مجلة البعث الأسبوعية

الجناح السوري فسيفساء المستقبل في إكسبو دبي2020

حلب – غالية خوجة

تحتفل سوريا بأبجديتها الحروفية الفينيقية الأولى وأبجديتها الموسيقية الأولى المكتوبة حوالي عام 3500 قبل الميلاد في إكسبو دبي 2020، وشعارها “معاً..المستقبل لنا”، عاكسة الأبعاد الحضارية العريقة من التراث والحاضر والمستقبل، في جناحها الذي افتتح يوم 1 تشرين الأول 2021، بحضور د.محمد سامر الخليل وزير الاقتصاد السوري، ود.غسان عباسسفير الجمهورية العربية السورية في الإمارات، والمفوّض العام للجناح، والمهندس المعماري خالد شمعة مصمّم ومدير الجناح، إضافة إلى العديد من الشخصيات الرسمية الأخرى وكبار الحضور.

رسالة إكسبو سورية

فماذا يخبرنا الجناح السوري في إكسبو دبي؟ وما رسالته؟ وكيف يساهم في المستقبل العالمي؟

يروي الجناح السوري بكل اللغات وبكل المعاني، قصصا مشوقة وجذابة تبدأ من قصة بداية الحضارة وتطورها في سورية منذ ما قبل الميلاد عبوراً بالحاضر وصولاً للمستقبل المشترك مع شعار إكسبو دبي “تواصل العقول وصنع المستقبل”.

الهوية الموجبة

ولأن الجناح السوري في إكسبو 2020 دبي، جناح وطني ثقافي فني سياحي اجتماعي اقتصادي وإنساني، فإنك تراه محتفياً بك منذ دخولك البوابة ليبهرك بصورته الكلية وتفاصيله المضاءة بدلالات عميقة متشابكة تفتتح ذاكرة العالم بإطلالة على المجتمعات الزراعية الأولى في سورية منذ 15000 سنة قبل الميلاد، التي ساهمت في تطوير تقنيات العد والتسجيل المعروفة بـ”التوكنز” تبعاً للرقم الطينية المكتشفة، مما ساهم في تطوير البشرية عبْر العصور اللاحقة، وصولاً إلى حماة البذار الزراعي النادر في حلب، وكيف انتصروا للحضارة والوعي النوارني وانتصروا على ظلمات الإرهاب.

ويحتفي الجناح بمشاهد ولوحات ثقافية وفنية وعلمية، تركّز بمجملها وتفاصيلها على المحبة والخير والسلام المنشود المنشد:”حطم سيفك وتناول معولك واتبعني، لنزرع السلام والمحبة في كبد الأرض، أنت سوري وسورية مركز الأرض”.

صدى هذه الكلمات يتردد بكل اللغات مع النوتة الموسيقية الأوغاريتية، فتشرق شمس المحبة وتنبض إيقاعاتها في القلوب والعقول، وتأخذك الرحلة بعيداً مع طبقات الأرض الأركيولوجية، لتكتشف عبقرية أجدادك، وحكمتهم وغناهم الروحي والنفسي والعقلي والعلمي والإبداعي، مما يجعل العالم يردد أيضاً: إنها سورية العنصر الفاعل المؤثر في العالم تأريخاً وثقافة وفنوناً وعلوماً واقتصاداً وزراعة وتجارة منذ ما قبل طريق الحرير وعبوراً بطريق الحرير وصولاً إلى طريق إكسبو دبي.

رقيمات أسطورية معاصرة

وكلما تحركت، في أي اتجاه جغرافي وزماني، تجد أن كل الدروب تؤدي إلى سورية، فتدخل جناحها وكأنك تدخل إلى مخيلة جديدة متشابكة أسطورياً وخرافياً وواقعياً وافتراضياً، وتظل المعاني تروي قصصاً جذابة، وأحداثاً فريدة، تبدأ مع قصة أبجدية أوغاريت، وقصة أول نوتة موسيقية عرفها الإنسان، وقصة اللوحة الفسيفسائية الجماعية المؤلفة من 2500 رقيم تشبه تلك المكتشفة في ماري وأوغاريت وإيبلا، بعدما شارك في رسمها سوريون موجودون في كافة أنحاء العالم، لتكون هذه الحكاية الثقافية الفنية رسالتهم المختصرة لشعار جناحهم “معاً المستقبل لنا”، ترميزاً وكناية عن الهوية السورية الواحدة والانتماء الوطني الواحد والروح الواحدة والقلب الواحد للشعب العربي السوري وذاكرته التراثية الإنسانية المتفردة، والتي يؤكدها، بدوره، معرض الوجوه “البورتريهات” بلوحاته المختلفة العاكسة لملامح تعبيرية متنوعة بين حزن وفرح وأمل وعمل وحلم وإيمان بالمستقبل المضيء بعد الحرب الظلامية، وبالنصر الدائم المتجذر بالمحبة المشرقة من شمس سورية المشرقة دائماً.

مرايا الملامح المتشابهة

والملفت ذاك الجدار المرآتي الواقف أمام معرض الوجوه، لتتمرأى مع وجوه اللوحات وتتصور، مكتشفاً بعداً جديداً في وجهك وملامحك وتشابهاً إنسانياً في الحكايات التي ستجد بقية فصولها في رسائل الألواح الخشبية-رقيمات الرسائل، لتقترب دواخلهم برمزية وتجريدية وتعبيرية وتشكيلات خطية فيها من الحكمة والبيان والمحبة المثقفة الواعية بتشكلات فنية واقعية وسحرية ورمزية وتجريدية.

أنا السوري

وللتأكيد على هذه الوحدة المتآلفة المتناغمة وقّع الفنانون والمشاركون أعمالهم الفنية بـ”أنا سوري” فقط، لتزداد الهوية إشعاعاً، والانتماء تألقاً وتضافراً وتشابكاً وتفاعلاً مستداماً غبْر مختلف العصور والأزمنة والأمكنة.

صباح فخري يغني في إكسبو

إضافة لذلك، وحّد إكسبو دبي القلوب من خلال احتفاله بصباح فخري – أوركسترا الشرق، يوم وفاته، مما أضفى حالة من الأصالة على الحدث العالمي: “يا مال الشام يا الله يا مالي”، لتحضر الشام كمركز محوري في هذا الحدث.

نذكر كيف خصّ إكسبو دبي كل دولة بيوم وطني، ومعروف أن اليوم الوطني لسوريتنا الحبيبة 17 نيسان، وتبعاً لهذا الحدث احتفلت سورية باليوم الوطني السوري بتأريخ 14 تشرين الثاني، ببرنامج غني ومتنوع، ضم العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي أقيمت في ساحة الوصل بإكسبو دبي2020.

دموع الزوار

وعبّر زوار الجناح من شخصيات رسمية وثقافية وفنية وزوار عرباً وأجانب، عن دهشتهم بما يقدمه الجناح من معلومات وحياة حضارية ما زالت متواصلة، مؤكدين أن سورية التي يشاهدونها في هذا الآن الواقعي تختلف جذرياً عن ما يشاهدونه على شاشات التلفزة  والشاشات الالكترونية، لدرجة أن إحدى الزائرات للجناح دمعت عيناها من المفارقة، وعبّرتْ بعفوية وصدق عن إعجابها بسورية ماضياً وحاضراً، وأكد زائر آخر بأن الجناح السوري هو من أفضل 10 أجنحة في إكسبو دبي.

نافذة العالم على العالم

وضمن النشاط الاقتصادي والتجاري والزراعي والصناعي والسياحي يبرز الجناح السوري متفرداً بخصوصيته المستمرة لآخر يوم في إكسبو دبي 31 آذار 2022، المتضمنة للعديد من المفاجآت على صعيد البرامج المختلفة والمتنوعة.

ونلفت إلى أن المعرض العالمي إكسبو دبي، يعتبر سابقة تأريخية لأنه يقام لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا على أرض الإمارات بمشاركة 192 دولة، مشيرين إلى أول معرض عالمي بدأ عام 1851 في لندن.

وخلال 6 أشهر هي عمر إكسبو دبي، الذي تشارك فيه 192 دولة، تفتح سورية قلبها للعالم المؤمن بقضاياها، وتفتح وعيها على التعاون الإنساني المثمر بالخيرات الإيجابية، والتحولات المعبّرة عن تطلعات السوريين الذين شعارهم “الأمل بالعمل”.