مجلة البعث الأسبوعية

انتشار الدروس الخاصة بكثافة بأسعار “خيالية”.. أحدث فوضى وأرهق الطلاب وامتص مدخرات الأهالي!

البعث الأسبوعية – دارين حسن

لم ينقطع الطلاب عن الدروس الخاصة صيفاً وشتاءً، ومع بدء العام الدراسي عادت واستمرت بوتيرة أسرع ولجميع المراحل الدراسية، حيث ارتفعت أسعارها بشكل “فاق الخيال” وتباينت بين الريف والمناطق وحتى المدينة، حتى بات لكل أستاذ أو معهد سعره الخاص، ما اضطر الأهالي “الموظفين” إلى سحب قروض لتعليم أبنائهم ومنهم من أرغم على بيع أرضه أو سيارة يملكها إيماناً منهم بقدسية العلم ومجاراة للواقع الراهن الذي ارتفعت فيه معدلات القبول الجامعي، إضافة إلى غياب الضمير المهني في المدارس لدى بعض المدرسين الذين “يغمزون” طلابهم للالتحاق بالدروس الخاصة التي يضع بها المدرس كامل طاقته وضميره المهني مقابل الكثير من المال!

شح بالمعلومات

نتيجة ضعف المقدرة المادية تحاول السيدة “هبة” أن ترمم النقص الحاصل لدى أبنائها ولا ترهبهم بالدروس الخاصة، حيث تعزز المعلومات لديهم باللغتين الانكليزي والفرنسي، وقبل الامتحان الأخير قد تلجأ لمدرس خاص عند عدم فهم المعلومات كون بعض المدرسين يشرحون المعلومات بسرعة وأحيانا قد يكون ذهن الطالب مشتت أو متغيب عن الدوام، مشيرة إلى أن بعض المدرسين يبخلون بالمعلومات على طلبتهم ضمن الحصة الدرسية لجذبهم للدروس الخاصة وتحقيقهم المنفعة المادية على حساب لقمة عيش الأسر!

الأسعار في ماراتون

من جانبه أسف “أبو مقداد” على الحال التي وصلت إليها مدارسنا، فالانضباط مفقود والشرح مقتضب والدروس الخاصة تسير بخطى ثابتة بل وتتعزز كل عام دون أي ضابط أو رادع لها من مديرية التربية، مشيراً إلى أن أسعار الدروس دخلت في ماراتون ولكل مدرس سعره الذي يحدده اسمه!

وفي السياق، أشارت السيدة “هناء” إلى أن ظاهرة الدروس الخاصة باتت تقليد من قبل الطلبة، حيث روت لنا أن ابنتها تنال التفوق كل عام وعندما كانت في الصف الحادي عشر سمعت زميلاتها يتناقشن بمعلومات منهاج الباكلوريا فشعرت حينها أن شيئا ينقصها وطلبت من أهلها البدء بدورات للشهادة الثانوية، ولم تخف والدتها التعاطف الكبير مع ابنتها حتى لا تتأثر نفسيا بشعور النقص بين زميلاتها فكان لها ما أرادت!

الدوام للتسلية

وبالمقابل لم تؤيد “أم حسن” الدروس الخاصة مؤكدة أهمية معلومة المدرسة، ناهيكم عن أن الطالب الذي يأخذ دروس خاصة يأتي للمدرسة منهك ويؤثر سلبا على أقرانه لأنه تلقى المعلومة ولم يعد باستطاعته سماعها، الأمر الذي يربك الحصة الدرسية بل ويؤخرها، وينعكس سلبا على انضباط المدرسة فيصبح وقت الدوام المدرسي للتسلية فقط، مشددة على دور الأهل وتوجيههم الدائم لأبنائهم في الاستفادة قدر الإمكان من المدرسة وسؤال المدرس خلال الدوام عن أي معلومة.

وبالوقوف على أسعار الساعات الخاصة، بدت متفاوتة بين الريف والمناطق أما مركز المدينة فلساعات طلبته النصيب الأكبر من الارتفاع، فعلى سليل المثال تتراوح تكلفة الساعة الخاصة في الأرياف بين أربعة وخمسة آلاف ليرة لغير طلاب الشهادات في حين تصل في المناطق إلى سبعة آلاف، وفي مركز المدينة تصل حد العشرة آلاف ليرة للساعة، وبين الأهالي أن الطالب الذي يأخذ حصته ضمن مجموعة في معهد أو عند مدرس تكون أقل سعرا من الذي يأخذها عند المدرس في منزله، في حين فاق سعر مادة في منهاج الشهادة الثانوية المليون ليرة وسط عجز الأهل وصعوبة تأمينهم تلك المبالغ التي تنهك يومياتهم!

باتجاه الخاص

المعلم المتقاعد “دريد غريب” أكد أن الدولة تميل وتشجع التعليم الخاص بدليل إحداث مدارس للمتفوقين ومدارس وجامعات خاصة، مبينا أنه قبل إحداثها كان يتم وضع الطالب المتفوق مع الضعيف لتشجيعه ولإحداث نوع من المنافسة تفضي لتقدمه، مؤكدا أن من يريد التفوق يتابع مدرسه بشكل يومي ودقيق وبالتالي سيحقق التفوق، منوها بالوقت ذاته إلى صعوبة المناهج لأن طريقة إيصال المعلومة للطالب تحتاج لمدرس مختص، معتبرا أنها ظاهرة خطيرة ومستهلكة لدخل الأسرة بعد أن انتشرت بشكل كبير في مجتمعنا!

ارتفاع المعدلات

مدرسة اللغة الفرنسية “هند خضر” رأت أن اكتظاظ التلاميذ في الصفوف أدى إلى تراجع مستوى التعليم وارتفاع معدلات الدخول الجامعي والثانوي ما دفع الكثير من الأهالي لإرسال أولادهم إلى التعليم الخاص للحصول على معدلات عالية تؤهلهم للدخول إلى فروع الجامعة المحددة التي تتطلب مجموعاً عالياً (طب – هندسة – صيدلة)، إضافة إلى التغيير المستمر للمناهج وعدم قدرة الطلاب على استيعابها.

ولم تخف راغدة محمود، باحثة في تبسيط قواعد اللغة العربية ومديرة نادي أحباء اللغة العربية، أننا أمام متاجر لبيع المعلومات يتعدد التجار، والبضاعة واحدة على امتداد البلاد لأنّها تعتمد على المناهج الرسميّة، حيث يتم الاعتماد على أشخاص غير مختصين لهم سمعة إعلامية من خلال الدعاية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الوهميّة، مشيرة إلى أنها منتشرة بكثرة في ظلّ غياب الرقابة ولا سيما في تعليم المراحل الابتدائية، من خلال عاطل عن العمل يجمع مجموعات من الأولاد ويقوم بما يسمى التسميع والمتابعة وبذلك تختلط المعلومات على الطفل ويتخبط بين الصواب والغلط.

كذلك ظهور ما يسمى “فطاحل العلامة التامة”، وهي عبارة عن مجموعات تنتشر بكثرة في كلّ حيّ ومدينة، يقولون لك الأستاذ “س” طلابه حصلوا على العلامة التامة وعند العودة للسجلات تجد طالبين أو ثلاثة، في الواقع هم من المتفوقين على مدى السنوات ولكنّه سوّق لنفسه من خلالهم واكتسب شهرة في تدريس المادة وله أجرٌ لا يمكن المساس به، مشيرة إلى بعض من نام ضميره يبيع الأسئلة في المراحل الانتقالية وكأنها سلعة فتكون الخطورة في غش الطالب والأهل لاعتقادهم بتفوق أبنائهم.

وعود بالتسريب

ورأت محمود أن المصيبة الكبرى في مجموعة من المدرسين تعدّ الطلاب بشراء المراكز الامتحانية وتسريب الأسئلة فتكون العلامة التامة في جيب الطالب والمبالغ المالية الكبرى في جيب الأستاذ لأنه سيدفع أيضا للحصول على الأسئلة، مضيفة: في العام الماضي أخبرتني طالبة أن علامتها كانت سيئة بسبب مدرّس كذب عليها طوال العام ووعدها بضمان الحصول على الأسئلة والإجابات وشراء المركز الامتحاني فهو يكلّف رئيساً للمركز الامتحاني ويتبادل المنافع مع بعض من يشابهه (ظاهرة تسريب الأسئلة) وفق زعمه.

تداعيات خطيرة

ولفتت الباحثة إلى سلبيات الدروس الخصوصية على الطالب ومنها، التثاؤب الدائم وعدم التركيز والغضب لمن اعتاد عدم ضبط وقته، وقضاء فترة قبل الظهر في المدرسة والفترة المسائية متنقلا بين منازل المدرسين والمعاهد والمخابر التعليميّة، فتجد الطالب ينظر للمدرّس في القاعة الصفية ولا يدرك ما يقول لأنّ التوافق غير موجود بين المدرّس الخاص ومدرّس المادة الصفية، والنتائج غالبا سيئة ويضيع وقت الطالب بلا نفع فكري مع أضرار جسدية صحية ونفسية.

يصعب السيطرة عليها

مدير ثانوية وولي أمر “تميم عبدو” أشار إلى أن الدروس الخاصة حالة عامة موجودة بكثرة في مجتمعنا، وهي ظاهرة مقلقة ويصعب السيطرة عليها، ٧٠% منها موضة وبريستيج، معتبرا أنها ظاهرة ليس لها معنى ويمكن الاستغناء عنها، لأن من يريد الاعتماد على المدرسة يمكنه الاعتماد الكامل، وإن رغب الطالب فهو يحصل على ٨٠ % من معلومات المدرسة.

تفوق الحكومي

وتساءل المدير: كيف يمكن الحد من الدروس الخاصة في الوقت الذي سمح فيه بالتعليم الخاص من خلال مدارس خاصة أقساطها ” بالهبل”؟ مؤكداً على أهمية المدارس الحكومية تفوق طلابها مقارنة مع طلاب التعليم الخاص الذين يلتحقون به للتغطية على الدوام وغيره!

لا علاقة للتربية

واعتبر رئيس دائرة التعليم الخاص نضال ميهوب أن لا علاقة للتربية بتحديد أسعار الدروس وأن عقوبة المدرس داخل الملاك الذي يدرس ساعات خصوصية، ضبط ضابطة عدلية وإحالته للرقابة الداخلية، مشيراً إلى أن المديرية تقوم بجولات عن طريق الضابطة العدلية لضبط صاحب العقار الغير مرخص المستخدم لأغراض تعليمية، مقترحا تشديد عقوبة الضابطة وتوعية الأهل لجهة الدروس الخصوصية، علماً أن عدد المعاهد المرخصة ١١٣ معهداً حتى تاريخه، في حين لا يوجد إحصائية للمعاهد الغير مرخصة لأنها غير مسجلة وفق الأنظمة والقوانين، مبيناً أن عدد الإغلاقات والمخالفات التي تم ضبطها ٢٧، كما يتم متابعة عمل المخابر المرخصة بعد انتهاء الدوام الرسمي للمدارس.