دراساتصحيفة البعث

أمريكا العاجزة تدعو لتحرير احتياطي النفط

هناء شروف

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام أن الولايات المتحدة ستفرج عن 50 مليون برميل من النفط من احتياطيها البترولي الاستراتيجي اعتباراً من الشهر المقبل للحدّ من الارتفاع السريع في أسعار البنزين في الداخل.

لكن بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تستهلك أكثر من 20 مليون برميل من النفط يومياً، فإن هذه الخطوة التي يقول بايدن إنها جزء من جهد منسق مع الدول الرئيسية الأخرى المستهلكة للطاقة، لن تفعل الكثير لتقليل فجوة العرض والطلب في الولايات المتحدة.

إذاً، أمريكا تقع في شر أعمالها، لأن سياسات الولايات المتحدة هي السبب الجذري في ارتفاع أسعار النفط  لأنها دفعت منتجي النفط الرئيسيين إلى التحكم في إمداداتهم بهدف زيادة أرباحهم إلى الحدّ الأقصى، وتشكيل حلقة مفرغة. لذلك فإن هذه الخطوة تمثل محاولة يائسة من إدارة بايدن لمعالجة مشكلة من صنع الولايات المتحدة.

إن دعوة الدول الأخرى مثل اليابان، والهند، والمملكة المتحدة، والصين إلى أن تفعل الشيء نفسه هي مجرد وسيلة لجعل الكارثة التي تصنعها أمريكا بنفسها نتيجة جماعية، لكن كانت ردود الدول فاترة على هذه الدعوة في أحسن الأحوال، إذ تجاهلت اليابان الدعوة بدون الالتزام بأي وعود، وقالت المملكة المتحدة إنها ستسمح للشركات “بالإفراج طواعية” عن احتياطيات نفطية تصل إلى 1.5 مليون برميل، ووافقت الهند على الإفراج عن 5 ملايين برميل إلا أنها شدّدت على أن موعد الإفراج سيكون بالاتفاق مع الدول الخمس الأخرى وهذا غير موجود أساساً.

على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط بسرعة يتماشى مع المصالح الاقتصادية للصين، وقد يكون هذا أيضاً فرصة لتخفيف التوترات الصينية الأمريكية، إلا أنه يتعيّن على الصين التفكير فيما إذا كان من المجدي استخدام احتياطي النفط الاستراتيجي للردّ على نداء الولايات المتحدة لإنجاز مهمة مستحيلة، وخاصة بعد أن علمت أن الجانب الأمريكي قد مهد الطريق ببساطة لتقديم العرض ولم يُظهر أي نية لتخفيف الضغط الذي يمارسه على الصين في محاولة لاحتوائها.

وليست الصين وحدها المستهدفة -كما يبدو- وربما يكون هناك بعد داخلي، خاصةً وأن إدارة بايدن تحاول من خلال هذه الدعوة تسوية منحنى التضخم قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. صحيح أنه يتفاخر بأن الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي يتعافى إلى مستوى ما قبل الوباء، إلا أنه لا يمكنه تجاهل التكاليف الكامنة وراء الأرقام الوردية التي قد تفجر الفقاعة في أي وقت. لأنه في الواقع، وصل التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له في 31 عاماً الشهر الماضي عندما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.2٪ على أساس سنوي، وهي أكبر قفزة في 12 شهراً منذ عام 1990 بفضل إدمانها على طباعة الأوراق النقدية.

إن ارتفاع الأسعار يرفع من تكاليف المعيشة ويخفّف المدخرات ويقلّل هوامش الفائدة الصناعية ويفرغ سوق العمل، وهذا يفسّر لماذا قوبلت دعوة بايدن ببرود بحكم الأمر الواقع حتى بين حلفاء الولايات المتحدة، إذ ليس هناك أي دولة على استعداد للمراهنة باحتياطياتها النفطية والاعتماد على الإدارة الأمريكية.