المؤسسات الرياضية بين المهنة والصناعة.. البحث عن الاحترافية ضرورة قصوى وتغيير الفكر مطلوب
البعث الأسبوعية- عماد درويش
مفهوم العمل المؤسساتي غير مفهوم حتى الآن بالنسبة لكثيرين ممن يعملون في الوسط الرياضي وخارجه، ولاسيما لمن بيدهم زمام الأمور، والذين هم مطالبون بتطبيق العمل المؤسساتي في إدارة العمل و اتخاذ القرارات.
فعندما تسأل أحداً ما عن العمل في مؤسسته أياً كانت، تراه يتباهى بأن العمل على أحسن ما يرام، وأن العمل المؤسساتي هو العنوان، وهو هنا إما أنه يجهل ماذا يعني العمل المؤسساتي أو أنه يحاول أن يتظاهر بذلك.
ما نلاحظه و هذا ما يبدو بوضوح أن معظم القرارات التي تتخذها اتحادات الألعاب وكذلك المكتب التنفيذي لا تناقش إلا بين المعنيين بالقرار الذين يحاولون إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرهم، وبين صاحب القرار في النهاية، والذي تكون له وجهة نظر أو يسأل ويستفسر، فيما ينعقد اجتماع المكتب التنفيذي وكما نقل لنا كثيرون فقط لتثبيت القرارات وليس لمناقشتها، وهذا ما يحدث في اتحادات الألعاب، وربما بشكل أسوأ، حيث الاجتماعات نادرة، والأعضاء غائبون، والقرارات ارتجالية و على الأغلب دون علم الجميع.
هذا ما يحدث حقيقة، والقول بأن العمل المؤسساتي وأن القرارات تتخذ بالإجماع، لا يعني أن الكل يعرف أو موافق، فكثير ممن يرفعون أيديهم بالموافقة لا يناقشون إما لضعف ، أو لجهل لأنهم بعيدين عن اللعبة.
فالمتتبع لمسيرة الرياضة السورية يرى بأن المنظور الذي تتبناه العديد من إدارات الأندية والاتحادات لا يرتقي ليكون ضمن منظومة العمل المؤسسي المبني على التفاعل من الجميع وعدم الاتكال على بعضهم البعض في حل الأمور، لذلك نجد أن رياضتنا نفتقر إلى المؤسسية القادرة على الإدارة والرقي والتعامل الإداري عالي المستوى الذي يبني الصروح ويخدم الجميع ولعل من أخطر ما تعانيه الأندية هو غياب المؤسسية فيها ما انعكس على واقع الرياضة السورية تاركاً أثاراً يصعب تجاوزها بسهولة، حيث أنها صارت من عللنا المزمنة والخبيثة كالداء العضال لا تنفك تفتك بأساس الرياضة.
المؤسسة الرياضية
قلة من الرياضيين الذين ينتمون للمؤسسة الرياضية بحثوا في التعريف الحقيقي لمصطلح المؤسسة الرياضية، وحول التعريف والأهداف الحقيقية التي من أجلها وجدت وأنشأت ، وفي المتعارف عليه نجد أن المؤسسة الرياضية هي تكوين اجتماعي،يرتبط بالمجال الرياضي كمهنة وصناعة، تتحدد أهدافها بطبيعة الأنشطة التي تمارسها تلك المؤسسة، والعلاقات المتفاعلة بين تلك الأنشطة ومؤسسات المجتمع الأخرى.
واليوم بات من الضروري العناية بتنمية أسلوب العمل المؤسسي المحكم الذي صار أسلوب القوة والتحدي ، ويكفي برهاناً من الواقع أن بعض الأندية تعتبر أندية مؤسسية ليست مرتبطة ارتباطاً كلياً بالأفراد، ولا تتغير استراتيجياتها الرئيسة بتغير إدارتها إلا من منطلق جماعي.
إن تغيير واقعنا في هذه الزاوية من المؤسسية يتطلب جهداً كبيراً وأفراد متفانيين همهم المصلحة العامة، حيث تكون الخطط والبرامج مستمدة من قواعد ثابتة غير قابلة للتغير بسبب الفردية في العمل، فنحن سمعنا ونسمع وتابعنا كثيراً من القرارات على مستويات مختلفة، اتخذت على عجل وبشكل شبه فردي، وبعد ذلك يكتشف أصحابها أنهم أخطأوا وتسرعوا، فيكون التراجع والإحراج، ولو أن العمل يتم وفق المفهوم المؤسساتي الصحيح فبكل تأكيد لا يكون أي أمر أو قرار إلا بعد مناقشة وبحث، حيث يُدرس من كافة جوانبه ويعرف الجميع الإيجابيات والسلبيات، وعلى ذلك تكون القرارات.
الجميع يعلم أن كثيراً من قرارات المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام سواء في تشكيل اللجان أو البعثات والتسميات المختلفة غير مقنعة، وهي تكون بحسب العلاقة والمزاج والمصلحة، ومع ذلك تُقر دون أن يكون هناك رأي لأحد، مع التذكير بأن عدم الاعتراض والسكوت لا يعني الرضا على كافة القرارات التي تصدر.
بين المهنة والصناعة
هناك عدد من العوامل التي تؤثر في إدارة المؤسسات الرياضية حيث أصبحت تعامل كمنتج وكصناعة، لكننا بعيدين عن هذا الطريق في العمل المؤسساتي لأننا لم نطبق نظام الاحتراف الكامل لكافة الألعاب، فصناعة المنتجات والأدوات والأجهزة الرياضية، والمؤسسات الترويجية والخدمية والتسويقية الرياضية، تحقق دخلاً يفوق ما تحققه الصناعات الأخرى بمليارات الدولارات، فالمنتجات الرياضية وحجم المبيعات الخاص يمثل واحدة من أهم الأسواق الاقتصادية الكبرى داخل المجتمعات المتطورة، وقد بصل معدل التداول المالي للسوق الرياضي الملايين من الأموال.
هذا يقودنا إلى أن العمل المؤسسي هو تنظيم تجمع يهدف إلى فعالية العمل لبلوغ أهداف محددة، عبر توزيع المهام على لجان وإدارات متخصصة بحيث تكون لها المرجعية في اتخاذ قرارها في دائرة ملتزمة بهيكلية في تنفيذ خطواتها، ولا تعني المؤسسية العمل الجماعي من منظور مقابل للعمل الفردي فكما يحدث عندنا يكون ظاهر الأمر مؤسسية وباطنه مرجعية فردية شاملة تتحكم في كل الأمور في المؤسسة، إذ أن مجرد التجمع على العمل، وممارسته من خلال مجلس إدارة، أو جمعية أو مؤسسة لا يجعله مؤسسياً.
ومن فوائد العمل المؤسسي ضمان استمرارية العمل والخطط الموضوعة مهما اختلفت الإدارات المتعاقبة، وضوح الرؤيا والأهداف بالنسبة للمؤسسة (فلا تحتاج الإدارات الجديدة لعمل شاق من أجل البناء من الصفر وإنما تسير على خطط ممنهجة ومدروسة هدفها خدمة مصلحة النادي أو الكيان أو المؤسسة)، وتوزيع العمل وإعطاء الفرص بشكل متساوي ومنح أهل الاختصاص الحرية المثالية في العمل من أجل الأهداف الموضحة،الحفاظ على مكتسبات النادي أو المؤسسة إذ لا يخضع لتسلط فرد محدد ، عدم جعل الفريق أو المؤسسة تتبع إلى الأشخاص بصورة رسمية بحيث يكونوا مكملين لعمل المؤسسة لا يضرها وقوفهم عن العمل، والاستفادة من الجهود السابقة والخبرات التراكمية، بعد دراستها وتقويمها بدقة وإنصاف وحيادية، وبذلك يتجنب العمل تكرار البدايات من الصفر الذي يعني تبديد الجهود والعبث بالثروات.
العمل والفردية
لم يعد اليوم مجالاً للنـزاع في الساحة الفكرية أن العمل المؤسسي خير وأولى من العمل الفردي الذي لا يزال مرضاً ، والذي غالبا ما تجد كثيراً من الأعمال الناجحة على المستوى الفردي أكثر منها في المستوى المؤسسي الجماعي، والغالب على كثير من الأعمال التي تصنف أنها ناجحة تجدها في الواقع وراءها أفراد وليس مؤسسات حقيقية، ويمكن القول إن العمل المؤسسي يمتاز عن العمل الفردي بعدة خصائص منها أنه يحقق صفة التعاون والجماعية، ويحقق الاستقرار النسبي للعمل، بعكس العمل الفردي الذي يتغير بتغير قناعات الأفراد ضعفاً وقوة، ويمتاز بالقرب من الموضوعية في الآراء أكثر من الذاتية، لاسيما مع وجود جو من المناقشة والحوار الذي يسود العمل المؤسسي في الغالب، بعكس العمل الفردي الذي في الغالب مرده إلى قناعة القائم بالعمل، وأكثر وسطية من العمل الفردي، وتتم الاستفادة من كافة الطاقات والقدرات البشرية المتاحة، وهو العمل الذي يتناسب مع تحديات الواقع المعاصر اليوم، حيث أن جهود الأفراد لا يمكن بحال أن ترتقي إلى المستوى المؤسسي الذي تدار به مؤسسات العالم المختلفة.