مجلة البعث الأسبوعية

تهافت « الأواني المستطرقة » بين القضيتين السورية والأوكرانية

د. مهدي دخل الله

وصلت العلاقات الدولية إلى مرحلة حرجة تتمثل في إشكالية العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بشكل خاص . حوار «بوتين – بايدن» المفترض يواجه عقدة التعامل مع مسألتين أساسيتين ، القضية السورية والقضية الأوكرانية التي تتضمن محاولات توسيع الناتو شرقاً ..

العملية الجوهرية في الحدوث العالمي اليوم هي التقدم باتجاه الانتقال النهائي إلى نظام متعدد الأقطاب . ولسورية الفخر بأن تضحيات شعبها كانت البؤرة الفاعلة والمحركة لهذا الانتقال التاريخي .. من الأوحد إلى المتعدد ..

تفهم واشنتُن العلاقات الدولية على أنها ميزان . يتطلب الارتفاع في إحدى دفتيه تنازلاً في الدفة الأخرى . إنه قانون الأواني المستطرقة الشهير الذي يعني عملياً المساومة على مصائر الشعوب والدول ..

لدى دمشق وموسكو وبكين فهم آخر قائم على أن التقدم في إحدى القضايا الدولية ينبغي أن يكون حافزاً للتقدم في القضية الأخرى باتجاه الهدف الحقيقي الذي هو تعزيز استقلال الدولة وحماية حرياتها وخياراتها ..

المشكلة إذاً بين روسيا وأمريكا هي في معايير الفهم وفي الهدف . تطرح أمريكا معيار المساومة عبر الأواني المستطرقة وتطرح روسيا التقدم الشامل للجميع .

دليل الأواني المستطرقة الأمريكية هو تعامل أمريكا مع القضيتين السورية والأوكرانية منذ البداية . لنتذكر مؤتمر جنيف حول سورية الذي حضره وزراء خارجية سورية وروسيا وأمريكا .. المعلم وكيري ولافروف عام /2014/. كانت الخطة الأمريكية تقتضي أن ينعقد هذا المؤتمر وأن لا يصل إلى أي نتيجة ، وقد أمرت أمريكا أتباعها في المؤتمر بأن يكونوا متعنتين إلى أقصى حد من أجل إفشال المؤتمر . عندها طرحت أمريكا على روسيا فكرة التدخل الثنائي عبر الفصل السابع بذريعة أن السوريين لم يتوصلوا إلى حل .

استند «المنطق» الأمريكي إلى أنه لا بد من تدخل مجلس الأمن بالقوة في سورية لأن القضية السورية تهدد الأمن والسلام الدوليين ولم يتفق السوريون على حلها . لنتذكر المسألة الكورية عام /1951/ وقرار الجمعية العمومية ( متحدون من أجل السلام ) حيث تدخل الأمريكيون في شبه الجزيرة الكورية تحت علم الأمم المتحدة ..

رفضت روسيا العرض الأمريكي الذي يتنافى مع سيادة سورية وشرعية حكومتها . الجواب كان في اللجوء إلى الأواني المستطرقة : أنقذتم سورية ، حسناً سنطعنكم في أوكرانيا ..

لم تأخذ الولايات المتحدة عاملاً مهماً في المعادلة وهو التصدي السوري المدهش حيث لم تعد القضية السورية مجرد مادة سهلة للقرار الدولي – الأمريكي بشكل خاص .. يروى أن بوتين قال للرئيس الإيراني بأنه تمنى أن يكون الرئيس الشرعي لأوكرانيا الذي تخلى عن شعبه منذ اليوم الأول بحجم الرئيس بشار الأسد الذي صمد وتصدى مع شعبه ولم يرحل تاركاً السفينة تترنح في أمواج المحيط الهائج ..

التصدي السوري الكبير لأكثر الحروب شمولاً وبشاعة أسهم في إطلاق (( رصاصة الرحمة )) على (( رجل العالم المريض )) أي نظام القطب الواحد ، وعلى فلسفة الأواني المستطرقة .