مجلة البعث الأسبوعية

تعهيد المدارس الرياضية بداية لمرحلة “خصخصة” الرياضة أم إنذار لمرحلة خطرة تتطلب تفعيل التشاركية ؟

البعث الأسبوعية – خالد جطل

عاشت أندية اللاذقية حالة من الازدهار المادي في السنوات الثلاث الأخيرة من خلال الدعم الذي تلقته من إحدى الشركات الاقتصادية ورجال الأعمال ودخلت خزائن كلاً من ناديي حطين وتشرين المليارات من الليرات والتي جذبت نجوم كرة القدم إلى الناديين، وازداد التنافس فيما بين تشرين وحطين بالتعاقدات والأرقام الخيالية التي دفعت للعديد من اللاعبين بغية كسب ودهم للتوقيع.

تشرين نجح خلال هذه السنوات بالتتويج بلقب الدوري مرتين متتاليين فيما خرج حطين من المنافسة على لقب الدوري ليكتفي بمركز وصيف بطل الكأس في الموسم الماضي بعد أن كان من الفرق المنافسة وبقوة على اللقب،  سنوات العسل والانفراج المادي ذهبت وذاب الثلج وبان المرج وغاب  الدعم دون سابق إنذار لتجد كل من إدارة حطين وتشرين نفسيهما بموقف لا تحسدان عليه وكأنهما في صحراء قاحلة بلا ماء و لا زاد .

متاهة ومشاكل

دخلت أندية اللاذقية الموسم الكروي بلا دعم ولا مال ما أحدث هذا شرخاً فنياً كبيراً خاصة في حطين حيث ابتعدت الكوادر الإدارية عن النادي بعد استقالة إدارة خالد طويل وكاد النادي أن يقع في نفق الفراغ الإداري لتتشكل على الفور لجنة تسيير أمور عقبها تولي إدارة جديدة برئاسة الأستاذ هشام عجان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وبدأ العمل  المكوكي من نقطة الصفر وتمت دعوة المحبين والداعمين لتقديم المشورة والدعم وكانت النتيجة غير ملبية للطموحات لتتحول البوصلة نحو دعم الجماهير والمحبين ونجحت الإدارة بتأمين الجزء اليسير ليمضي فريق الرجال بمن حضر من مدربين ولاعبين وبأقل التكاليف والتي لا توازي عقد لاعب واحد في المواسم الماضية قيمة، لكن المصاعب المادية والتكاليف كانت قاسية وصعبة ودفعت العجان لتقديم استقالته ودخول النادي من جديد نفق الفراغ الإداري لكن هذه المرة لم يدم الأمر طويلاً حيث تقدم عضو الإدارة السابق احمد أبو الريف مع مجموعة من الداعمين والمحبين لتشكيل لجنة تسيير أمور بعد المؤتمر الإنقاذي الذي دعت إليه تنفيذية اللاذقية .

ومع تزايد الأمور صعوبة على الناديين قامت اللجنة المؤقتة بنادي حطين بدراسة عدة أفكار لتأمين المال بعد ابتعاد الداعمين ولم تستطع تامين ما يلزمها وكانت بعض الملايين المقدمة من أبناء النادي غير كافية لاستمرار فرق النادي بأنشطتها، وهنا كان لا بد مما  هو بد وتم عرض منشآت النادي ومدارسه للاستثمار في بادرة هي الأولى على مستوى المحافظة لتامين المال اللازم لمواصلة الأندية نشاطها.

البداية حطينية

شاءت الأقدار أن تكون بداية تعهيد المدارس الكروية حطينية كما كانت إنشاء أول مدرسة كروية قبل عشرات السنين حطينية عندما طرح الكابتن كيفورك مردكيان الفكرة وبدأ بتطبيقها مع الكابتن كمال قدسي لتقدم هذه المدرسة عشرات بل ومئات النجوم للكرة الحطينية وترفد منتخباتنا الوطنية بنجوم كان لهم بصمات إيجابية، اللجنة المؤقتة بنادي حطين طرحت موضوع الاستثمار بعد واقع صعب عاشه النادي ، حيث أكد الكابتن رئيس لجنة تسيير الأمور أحمد ابو الريف  نجاح المزاد العلني لتعهيد مدرسة حطين الكروية ولأول مرة في تاريخ النادي بمبلغ وقدره 22 مليون ليرة سورية سنوياً  في حين لم تكن المدرسة تدخل لخزينة النادي أي مبلغ مالي بالسنوات السابقة، وسيلتزم المستثمر بالشروط التي وضعتها لجنة التسيير بما يتناسب مع مصلحة النادي من وجود كادر تدريبي وإداري وطبي على أعلى مستوى إضافة للباس الموحد للجميع، واتبع استثمار المدرسة الكروية تعهيد لمدرسة كرة السلة  للمرة الأولى بتاريخ النادي مقابل مبلغ 10 ملايين ليرة سورية .

بعد استثمار المدرسة الكروية للقدم والسلة تم طرح مزاد علني لتعهيد الملاعب العشبية بنادي حطين وبعد منافسة بين عدة مستثمرين تم الوصول إلى مبلغ 80 مليون ليرة بالعام وبهذا يكون  المبلغ الإجمالي الذي دخل خزينة نادي حطين  استثمار المدرستين والملاعب العشبية 112 مليون ليرة سورية فقط لا غير ، والسؤال المطروح هل يفي هذا الرقم بمتطلبات ومصاريف فرق النادي؟.

القطب الأخر

في نادي تشرين لم يكن الحال أفضل من الجار حطين حيث عانى البحارة من ضيق ذات اليد وباتت الأمور أكثر صعوبة كون النادي أقدم على التجديد لمعظم لاعبيه وتعاقد مع آخرين ليكون دخوله الدوري والحفاظ على اللقب فعالاً مع ترقب إمكانية التعاقد مع داعمين وشركاء كون الفريق بطل للدوري لموسمين متتالين ومقبل على مشاركة آسيوية وهذا كاف لتسابق الشركات ورجال الأعمال لدعم النادي، لكن على ما يبدو فإن الواقع الاقتصادي العام دفع بالكثيرين للابتعاد عن الاستثمار بالرياضة عموماً وكرة القدم خاصة ما زاد من الطين بلة وزاد من هموم إدارة النادي التي لم تتوقف عن التواصل مع الداعمين السابقين لكن كل هذا لم يجد نفعاً خاصة بعد اقتصار الدعم على مبلغ 150 مليون من إحدى الشركات الوطنية يقدم على دفعتين ذهابا وإياباُ.

هذا الحال الصعب اضطر إدارة تشرين للبدء باستثمار ما يمكن استثماره والبداية بتعهيد مدرسة النادي الكروية واقتصر المزاد على ثلاثة مستثمرين وبنهاية المزاد تم الوصول إلى  ٢٨ مليون ليرة سورية عن السنة الأولى، على أن يتم زيادة المبلغ بالسنة الثانية بنسبة وقدرها 10 %.

طارق زيني رئيس نادي تشرين أكد “البعث الأسبوعية” أن استثمار المدرسة ودخول القطاع الخاص يعتبر من مصلحة النادي ولن يؤثر على الأمور الفنية في المدرسة كون المدربين والكوادر متواجدين ومستمرين بالعمل، وتنسيب اللاعبين للنادي هو شرط أساسي وهو الأهم في عقد الاستثمار، ويبقى هدفنا الدائم في أي خطوة نقوم بها هو تحقيق مصلحة النادي واللاعبين، هذه الخطوة إيجابية وستعود بالفائدة على النادي، ولا خوف على المدرسة  فلا وجود لأي تغيير في آلية العمل فيها.

نعمة أم نقمة؟

من خلال ما سبق يتساءل البعض هل كانت المليارات التي دخلت خزينة ناديي حطين وتشرين نعمة أم نقمة؟، الآراء والإجابات تباينت حيث رأى البعض أنها رفعت من المستوى الفني فيما كان الرأي الآخر بأن المليارات كانت مدمرة للناديين بدليل ما نراه ونحصده اليوم ، حيث بات الناديان بلا داعم ولا موارد ما دفعها لتعهيد مدارسهما وهو أمر لا يبشر بالخير وكان من الأجدى استغلال المليارات بما يعود على الأندية بالنفع لسنوات طوال .

اتخاذ الأندية قرار تعهيد مدارسها الكروية مؤشر خطير إلى ما هو قادم وفق رؤية الكثيرين وهو خصخصة كرة القدم وربما الرياضة ككل في ظل الارتفاع الجنوني للتعاقدات وزيادة مصاريف الأندية وتحملها للأعباء المالية الكبيرة وعدم قدرة الاتحادات على دعم الأندية بما يتناسب والواقع الاقتصادي، وعليه فإن قرار الاستثمار لم يكن ليتم لولا موافقة القيادات الرياضية ما يرفع من أسهم ترقب قدوم الخصخصة ما لم يتم وذلك عبر حث الوزارات على تقديم الدعم للرياضة من خلال التشاركية المتبادلة .