مجلة البعث الأسبوعية

لتعزيز الثقة ..ضوابط جديدة للنهوض بالتحكيم وحل النزاعات

البعث الأسبوعية- بشار محي الدين المحمد

قلما نلاحظ في مجتمعنا اهتماماً بقطاع التحكيم وخاصة في الآونة الأخيرة أو تقبلاَ لثقافته، رغم إنشاء عشرات مراكز التحكيم وإقامة العديد من الدورات التحكيمية بإشراف وزارة العدل ضمن المعهد القضائي ومن ثم ضمن مراكز التحكيم التي أسست، وهذا ما يثير التساؤلات حول ما تسعى إليه الجهات المعنية صاحبة القرار للنهوض بهذا القطاع، وجعله يحظى بالسمعة والثقة والانتشار في معظم المنازعات.

القاضي الدكتور محمد وليد منصور نائب رئيس محكمة النقض، ونائب رئيس رابطة الحقوقيين في سورية، من أبرز مشجعي قطاع التحكيم، ونشر ثقافته عبر مؤلفاته مثل كتاب(التحكيم في العقود والمنازعات الإدارية)الذي اقترح من خلاله مسودة قانون التحكيم.

استهل القاضي تصريحه لـ”البعث الأسبوعية”قائلاً: إن التحكيم نظام لحل المنازعات مبني على الثقة بالمحكمين، لكنه بذات الوقت يمثل معركة تدور رحاها على مجموعة من الحقوق والمصالح وغالباً ما تكون مصالح كبرى، ولهذا القطاع مجموعة من القوانين والمبادئ إن تم الالتزام بها كان التحكيم معزوفة رائعة متناغمة وآلية من آليات تطبيق العدلة، أما إن فسدت الإجراءات تحول التحكيم لمعركة بين الأشرار لا تعرف الأخلاقيات.

وبين القاضي أن سبب اهتمامه بالتحكيم يعود إلى أنه يشكل خطوة حضارية تليق ببلد يضم أربع من أقدم عشر مدن في التاريخ، إضافة لميزاته في التخفيف عن القضاء فيما يخص المنازعات التجارية والمدنية، طبعاً دون المساس بالاختصاصات الأخرى للقضاء في دعاوى الأحوال الشخصية، والقضايا الجزائية، وبعض القضايا الإدارية(كالجنسية)، أو القضايا المتعلقة بالنظام العام، وأهم ما في قراراته أنها تصدر مبرمة(غير قابلة للطعن أو المراجعة) مما يختصر الكثير من الزمن والنفقات.

وذكر منصور أنه حاول جاهداً مع لجان مجلس الشعب التي شاركها العمل عند مناقشة قانون التحكيم”القانون رقم 4 لعام 2008″تيسير شروط افتتاح المراكز التحكيم بهدف إنشاء قاعدة كبيرة وعريضة لتلك المراكز ونشر ثقافة التحكيم بين كافة المتعاملين، بحيث يصل من تلك المراكز إلى درجة الاحتراف عدد قليل متمكن وقادر على النهوض بهذا القطاع.

وحذر القاضي منصور من أن عدم الإلتزام بالمعايير أمر خطير سيؤدي إلى بطلان إجراءات التحكيم، وبالتالي سيعيد النزاع إلى القضاء العادي وعندها سنكون قد خسرنا المزيد من الوقت والمال، وعلى العكس أضفنا أعباء جديدة على كاهل القضاء بدلاً من التخفيف عنه.

ويرى الدكتور أنه لا بد أن تتمكن  تلك المراكز من تطوير القوانين والأنظمة التحكيمية والتجارية من خلال قيامها بتقديم اقتراحاتها العملية، كما أن المراكز ممن الممكن أن تساهم في توحيد إجراءات المثول والتقاضي أمامها عبر تطوير أنظمتها الخاصة بحيث يزداد اختصار وتسهيل الإجراءات.

وتابع الدكتور منصور بدأت تجربة”التحكيم المؤسساتي”بافتتاح أربعة مراكز في العام 2010 ثم وصل العدد إلى نحو 70 مركزاً في كافة المحافظات، ولكن للأسف فقد تم إغلاق العديد منها لأسباب متعددة كعدم إمكانية إحراز تقدم في العمل، أو عدم إنسجامها مع أهداف وأنظمة وزارة العدل، أو افتتاحها كنوع من البريستيج لأصحابها دون تقديم خدمات في مجال التحكيم، أو خروج عدد منها من الخدمة بسبب الدمار والحرب والظروف الاقتصادية، ووفقاً لمنصور فإن عدد المراكز الفعالة حالياً لا يتجاوز العشرة.

ويرى الدكتور القاضي أن التحكيم ضرورة للمفاوض والمستثمر الأجنبي الذي يطالب بتعيين مركز تحكيمي في أي عقد أو صفقة يبرمها كونه الطريق الأسرع لحل الخلافات التجارية والمدنية، وعلى اعتبار أننا الآن في مرحلة إعادة الإعمار علينا مباشرة البدء بمرحلة مختلفة للتحكيم، فبعد منح التسهيل يجب الآن وضع إجراءات ومعايير جديدة أكثر دقة في إجراءات ترخيص المراكز التحكيمية، وحتى لو بقي عدد قليل منها فالجيد هو من يصل فقط، وذلك للانتقال نحو الانتشار الطولي لهذه المراكز، وإيجاد مراكز ذات سمعة عربية ودولية متمكنة من حل أعلى المنازعات وقادرة على استقطاب منازعات دولية، مما يعزز مكانة المفاوض السوري عند استناده لتلك المراكز خلال إبرامه أية صفقات تجارية أو أعمال مع طرف دولي، مشيراً إلى أن الدول العربية تخسر أموالاً طائلة على منازعات التحكيم لعدم امتلاكها مراكز ذات سمعة دولية واعتمادها التحكيم الأجنبية عند وقوع منازعات مع شركات دولية، وبالرغم من كل ما ذكر آنفاً فقد أكد منصور أننا كنا سباقين في إدخال التحكيم الإداري الذي لم يدخل إلى الدول العربية إلا في الفترة الأخيرة.

كما أشار منصور إلى أن قانون الاستثمار رقم 18 ساهم بدعم قطاع التحكيم من خلال دعوته لإيجاد مراكز تحكيم في كافة غرف التجارة.

وحول دور الوزارة في الرقابة أوضح منصور أن طلب إنشاء المركز يوجه للجنة مختصة ضمن الوزارة تدرس الطلب وتقترح إنشاء المركز الذي يتم بتوقيع الوزير، ومن ثم يخضع المركز لرقابة لجان التفتيش القضائي الذي يملك صلاحية إغلاق المركز عند ضبط أية مخالفة جسيمة في عمله.

ووفقاً لمنصور يشترط في مدير المركز التحكيمي أن يكون قاضي أو مارس المحاماة 15 سنة أو مديراً قانونياً في إحدى الجهات العامة لمدة 15 سنة، أما رئيس مجلس الإدارة فلم يشترط ذلك فقد يكون طبيباً أو مهندس أو تاجر وطبعاً هذه الخطوة أثرت سلباً على استمرار بعض المراكز وسببت انحرافها عن غايتها، ولا بد من إعادة النظر بهذا الشرط في المرحلة المقبلة.

وأضاف القاضي الدكتور أن التحكيم المؤسساتي خطوة هامة لكنها وحتى تاريخه لم تأخذ أبعادها المطلوبة لأسباب عديدة، وهو كأي تجربة جديدة لا بد من أن تمر بمراحل تحدث خلالها بعض الأخطاء للوصول نحو الشكل الأمثل.