دراساتصحيفة البعث

من يسمع صوت الأقزام؟

علي اليوسف

من الطبيعي أن يكون الكيان الصهيوني من أشد القلقين من محادثات إيران النووية في فيينا، ولكن من غير الطبيعي أن يتبجّح هذا الكيان في هذا الوقت بالذات بأن الأمور بالنسبة له تتجه أكثر لإمكانية ضرب إيران، لأن مضاعفة جيش الكيان استعداداته لتنفيذ ضربة ضد إيران، كما تروّج له وسائل إعلامه، لا تعدو صراخاً أجوف أمام قوة عسكرية لن تتوانى لحظة عن إزالة ما يُسمّى “إسرائيل” عن الخارطة الجغرافية، كما يصرح القادة العسكريون في الجمهورية الإيرانية.

وما دام جيش الاحتلال حائراً في كيفية تمرير فكرة الهجوم للجمهور، وحجم الأضرار الكبيرة المتوقعة، وهل يدخل حزب الله المعركة بعد الهجوم المتوقع، بحسب تصريحات مسؤوليه العسكريين، فهذا يعني أن هذا الكيان يدرك في قرارة نفسه أنه ليس على قدر هذه العملية العسكرية، لذلك فإن كل الجعجعة الصادرة لا تتعدى الحملات الاستعراضية في إطار الحرب النفسية التي باتت لا ترعب، ولا تهزّ الجمهورية الإيرانية لأسباب كثيرة، ليس آخرها عملية “سيف القدس” التي أثبتت للعالم أن هذا الكيان أوهن من بيت العنكبوت، وليس لديه القدرة العملانية للتصرف ضد المنشآت النووية لإيرانية ما دام هُزم على أيدي ثلة من المقاومين.

إن ايران من موقع القوة التي تمتلكها، ليست في وارد الردّ على مثل هذه الترهات، لأن هدفها الأول هو رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد، ولعلّ التقرير الصادر عن معهد “توني بلير” يؤكد هذه الجزئية المهمة. فقد قال التقرير: “مع استمرار مفاوضات صفقة إيران في أوروبا، تحاول طهران الضغط على الغرب لتخفيف العقوبات. يجدر التركيز على من هم قادة إيران اليوم، هذه ليست القيادة الإيرانية منذ عدة سنوات”.

هذا التقرير يجب أن يأخذه الكيان الصهيوني على محمل الجد بدلاً من التهديد الفارغ، لأن قادة ايران الجدد هم نخبة جديدة من التكنوقراط ذوي التلقين العقائدي العالي، وهم جيل جديد من القادة الذين يرون مستقبل إيران في إعادة توجيهها نحو الشرق كما يتضح من اتفاق إيران مع الصين، وكذلك المحادثات حول اتفاقية للطاقة في آسيا الوسطى.

من هنا فإن هذه النخبة الجديدة لا يهمها تهديدات الكيان الصهيوني ولا حتى ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك، إن إطلاق إشارة مفاوضات فيينا بهذه الإدارة الأمريكية الحالية على عكس الإدارات السابقة التي كانت تستمع للتحريض الإسرائيلي، ما هي إلا رسالة واضحة للكيان الصهيوني تحديداً، وللغرب بشكل عام أن إيران اليوم هي ليست كالأمس، وإذا لم تتمّ القراءة الصحيحة لهذه النخبة الإيرانية -بعد أن أبدت في الماضي وجهاً لطيفاً جداً- فلا يمكن التنبؤ بما يخفيه المستقبل، لأن أي خطأ في التعامل معها سيبعدها كثيراً جداً جداً.