ثقافةصحيفة البعث

كيف احتفلت حلب باليوم العربي للغة العربية؟

حلب- غالية خوجة

كيف يكون اليوم العربي للغة العربية مختلفاً؟ وما التأثيرات الفاعلة لمستقبل العربية؟ وما مدى عالميتها تعريبياً؟ وكيف انتصرت للقومية والعروبة؟ ولماذا لم يحضر شعر وفكر وعقل الإنسان المؤنث في هذه الاحتفالية – وسواها – رغم أن العربية مؤنث؟! ولماذا افتقدنا معرضاً للكتاب بهذه المناسبة؟ ومتى سنفكر بالاستثمار في اللغة العربية كقوى ناعمة ومادية؟.

أسئلة عديدة يستشرفها المتلقي من احتفالية حلب واليوم العربي للغة العربية التي استضافتها جامعة حلب – مدرج كلية الطب الكبير، وتوزّعت إلى 3 جلسات تضمنت الجلسة الافتتاحية كلمات بدأتها اللجنة الوطنية السورية لليونسكو، ألقاها د. حسين جمعة متسائلاً: من هو المثقف؟ وكيف يتصرّف بالثقافة؟ ليجيب: الثقافة معرفة وإرادة وسلوك وتقويم لتستقيم القيم والأخلاق والأفعال، وحيوية اللغة العربية تكمن في كينونتها ووجودها، فما الذي فعلناه لهذه اللغة غير تنكّرنا لها؟ ولنتذكر أن البناء فاسد لأن ألسنة الناس عوجاء، وأنه إذا ضاعت اللغة ضاعت الهوية.

وبدوره، أكد د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب، في كلمته على إيلاء السيد الرئيس بشار الأسد الاهتمام البالغ باللغة لأنها جوهر قوميتنا، ومقوم تأريخنا وكينونتنا في زمن يحشد فيه العدو ما يستطيع للإتيان على هويتنا ولغتنا، لكننا ولغتنا وهويتنا وقوميتنا وثقافتنا نعزّز الحفاظ على هذا الجوهر تنموياً.

بينما ركّز د. عيسى العاكوب عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، في كلمته، على ضرورة تحويل الفكرة إلى عمل يواصل ما بدأ به أول مجمع في الوطن العربي للغة العربية من دمشق عام 1919، وهذا المجمع أشرق لأن العربية لغة التربية والعلوم والثقافة ووسائل الحياة الرسمية والشعبية، ولنبني وطناً جميلاً لا بد من الإخلاص والانتماء والعلم والعمل.

أما د. إبراهيم الحديد راعي الاحتفالية فقد أكد خلال كلمته على العربية كلغة أمة، وكلغة تفوق لغات العالم لو اجتمعت بعدد كلماتها وجذورها ومميزاتها الأخرى، لافتاً إلى حماية اللغة للإنسان على مرّ العصور والحروب، مضيفاً: يوم اللغة العربية محفز للتثاقف مع الذات والآخرين، واستذكار ريادة جامعة حلب في التأسيس ليوم احتفالي سنوي باللغة العربية كعرف اقترحه د. جورج جبّور عام 2006، ثم تمّ تكريس هذا اليوم الاحتفالي عربياً وعالمياً عام 2012، لذلك، نعبّر عن فخرنا بأننا أحد الناطقين بهذه اللغة وقيمها ومنها حب الوطن، وحملها لرسالة الحضارة الإنسانية منذ أول أبجدية، واعترف العالم، ومنهم اليونانيون، بأنهم ورثوا الحضارة عن الشرق القديم وقلبه سورية، لذا، لا بد من دراسة الواقع ومناقشة مؤسّساتنا العلمية والثقافية لتصويب مسارات العربية، لأنها اللغة المعبّرة عن أحاسيس الإنسان العربي وتراثه وقيم العروبة التي ستبقى مشروعاً قومياً للأمة، ولا بد من تجديد الخطاب القومي العربي، لأن العروبة لن تنتصر دون سورية وقيادتها وشهدائها وجيشها وشعبها وحلفائها وأصدقائها.

بعد ذلك، استمع الحاضرون لقصائد كلّ من الشعراء اللواء المتقاعد محمد حسن العلي، د. جهاد بكفلوني عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب، بينما ألقى د. العاكوب مختارات للمتنبي كتبها عن العربية وحلب. كما تمّ تكريم كلّ من الدكاترة جورج جبور، عيسى العاكوب، أحمد محمد قدور، صلاح كزارة، فايز الداية.

ثم افتتح معرض “التشكيل باللغة العربية” بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين – فرع حلب، في قاعة ابن البيطار بكلية الطب، تضمّن 21 عملاً من التشكيليات الحروفية والتصويرية بالخط العربي وفنياته، لكلّ من الفنانين أحمد قاسم، د. زاهر عيروض، خلدون الأحمد.

وعن محور الطابع الإنساني للغة العربية، سألت “البعث” د. الحوراني، فأجاب: اللغة العربية تحمل الكثير من المضامين الإنسانية الفكرية والعلمية الثرية، مكّنتها للحفاظ على مكانتها عبْر العصور، وهذه المضامين ناتجة عن قدرة العربية الاستثنائية لاستيعابها لكافة الثقافات والأجيال، ونتيجة إنسانية اللغة العربية وتراثها الثقافي الحضاري المؤثر في توطيد التعاون والمحبة بين الشعوب، وكونها لغة ابتكار وإبداع في كافة المجالات العلمية بين فلك ورياضيات وعلوم طبيعية وإنسانية، ويشهد بتراثها وحضارتها العالم قبل أن يشهد به أبناؤها، ارتأت المنظمة الدولية أن تخصّص لها يوماً عالمياً ربيعياً تتفتّح فيه الأفراح والبهجة والقيم الإنسانية.

وقال د. حسين الصديق – جامعة حلب، عن مفهومه للطابع الحضاري للغة العربية: الإنسان صانع اللغة وهي تصنعه، والإنسان صانع الحضارة بأداة اللغة ضمن علاقة جدلية صعوداً أو هبوطاً، ونحن منذ القرن العشرين في حالة هبوط.

أمّا عن المستقبل، فأكد لنا: المعاناة كبيرة جداً، خصوصاً في زمننا التقاني ووسائله التي جعلت اللهجات العربية تسود على لغة الضاد التي توحّدنا، وهذا أهم خطر نعيشه اليوم، لكن، يظلّ الأمل باللغة العربية التي لن تتأثر وتمّحي لأنها لغة القرآن الكريم التي هي صلة الوصل بين الخالق والمخلوق، لذلك، فهي ستبقى لغة القيم والجمال والحضارة.

وخصّ د. فايز الداية – جامعة حلب “البعث” بإجابته عن أهم ما يميّز محور المتنبي، شاعر حلب، في نهار إشراق شمس العرب: تحاول مداخلتي الكشف عن إبداع المتنبي شاعر العرب، لأنه وكما قال الثعالبي: وإن كان كوفيَّ المولد فإنه شاميُّ الشعرية، وعندما التقى بسيف الدولة كان لهما مشروع مشترك وهو الدولة الحلم، دولة الحضارة العربية الإنسانية، لذلك، نستنتج الكثير إذا ما قارنّا ما بين حياته قبل حلب وبعدها، كما أن المتنبي تشرّب روح الشام العروبة، وعاش صراعات الأمة وصراعاته الذاتية، وأعطته هذه الصراعات بعداً إيجابياً، ليكون مؤسّسة أدبية لغوية.