتوازنة للحيوانات، والثاني هو إدخال أصناف جديدة من النباتات الرعوية للبادية.

وفي هذا الإطار، قال المهندس والخبير الزراعي علي رمضان: نحن بحاجة ماسة للبحث عن بدائل زراعية باحتياجات مائية قليلة، وذلك لعدة أسباب أولها إيقاف زحف الصحراء المخيف بسبب نقص المياه، وثانيها البحث عن نباتات ذات احتياج مائي قليل ومردود ودخل كبير للمزارع، كزراعة النباتات المقاومة للجفاف كالقبار والجوجوبا لما لهما من خصائص ومنافع فريدة وكونهما يناسبان مناخنا الصحراوي في ريف حماه الشرقي.

 

قيمة صناعية

لم ينكر مدير فرع البادية في حماة، الدكتور بيان العبد الله، أهمية هذه الشجيرة، مؤكدا أنها ذات قيمة صناعية كبيرة، وهي مقاومة للتغيرات المناخية والملوحة والجفاف والأمراض والآفات، ولا تحتاج إلى المياه، وتحتوي على نسبة عالية من الزيت ذي الصبغة الصناعية الكبيرة، والذي يمكن استخدامه كوسيلة للتخلص من مياه الصرف الصحي المعالج، إلى جانب أهميته الكبيرة كوقود وغاز حيوي، مؤكداً أن زراعة الشجيرة كغطاء نباتي في البادية تخفف من حدة التغيرات المناخية، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها كعلف للماشية لعدم وجود أبحاث ومؤشرات تثبت استساغة الحيوانات لهذا المنتج.