مجلة البعث الأسبوعية

“الميتافيرس”.. عالم افتراضي قد يتحول قريباً إلى “بديل” لمكان العمل

ما هي قصة الـ “ميتافيرس” – أو “العالم الافتراضي” – التي يصفها البعض بأنها مستقبل الإنترنت؟ وما هي علاقة فيسبوك بتلك التقنية التي يصفها الخبراء بأنها النقلة الكبرى القادمة في عالم الإنترنت بشكل عام. ولماذا هذا الاهتمام المفاجئ بالميتافيرس؟

عادة ما تثار ضجة دعائية حول العوالم الرقمية، أو ما يعرف بالواقع المعَزز، كل بضعة أعوام، لكنها سرعان ما تخبو. إلا أن هناك قدراً كبيراً من الإثارة والترقب للميتافيرس في أوساط المستثمرين الأثرياء وشركات التكنولوجيا الضخمة، ولا أحد يرغب في أن يتخلف عن الركب إذا ما صار هذا المفهوم بالفعل هو مستقبل الإنترنت.

كما يسود شعور بأنه، للمرة الأولى، أوشكت التقنية أن تكون متاحة، مع التقدم الذي تشهده ألعاب الفيديو باستخدام الواقع الافتراضي، واقتراب الاتصالية من الشكل الذي يتطلبه الميتافيرس.

لكن رغم أن هناك الكثير من الأفكار حول الشكل الذي سيتخذه الميتافيرس، فإن غالبية الرؤى تضع التفاعل الإنساني في لبّ ذلك المفهوم، وهذا يختلف بشكل تام عن مفهوم العالم الافتراضي المطبق في ألعاب الفيديو، حيث ينصب التركيز كاملاً على اللعبة نفسها وكيفية إتقانها وتحقيق مركز متقدم فيها.

وفيسبوك، على سبيل المثال، يقوم باختبار تطبيق للاجتماعات الافتراضية أطلق عليه “وركبليس” (مكان العمل)، ومنبر اجتماعي اسمه “هورايزونز” (آفاق)، وكلاهما يستخدم نظم أفاتار افتراضية خاصة به. وهناك تطبيق آخر للواقع الافتراضي هو “في. آر. تشات” يركز تركيزاً كلياً على الالتقاء والدردشة عبر الإنترنت، ولا هدف له سوى استكشاف بيئات مختلفة ومقابلة أشخاص آخرين.

وربما كانت هناك تطبيقات أخرى بانتظار من يكتشفها. وصرح سويني مؤخراً لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية بأن لديه رؤية لعالم تستطيع فيه شركة تصنيع سيارات تسعى إلى الترويج لطراز جديد بأن “تطرح سياراتها في الوقت الحقيقي، فيتمكن المرء من قيادتها في الحال في العالم الافتراضي”.

 

الواقع المعزز والواقع الافتراضي

ربما عندما تذهب للتسوق عبر الإنترنت، سيكون بإمكانك قياس الملابس رقمياً أولاً، ثم تطلبها ويتم توصيلها إليك في العالم الحقيقي. وشهدت تكنولوجيا الواقع الافتراضي تطوراً كبيراً في الأعوام الأخيرة، حيث ابتُكرت نظارات باهظة الثمن بإمكانها خداع العين البشرية وجعلها ترى الأشياء بالأبعاد الثلاثية، بينما يتنقل اللاعب في العالم الافتراضي. كما أصبحت أكثر شيوعاً – فقد كانت نظارة “أوكيولاس كويست-2” التي تستخدم في ألعاب الواقع الافتراضي من بين الهدايا الرائجة خلال أعياد الميلاد في 2020.

وربما يشير تفجُّر الاهتمام بتقنية التشفير “إن. إف. تي”، التي قد تزودنا بوسيلة موثوقة لتتبع ملكية السلع الرقمية، إلى الكيفية التي سيعمل بها الاقتصاد الافتراضي في المستقبل. والعوامل الرقمية الأكثر تطوراً سوف تكون بحاجة إلى اتصالية أكثر جودة واتساقاً وقابلية للتنقل – وهو شيء ربما يتحقق مع توسيع نطاق تقنية الـ 5 جي.

حالياً، لا يزال كل شيء في مراحله الأولى. وتطور الميتافيرس – إذا حدث من الأصل – سوف يكون شيئاً تتصارع عليه شركات التكنولوجيا العملاقة على مدى العقود القادمة، وربما لأبعد من ذلك.

 

ما علاقة فيسبوك بالميتافيرس؟

وقد جعل فيسبوك من تصميم الميتافيرس واحدة من أهم أولوياته، فقد استثمر أموالاً طائلة في الواقع الافتراضي من خلال نظارات “أوكيولاس”، ما جعلها أرخص ثمناً من منافساتها، وربما يكون قد تكبد خسائر نتيجة لذلك، وفقاً لبعض المحللين.

كما يعكف على تصميم تطبيقات واقع افتراضي للقاءات الاجتماعية والاجتماعات في أماكن العمل، بما في ذلك تطبيقات تتفاعل مع العالم الحقيقي. واستثمر فيسبوك 50 مليون دولار أمريكي في تمويل هيئات غير ربحية للمساعدة في “تصميم الميتافيرس بشكل مسؤول”.

وبسبب ما اشتهر به فيسبوك من شرائه للشركات المنافسة له، كما فعل مع واتساب وإنستغرام على سبيل المثال، بدأت الشركة ومؤسسها زوكربيرغ يواجهان اتهامات بالسعي للسيطرة على الميتافيرس قبل حتى أن تنضج التقنية بشكل كامل.

لكن فيسبوك يزعم أن الميتافيرس “لن يُصمم بين عشية وضحاها من قِبَل شركة واحدة”، وتعهد بالتعاون مع شركات أخرى.

وفي الوقت نفسه، أعلن فيسبوك أنه بصدد توظيف عشرة آلاف شخص في الاتحاد الأوروبي بغرض تطوير تقنية الميتافيرس، في أعقاب فضيحة التسريبات الأخيرة التي نتجت عن تسريب موظفة سابقة لعشرات الآلاف من مستندات داخلية مثلت سلاحاً هو الأخطر بين أيدي الساعين إلى تفكيك الإمبراطورية التي أسسها مارك زوكربيرغ. وقالت الشركة إن الوظائف الجديدة ستتم تدريجياً من الآن وعلى مدى خمسة أعوام، وستركز على انتقاء مهندسين متخصصين على أعلى مستوى.

و”للميتافيرس قدرة على فتح الأبواب أمام فرص إبداعية واجتماعية واقتصادية جديدة، وسيكون للأوروبيين الدور الرئيسي في تشكيل تلك التقنية منذ البداية”، بحسب ما أوضح فيسبوك.

وربما يرجع اختيار فيسبوك للاتحاد الأوروبي كنقطة انطلاق للاستثمار في تقنية الميتافيرس بهذا الشكل المكثف إلى الرغبة في الاستفادة من المستوى المرتفع للتعليم الجامعي ووفرة المتفوقين في مجال التكنولوجيا بين طلاب وخريجي تلك الجامعات، بحسب بعض الآراء.

لكن البعض الآخر يرى أن الشركة تسعى لتحسين صورتها على المستوى الشعبي في أوروبا، في ظل تكثيف مسؤولي الاتحاد من رقابتهم على فيسبوك والسعي إلى إصدار تشريعات تتعلق بخصوصية بيانات المستخدمين الأوروبيين ومنع الشركة الأمريكية من نقلها إلى الولايات المتحدة.

ويواجه فيسبوك حالياً دعاوى قضائية وتحقيقات نحو تعديلات تشريعية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً تهدف إلى وضع العملاق الأزرق تحت طائلة قوانين الاحتكار، لإجباره على التخلي عن تطبيقي واتساب وإنستغرام كخطوة أولى.

لكن في كل الأحوال يوجد كثير من الشكوك تحيط بنوايا فيسبوك ومؤسسه تجاه تقنية الميتافيرس، التي – إن تم تطويرها بالشكل الذي يأمله مطوروها والمستثمرون فيها – قد تُغير حياة البشر على الكوكب بشكل كامل وتحول الحياة نفسها إلى واقع افتراضي مترابط، فهل يفعلها زوكربيرغ ويصبح المتحكم الوحيد في تقنية كهذه؟

فيسبوك تنفي، لكنها أيضاً تنفي أن تكون خوارزمياتها تسعى للربح فقط، عكس ما أثبتته التسريبات الأخيرة.