الحكومة تستنفر لمواجهة الموجة الرابعة كورونا تتمدد والإصابات في الذروة .. والمواطن مستهتر وأمام اللقاح متردد!!
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
ماذا يعني أن تأتي سورية في المرتبة ما قبل الأخيرة بين الدول التي تلقّى مواطنوها اللقاح ضد كورونا؟
يعني أن الفيروس ينتشر أكثر فأكثر بدليل أن الجهات الصحية تعلنها بصوت عال : الوضع خطير وينذر بكارثة!!
لا ندري الخلفيات التي جعلت السوريين يشككون بفعالية اللقاح ، بل أكثريتهم ترى أنه ضار لذا تعزف عن التلقيح دون أن يكون لديها سبب واحد مقنع لرفض اللقاح ، بل أنها تساهم دون أن تدري بتعريض الآخرين للموت لأن المشافي الحكومية امتلأت تقريبا بالمصابين بالفيروس!
ومع أن الدراسات والتقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أثبتت فعالية اللقاح وبأن أعراضه الجانبية عادية مثل أي لقاحات أخرى فإن ملايين السوريين يصدقون ما يُنشر ضد اللقاحات في صفحات التواصل الاجتماعي ، ويشككون بما يصدر عن منظمات وهيئات طبية موثوقة سواء المحلية منها أو العالمية!
أكثر من ذلك .. جميع التقارير الطبية أكدت أن الملقحين المصابين بفيروس كورونا حالتهم مستقرة لايحتاجون إلى إسعاف سريع ولا إلى عناية مركزة في المشافي بل إلى إجراءات طبية روتينية في المنزل ، وبأنهم يُشفون بسرعة أكبر من المصابين اللاملقحين، لذا يؤكد الأطباء أن كل ملقح يُنقذ المعرضين لإصابات حادة بكورونا ولا يمكن علاجهم إلا في المشافي!
طبعا .. سورية ليست الدولة الوحيدة التي يرفض معظم مواطنيها التلقيح لكننا نستغرب أن يُسرع السوريين لتلقيح أطفالهم ضد الأمراض الفتاكة ، ويأخذ الكثير منهم لقاحات الإنفلونزا سنويا ، لكنه يرفض أخذ لقاح قد ينقذه من الموت في حال إصابته بفيروس كورونا!
ما العمل للإقناع؟
قد لا تصل الجهات الحكومية إلى درجة إلزام المواطنين بأخذ اللقاح ، أو بتلقيحهم أثناء يومهم كما اقترح رئيس دولة في أمريكا اللاتينية ، لكن انتشار الفيروس في جميع المحافظات مع استهتار الناس بالإجراءات الاحترازية والطوعية يطرح السؤال : ماالعمل لإقناع السوريين بالإقبال على أخذ لقاح يُنقذ حياتهم من الموت؟
الحكومة استنفرت وأمرت بفتح جميع المراكز الصحية لاستقبال الراغبين بالتلقيح .. فهل ستنجح الحكومة برفع نسبة الملقحين من 4 % فقط حاليا إلى 60 % أي إلى النسبة التي تجعل سورية آمنة صحيا ومحصنة ضد الانتشار الخطير والكارثي لوباء كورونا سواء في موجته الرابعة حاليا أو في الموجات القادمة؟
من يرفض أخذ اللقاح؟
لا نستغرب أن يتأثر عامة الناس بالإشاعات ، ويرفضون أخذ اللقاح ، ولكن ماذا عن الناس الذين يملكون حدا أدنى أو حتى أعلى من الوعي والمعرفة الطبية؟
أحد الأطباء المشهورين في دمشق مات منذ شهرين بعد أيام قليلة من إصابته بكورونا ، وكان يقول أمام زملائه وأمام المرضى : اللقاح أكذوبة ، وكورونا فيروس عادي يمكن علاجه مثل أي رشح أو أنفلونزا!!
وبعد أشهر من انتشار كورونا حول العالم وإصابة مئات الملايين بالفيروس أطلت شخصيات عامة على وسائل الإعلام وكلمتها مسموعة لدى متابعيها لتنفي وجود فيروس أسمه كورونا ، بل أن أحد النجوم السوريين قال على فضائية : كورونا أكذوبة لإشغال الناس!!
ولا أحد ينكر الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي بتكوين رأي عام ضد لقاحات كورونا على الرغم من كون التلقيح لم يتسبب بأعراض خطيرة ولا قاتلة على من أخذه بمن فيهم الذين يعانوون من أمراض مزمنة كالضغط والسكر والقلب .. الخ.
ومن الغريب أن يستشهد الناس بمصابين تعرضوا لانتكاسات بسيطة فقط وتماثلوا للشفاء سريعا ، ولا يستشهدوا بالذين أصيبوا بالفيروس واضطر أهاليهم لنقلهم إلى غرف العناية المشددة وبقوا تحت “المنفسة” لأسابيع قبل أن يفارقوا الحياة!
وبالمقابل فإن الجهات الطبية في مختلف دول العالم أكدت من خلال متابعتها للمصابين بالفيروس أن أكثر من 95 % من الملقحين كانت الأعراض عليهم مثل أعراض أي أنفلونزا ولم يحتج البقية أي الـ 5% للدخول في حالات إسعافية للمشافي بل تمت معالجتهم بالمنازل.
ومع ذلك فإن نسبة الرافضين لأخذ اللقاحات في سورية مرتفعة جدا ماساهم بانتشار الفيروس إلى حد ينذر بكارثة قادمة إن لم تتغير قناعات الناس!
ولا يقتصر الرفض للقاح كورونا على شريحة محددة من الناس بل يشمل جميع الفئات بمن فيهم المتعلمين و .. المثقفين ، ولا أحد يعرف الأسباب الفعلية ، فأعرض اللقاح مهما كانت خطرة بنظر “المعترضين” تبقى أقل بكثير من اضطرار المصاب لاحقا إلى التمدد على سرير غائب عن الوعي تقريبا وتحت “المنفسة” لأسبوعين وقد يفارق الحياة بعدها بسبب إشاعات وقناعات “فيسبوكية” أو مخاوف لا أساس لها من الصحة ، وإذا كانت الثقة معدومة بمنظمة الصحة العالمية وبغيرها من المراكز الصحية والطبية وبكل الدراسات الميدانية التي أثبتت جدوى اللقاحات .. فبمن سيثق “الرافضون”؟!
وصلنا إلى الذروة بالإصابات
حسب الأرقام والإحصائيات لعدد الإصابات اليومية يمكن القول أن سورية دخلت مرحلة الخطر، وخاصة مع استهتار الناس بالإجراءات الإحترازية والوقائية وبرفضهم أخذ اللقاح ، وهاهو مدير الجاهزية والإسعاف في وزارة الصحة الدكتور توفيق حسابا يحذر من أن الإصابات بفيروس كورونا في ازدياد والمشافي أصبحت ممتلئة!
وكشف الدكتور “حسابا” في الثامن عشر من تشرين الأول الجاري “نحن في حالة الذروة بالإصابات بفيروس كورونا والأعداد مرشحة للارتفاع” .
ورأى أن السبب في وصولنا إلى الذروة بالإصابات هو “الاستهتار” التام من المواطنين بالإجراءات الوقائية وإهمال للقاح بالرغم من كل مشعرات الخطر الأمر الذي زاد نسبة إشغال المشافي حتى وصلت إلى الذروة”.
ولعل أبرز مؤشرات الخطر القائم والكارثة القادمة بسرعة هي وصول نسبة الإشغال بمشافي دمشق وريفها واللاذقية وحلب والسويداء يومي 16 و17 تشرين الأول إلى 100 % وتجاوزت الـ 90 % في حمص!!
ومع أن الدكتور “حسابا” دعا المواطنين إلى التقيد بالإجراءات الاحترازية وعدم إهمال اللقاح فإن المشاهدات العينية في الأماكن العامة لا تشير إلى أن الناس يدركون الخطر الداهم ، ويبدو أن مامن أحد يكترث إلا بعد إصابته بالفيروس!
أمر غريب!!
وما يدعو للاستغراب حسب الدكتور حسابا انه “من المفترض عند الإعلان عن زيادة عدد الإصابات أن تكون هناك زيادة في رغبة الناس باللقاج وأن يتجهوا إلى مراكز التلقيح لكن لم يكن هناك أي اكتراث ، بل على العكس قلّ عدد الناس الراغبين باللقاح يوما بعد آخر” !!
وأكد الدكتور “حسابا” أنه من خلال التتبع والرصد تبين أن من تلقى اللقاح قبل الإصابة جاءت إصابته خفيفة جداً، مشيراً إلى أن وزارة الصحة بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية تضع خطة للوصول إلى لقاح 20 %من السكان حتى تبدأ النتائج الإيجابية للقاح بالظهور حيث أنه حتى الآن لم تتجاوز النسبة 4 % !
ونستنتج بسهولة أن وعي المواطنين على الرغم من الرسائل الإعلانية والإعلامية التي تبث على مدار الساعة يكاد يكون معدوما على الرغم من انه لا يمكن كسر حلقة العدوى وهي في ذروتها دون الحد الأدنى من الوعي على الأقل!
حائط السد الأساسي للوقاية
وبما أن اللقاح بمثابة حائط السد الأساسي للوقاية من وباء كورونا ، فعلى الفريق الحكومي المكلف بمكافحة الفيروس أن يغير أسلوب العمل ويتوصل إلى آليات مقنعة وفعالة للمواطنين حفاظا على صحتهم كأن تقوم فرق التلقيح بزيارة مواقع العمل بالتنسيق مع النقابات وتلقيح الناس وفق برامج مقررة بتواريخ محددة!
ومن الضروري مثلا أن يتم تلقيح الناس الذين تفرض طبيعة عملهم الاحتكاك اليومي بالناس في مركز نقابتهم كالأطباء والمحامين والمعلمين والكوادر العاملة في المشافي والمدارس والنقل ..الخ.
وليس مقبولا الاستمرار في الواقع الحالي في ضوء الموجة الشديدة والتي تتخوف وزارة الصحة “أن تكون أكثر شدة مع تحولات الطقس، والسلوك الذي سيتبعه جميع الناس في إحكام إغلاق النوافذ، والتجمع في غرفة واحدة في البيت هي غرفة التدفئة، وغير ذلك من سلوك يساعد في انتشار الوباء”.
أليس غريبا أن يرفض الناس أخذ لقاح آمن 100 % ومجاني ومعتمد من منظمة الصحة العالمية ويشكل حائط السد الأساسي الوقائي من فيروس كورونا؟
ومع ذلك لم تتجاوز أعداد من أخذت الجرعة الأولى من اللقاح حتى منتصف تشرين الأول الـ 500 ألف مواطن في حين كانت أعداد من أخذوا الجرعتين الأولى والثانية أو الجرعة الوحيدة بحدود 350 ألف مواطن فقط!
وهذا الإقبال الخجول على اللقاح وسط هجوم شرس للوباء وضع سورية في المرتبة ما قبل الأخيرة بين الدول التي تلقى مواطنوها اللقاح .. ترى هل سيتحرك الفريق الحكومي لتغيير هذه المرتبة بإجراءات أكثر فعالية لتلقيح أكبر عدد من السوريين بعد أن وصلنا إلى حالة الذروة في عدد الإصابات ؟
وبما أن وزارة الصحة تقول أنه لايمكن التوسع في أسرة العناية فهذا يعني أن غير الملقحين في خطر مميت!!
وهذا سبب أكثر من ضروري ليأخذ الناس اللقاح ، وكل مواطن أمام خيارين : مصاب لم يأخذ اللقاح قد لا يتوفر له سرير عناية مشددة ، ومصاب بالفيروس أخذ اللقاح لن تتجاوز فترة بقائه في المشفى 24-48 ساعة، في حال تطلب وضعه دخول المشفى وهي حالات نادرة جدا!
اللقاح أكثر فاعلية من المناعة الطبيعية
والسؤال : لماذا يرفض المواطن وبخاصة المصاب بأمراض مزمنة وخطيرة أي مناعته ضعيفة جدا أخذ اللقاح المجاني والآمن والذي يوفر له الحماية الكاملة ويجنبه في حال تعرضه للإصابة بكورونا من الدخول للعناية المشددة ، أو الموت!!؟
وإذا كانت أكثرية الناس مستهترة بصحتها إلى حد رفضها للقاح فلتهتم بجيوبها على الأقل بعدما امتلأت المشافي بالمصابين ولم يعد هناك أسرة للعناية المشددة، وهذا يعني أن على المصاب بكورونا بدرجة خطيرة سيضطر إلى اللجوء إلى المشافي الخاصة وهناك “المصيبة” الكبرى!
نعم .. الكلفة الإجمالية للعلاج اليومي من كورونا في المشافي الخاصة تترواح من 3 إلى 4 ملايين ليرة تتضمن الأدوية والسيرومات والأوكسجين وغيرها من المستلزمات ، اي ان المريض الذي يضطر للعلاج في مشفى خاص بعدما امتلأت اسرة العناية المشددة في المشافي الحكومي سيتكبد مبلغا لايقل عن 60 مليون ليرة ، وقد لايشفى ، والسؤال :كم عدد المصابين الذي يملكون مثل هذا المبلغ؟
أليس الأفضل تجنب هذه “الكأس المرة” من خلال أخذ لقاح مجاني وفعال وآمن؟
ولعل الأهمية الكبرى للقاح هي في تجنب الإصابات الشديدة وكسر موجات الذروات القادمة خاصة أن اللقاح أثبت أنه آمن وفعال، وقد أكد مدير المشافي في وزارة الصحة الدكتور أحمد ضميرية أن اللقاحات أحد أهم الوسائل الفاعلة والآمنة للوقاية من الأمراض، وتعمل اللقاحات على تحفيز الجهاز المناعي للجسم لإنتاج أجسام مضادة وتسمى هذه المناعة (بالمناعة المكتسبة)، وتعتبر هذه الطريقة للحصول على مناعة ضد المرض أكثر فاعلية وأماناً من الحصول على المناعة عن طريق تحفيز جهاز المناعة من خلال الإصابة بالمرض، فيما يعرف (بالمناعة الطبيعية).
ورأى الدكتور ضميرية أن اللقاحات الواقية من فيروس كورونا أفضل أمل لإنهاء هذه الجائحة، فهو يقي الأشخاص من الإصابة أو الوفاة ، كما أنه يمنع من نقل الفيروس للآخرين، والأهم أن اللقاح يساهم في المناعة الجماعية، ويمنع الفيروس من الانتشار والتناسُخ ، وهما العمليتان اللتان تسمحان له بتكوين طفرة قد تكون أقدر على مقاومة اللقاحات!
مخاوف مشروعة من الموجة الرابعة
ومع أننا نأمل أن يبقى وباء كورونا تحت السيطرة ، وأن تأخذ أعداد المصابين بالانخفاض .. فإن المخاوف من أن يحدث العكس مشروعة ، لذا لابد من حملة إعلانية تشارك فيها جميع الفعاليات المؤثرة في المجتمع كي نتجنب الأسوأ!
وقد حذّر أستاذ الأمراض الصدرية بكلية الطب جامعة دمشق ومعاون مدير مشفى المواساة الجامعي للشؤون الطبية حسام البردان من تزايد جديد في عدد الإصابات بفيروس كورونا في حال عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية من قبل المواطنين، خاصة مع بدء موسم الشتاء وازدياد الإصابات بالأمراض التنفسية.
وقال البردان: نحن حالياً نبدو في قمة المنحنى للموجة الرابعة وهذا يحمل احتمالين أن يكون هناك انخفاض وهذا ما نرجوه، أو أن يحدث تزايد جديد في الإصابات، وهذا يفرض على الجميع الالتزام بالإجراءات الوقائية وعلى الأقل بالكمامة وخاصة بالأماكن التي فيها ازدحام، والابتعاد عن الازدحام قدر الإمكان.
وقال البردان: في ظل امتلاء العنايات المشددة في المشافي، كان لابد من الخوف من ازدياد الإصابات والوصول إلى عدم إمكانية إيجاد أمكنة في المشافي لاستقبال المصابين، مضيفاً: حتى الدول الأوروبية والدول التي تتمتع بمنظومة طبية قوية، تعرضت لمشكلات كبيرة لأن الحالات جميعها جاءت في وقت واحد وإن كانت ليست بمجملها إصابات شديدة ما يزيد عدد الوفيات، وبالتالي فالتقيد بالإجراءات هو الحل ويساعد بتسطح المنحنى ويخف الانتشار حتى لا نصل إلى انتشار شاقولي وخطير تعجز الأنظمة الصحة عن استيعابها.
الخلاصة
الموجة الرابعة من كورونا تمددت ووصلت الإصابات فيها إلى الذروة ، وامتلأت أسرة العناية المشددة بالمصابين في معظم المحافظات ، وكل ذلك بفعل استهتار الناس بالإجراءات الوقائية والاحترازية ، ورفض غالبيتهم العظمى لأخذ اللقاح ، وبالتالي على الفريق الحكومي رفع نسب التلقيح بما يقترب من الإلزام للوصول إلى الوضع الآمن لمنع الكارثة ، كمنع المواطنين من ارتياد المطاعم والمقاهي والفنادق ومنعهم من حضور مجالس التعازي والأفراح .. إن لم يبرزوا بطاقة التلقيح ، وإلزام المراجعين للوزارات ومؤسساتها ومديرياتها والمصارف وصالات البيع الحكومية والمولات الخ .. دون ارتداء الكمامة!
بل من الضروري تغريم أي مواطن لا يرتدي الكمامة في أماكن التجمعات العامة!