مجلة البعث الأسبوعية

تدريب وتسليح النازيين الجدد في أوكرانيا… فصل جديد من فصول “السي أي إيه”

البعث الاسبوعية-هيفاء علي

تفيد آخر المعلومات الى أن “السي أي إيه” قامت سراً بتدريب وتسليح مجموعات مناهضة لروسيا في أوكرانيا منذ عام 2015، و هي “ميليشيا النازيون الجدد” الذين سيلهمون إرهابيي اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم. هذه المعلومة ليست بجديدة، لأن تاريخ الولايات المتحدة على امتداد اداراته المتعاقبة، حافل في دعم الجماعات المتطرفة، كونه يدخل في صلب السياسة الخارجية الأمريكية. ففي الستينيات، عملت وكالة المخابرات المركزية مع المتطرفين الكوبيين المناهضين لفيدل كاسترو الذين حولوا ميامي إلى مركز للعنف الإرهابي. وفي الثمانينيات، دعمت وشجعت المتطرفين في أفغانستان. وفي عام 2010، دعمت واشنطن وسلحت والارهابيين واستقدمت المرتزقة من كل أصقاع الارض لارتكاب جرائم فظيعة بحق المدنيين والعسكريين في سورية وعلى مرأى العالم أجمع.

واستناداً إلى تقرير جديد، فهناك فصل جديد من فصول “السي أي إيه” الاجرامية يضاف إلى قائمة الدروس التي تم تجاهلها سابقاً، وهي تدريب النازيون الجدد الأوكرانيون، حيث يشير التقرير الى أن وكالة المخابرات المركزية دربت منذ عام 2015 القوات في أوكرانيا سراً للعمل كـ “قادة متمردين”، على حد تعبير مسؤول استخباراتي سابق، في حال غزت روسيا البلاد. ويتضمن البرنامج التدريب على الأسلحة النارية والتحرك والتغطية والتمويه، على الرغم من أن بعض المسؤولين الامريكيين زعموا أن التدريب مخصص فقط لجمع المعلومات الاستخباراتية. وتصادف أن تكون سنة بدء البرنامج، 2015، هي نفس العام الذي أقر فيه الكونغرس مشروع قانون الإنفاق الذي قدم مئات الملايين من الدولارات في شكل دعم اقتصادي وعسكري لأوكرانيا. وهو مشروع تم تعديله للسماح بتدفق هذا الدعم إلى مليشيا النازيين الجدد في البلاد، المسماة “فوج آزوف”. وبحسب الصحافة الأمريكية، فإن نص مشروع القانون الذي تم إقراره في منتصف العام الماضي تضمن تعديلاً صريحاً يحظر “تسليم الأسلحة والتدريب والمساعدات الأخرى إلى آزوف، لكن لجنة مجلس النواب المكلفة بالمشروع تعرضت لضغوط من البنتاغون بعد أشهر لإزالة تلك العبارة، وإخبار اللجنة بأنها زائدة عن الحاجة.  على الرغم من الاعتراف الصريح بالنازية، فقد قال قائدها السابق ذات مرة: “إن مهمة أوكرانيا التاريخية كانت قيادة الأجناس البيضاء في العالم في حرب صليبية أخيرة من أجل بقائهم”.

تم دمج “آزوف” في الحرس الوطني في البلاد في عام 2014، بسبب فعاليته في محاربة المواطنين الروس. بعد ذلك، تدفقت الأسلحة الأمريكية الى الميليشيات، والتُقطت صور لمسؤولين عسكريين أميركيين وحلف شمال الأطلسي أثناء لقاءهم معهم، وتحدث أعضاء الميليشيات عن عملهم مع المدربين الأمريكيين، وعن عدم وجود سجل تتبع للتحقق من القضاء على العنصريين البيض. كل هذا يؤكد على أنه يتم تدريب النازيين الجدد في آزوف في برنامج التمرد السري لوكالة المخابرات المركزية. زيادة على ذلك، سعت العديد من الشخصيات البارزة بين الجماعات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة وأوروبا بنشاط إلى إقامة علاقات مع ممثلي اليمين المتطرف في أوكرانيا، ولا سيما الفيلق الوطني والميليشيات المرتبطة به، فوج آزوف.

وفي هذا السياق، أشار تقرير صادر عام 2020 عن مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت” الى أن الأفراد المقيمون في الولايات المتحدة تحدثوا أو كتبوا عن كيف يمكن للتدريب الأوكراني أن يساعدهم في أنشطتهم شبه العسكرية في ذلك البلد. في حين  زعمت إفادة خطية من مكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2018 أن فوج آزوف سيشارك في تشكيل وتطرف منظمات تفوق البيض ومقرها الولايات المتحدة، بما في ذلك أعضاء في حركة تفوق البيض “رايز أبوف”، الذين تمت مقاضاتهم بسبب الهجمات المخطط لها ضد المتظاهرين المعارضين في أحداث اليمين المتطرف أثناء مسيرة شارلوتسفيل “توحيد اليمين” التي اختارها جو بايدن لاحقاً لتبرير حملته الرئاسية. وعلى الرغم من أن مرتكب مذبحة مسجد “كرايست تشيرش” لم يسافر إلى أوكرانيا كما ادعى بايدن، فمن الواضح أنه كان يستلهم من الحركة اليمينية المتطرفة هناك، وكان يرتدي رمزاً استخدمه أعضاء آزوف أثناء الهجوم.

منذ توليه منصبه، أطلق بايدن حرباً ضد الارهاب المحلي تستند إلى مكافحة التطرف اليميني، على الرغم من أن الاستراتيجية تهدف إلى استهداف المتظاهرين والناشطين ذوي الميول اليسارية. وفي الوقت نفسه، قامت ثلاث إدارات منفصلة، بما في ذلك إدارة بايدن، بتوفير التدريب والأسلحة والمعدات للحركة اليمينية المتطرفة التي تلهم وحتى تدرب هؤلاء المتطرفين البيض.

بالإضافة إلى هذا، فإن السبب الذي دفع واشنطن لمساعدة النازيين الأوكرانيين هو ليكونوا بمثابة حصن ضد روسيا، في حين أن روسيا تحاول حماية حدودها ومواطنيها عندما تتحرك في عدد من الجبهات. بعبارة أخرى، دعمت واشنطن الميليشيات النازية الجديدة في أوكرانيا، والتي بدورها تقوم بالتواصل وتدريب المتعصبين للبيض المحليين، وهو ما تقوم واشنطن بدورها بتصعيده، بزعم الغزو الروسي لأوكرانيا، ما يعني أن واشنطن تعمل بدورها على ترسيخ بيروقراطية قمعية تهديدية في الداخل، ومن ثم تدعي العمل لمواجهتها. أي أن مؤسسة الأمن القومي الأمريكية تخلق التهديدات ذاتها التي تبررها بنفسها لتشن حروبها وغزواتها. وبدلاً من نزع فتيل التوترات من خلال الموافقة ببساطة على المطالب الروسية، المتمثلة بالضمانات الأمنية ووضع حد صارم لتوسع الناتو باتجاه الشرق، قررت واشنطن أن الهيمنة العسكرية غير المحدودة على الكوكب مهمة للغاية لدرجة أنها تفضل فقط الخوض مع الفاشيين الحقيقيين.

في أواخر العام الماضي، حدث في تصويت أسكتته الصحافة تماماً، أن الولايات المتحدة كانت واحدة من دولتين فقط (الأخرى هي أوكرانيا) تصوت ضد مشروع قرار للأمم المتحدة “يكافح تمجيد النازية الجديدة التي تساهم في تأجيج الأشكال المعاصرة للعنصرية “. لقد صوت كلا البلدين باستمرار ضد هذا القرار كل عام منذ عام 2014، وفي محاولة لتبرير هذا التصويت، نشرت إدارة بايدن تفسيراً متطابقاً تقريباً لرفضها تمرير هذا القرار مثل ذلك الذي استخدمه دونالد ترامب، مستشهدة بالحق الدستوري في حرية التعبير حتى لمن لديهم آراء هدّامة، اذ يكمن قلق واشنطن الحقيقي هنا في وصفها للقرار بأنه “محاولات مبطنة بشكل خفيف لإضفاء الشرعية على حملات التضليل الروسية التي تنتهك الدول المجاورة”، أي أوكرانيا. لكن علاقات أوكرانيا بالنازية الحديثة بعيدة كل البعد عن أن تكون من الأخبار الروسية الكاذبة بل هي موثقة جيداً، من دمج آزوف رسمياً في صفوف إنفاذ القانون والمسؤولين الحكوميين الأوكرانيين الذين تربطهم علاقات يمينية متطرفة مع إشادات ترعاها الدولة للمتعاونين النازيين والترويج لإنكار الهولوكوست. وليس من المفارقات الصغيرة أن جو بايدن الذي تم انتخابه بناء على وعوده بوقف التقدم الملحوظ للفاشية في الداخل، يواصل سياسة الدعم الأمريكي الطويل للنازيين فيما قد يكون حلقة الوصل بين الفاشية الدولية. وإذا كان هؤلاء النازيون الأوكرانيون جزءاً حقيقياً من المتمردين الذين دربتهم وكالة المخابرات المركزية، فليس مستبعداً اتباعهم المسار المهني الذي اتبعه زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، رجل “السي أي إيه”.