وفدان من لبنان .. أي رمز هذا ؟..
د. مهدي دخل الله
وفدان من لبنان في دمشق في وقت واحد تقريباً !..
وفد شعبي يمثل وجه لبنان الجميل ، وآخر رسمي يمثل وجه أمريكا البشع !.. ألم يأتوا بضوء أخضر من السفيرة الأمريكية في بيروت ؟؟..
ولما كانـت الثقافة العربية تهتم بالرموز ، فمن الواضح أن هذا الحدث يمثـل رمزاً لعلاقـة سورية بأمتها العربية ، شعوباً وأنظمة. زيارة الوفديْن لدمشق مثال واضح للوضع العربي اليوم حيث الأنظمة ، غالبيتها ، تنظم علاقاتها الدولية والعربية وفق السمفونية الأمريكية دون أي نشاز …
أما الشعوب العربية فموقفها من سورية يستند إلى الكينونة القومية المشتركة. التي تأتي بالفطرة وبطبيعة الأشياء قبل أن تأتي بالوعي المكتسب ..
هكذا كانت مشاعر الوفد الشعبي … طبيعة منطلقة من عقالها وتعابير حقيقية عن روابط الدم والمصير .. علت وجوه أعضاء الوفد الشعبي الابتسامة التي غابت عن وجوه أعضاء الوفد الرسمي المكفهرة . تصوروا لو أن الوفد نفسه زار باريس – مثلاً – …
الابتسامة كانت واضحة على وجه وزير الخارجية الدكتور المقداد والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم ، لكنها غابت عن أوجه بعض أعضاء الوفد اللبناني .. أما لقاء السيد الرئيس مع الوفد الشعبي ، وهو اللقاء السوري اللبناني الحقيقي ، فكانت مشاعر الودّ والدفء طاغية خاصة في الأحاديث قبل الاجتماع وبعده …
ما أريد أن أذكره هنا يهم رأينا العام ، بعيداً عن الديبلوماسية ومتطلباتها ، فما يجمعنا مع لبنان لا يمكن أن تسعه أطر ديبلوماسية أو تعبر عنه لغة ديبلوماسية …
لو لم يأت الوفد الشعبي الذي استقبله السيد الرئيس ، لشعرت كسوري بقدر كبير من الغضب. لكن هذا الوفد ذكرنا بالعلاقة الحقيقية بين البلدين. ولا شك في أن استقبال السيد الرئيس للوفد الشعبي ، دون الوفد الرسمي ، مؤشر على أن ما يهمنا هو العلاقة الحقيقية مع اللبنانيين … بل إن استقبال خارجيتنا للوفد الرسمي هو استجابة لهذه العلاقة الحقيقية التي يمثلها الوفد الشعبي ..
عشر سنوات من “النأي بالنفس” ، ثم يأتي الرسميون إلى دمشق دون أي كلمة اعتذار تليق بالشعب السوري وبالشعب اللبناني أيضاً . نسي الناؤون بالنفس أن داعش تستهدف العراق وبلاد الشام وليس سورية فحسب ، هكذا يشير أسمها بوضوح ودون أي التباس. ونسي الناؤون بالنفس أن شمال لبنان والبقاع كله كان في خطر مباشر تماماً كحمص وتلكلخ ، وأن تحرير القصير معناه إبعاد الخطر عن لبنان كما عن أواسط سورية …
نسي الناؤون أن هناك لا يقل عن خمسة عشرة ألفاً من الأمهات السوريات الثكلى لاستشهاد فلذة أكبادهن دفاعاً عن استقلال لبنان وسيادته ، وأن دافع الضرائب السوري دفع مليارات الدولارات لتمويـل حملـة الدفاع عن لبنـان طوال عشريـن عاماً … والحديث يطول !…