دراساتصحيفة البعث

ضغوط وابتزاز أمريكي مكشوف لأمريكا اللاتينية

هيفاء علي

مؤخراً نشرت وزارة الخارجية الأمريكية برنامج إقناع يرقى إلى ابتزاز بلدان ما يُسمّى “نصف الكرة الغربي”، بهدف الحدّ من علاقاتها التجارية والتعاون مع موسكو وبكين. وتتراوح نماذج التقارب المنتشرة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من التهديدات والعقوبات إلى توفير ظروف أفضل للصادرات، وضمانات لاستمرار التحويلات المالية أو لتمديد تأشيرة التفويض. ففي 7 نيسان الماضي، تمّ تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب مزاعم ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وفي 21 نيسان أيضاً، تقرّر تعليق عضوية روسيا في مقعدها كمراقب دائم في منظمة الدول الأمريكية، حيث وافقت الأرجنتين في التصويت الأول على التعليق، لكنها امتنعت في التصويت الثاني، وبين هذين التصويتين، سعت وزارة الخارجية الأمريكية دون جدوى إلى طرد موسكو من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

يرتبط هجوم العقوبات والمقاطعات والحصار ارتباطاً مباشراً بهدف إضعاف أي دولة تدافع عن سيادتها ضد القواعد التي تفرضها الولايات المتحدة، والتي تسعى إلى صياغة كتل تجارية بديلة لتلك التي شكلتها الأطلسية، وهذا هو السبب الجيوسياسي الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى إشعال فتيل الحرب في أوكرانيا لمنع تشكيل محور جيوسياسي قاري أوراسي، قادر على ربط أوروبا الغربية بجنوب آسيا ووضع موسكو كحلقة وصل بين القارتين. وبمجرد إطلاق شارة الحرب، وضع وزير الخزانة الأمريكي الخطوات التالية: “تعتبر عائدات مبيعات النفط والغاز مصدراً مهماً للإيرادات بالنسبة لروسيا، لذلك سيكون من المفيد جداً البحث عن طرق لتقليل هذه الإيرادات.”

في المقابل، وعلى الرغم من عزل روسيا عن نظام سويفت وتجميد احتياطاتها الأجنبية، إلا أن قيمة الروبل استقرت بل وارتفعت عند قيم مماثلة لتلك التي كانت من ذي قبل، وهذا هو السبب في إعلان جين بساكي، المتحدث باسم البيت الأبيض في 13 نيسان الماضي، طلباً لاستبعاد الرئيس الروسي من قمة مجموعة العشرين المقبلة، التي ستعقد يومي 15 و16 تشرين الثاني القادم في بالي في أندونيسيا، حيث تفيد المعلومات أن وزيرة الخزانة الأمريكية طلبت من وزير المالية الأندونيسي إزالة اسم الرئيس الروسي من قائمة الضيوف المدعوين لزيادة الضغط على روسيا.

وليس هذا فحسب، إذ يستهدف هجوم وزارة الخارجية الأمريكية في المقام الأول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، حيث تمّ التعبير عن استياء إدارة بايدن من الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور بخصوص تأميم “الليثيوم” أحد المكونات الرئيسية للبطاريات اللازمة لتصنيع السيارات الكهربائية، اذ يبدو أن شركة السيارات “تسلا” هي أحد دوافع الضغط الدبلوماسي والقسري الأمريكي لتأمين هذا التدفق ومنع هذه الموارد من تعزيز المنافسة من السيارات المنتجة في بكين.

وكان البيت الأبيض قد رفض علناً حياد دول البريكس، التحالف الاقتصادي والسياسي المكوّن من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، فيما يتعلق بالتدخل العسكري في أوكرانيا. بل زيادة على ذلك، أعلن وزير الاقتصاد الأرجنتيني أنه سيرشح الأرجنتين للانضمام إلى بنك التنمية الجديد لمجموعة بريكس.

في بنما، حيث كان وزيرا الخارجية والأمن الداخلي الأمريكيان في زيارة لها بهدف الضغط من أجل نوع من القيود على الملاحة الصينية أو الروسية عبر القناة، لكن السلطات في بنما رفضت مطالبهما. ومن المفارقات أن فنزويلا هي واحدة من أكثر الدول تفضيلاً بالنظر إلى السيادة التي اكتسبتها منذ عام 1999، لذلك يفتقر بايدن إلى آليات الابتزاز سواء كانت سياسية أو تجارية أو عسكرية، بينما يطالبها بإلقاء براميل النفط في السوق الدولية لتجنب دوامة التضخم العالمية. وفي حالة كوبا، الوضع متناقض، حيث عقدت لأول مرة منذ 2018 اجتماعات بين مسؤولين أمريكيين وكوبيين لإعطاء استمرارية لاتفاقيات الهجرة التي لم تحترمها السلطات في واشنطن على مدى السنوات الأربع الماضية، وتهدف هذه الاجتماعات إلى تقليص مستوى المواجهة مع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي -مع الاستمرار في الابتزاز- من أجل إعادة ترتيب أولويات ما تسميه مراكز الفكر الديمقراطية “حالة الطوارئ في أوراسيا”. ومع ذلك، يبدو أن العقوبات المفروضة على روسيا كان لها تأثير أكبر على شركاء واشنطن من موسكو، ففي أوائل شباط الماضي، أرسلت روسيا سفينة شحن محملة بـ19526 طناً من القمح إلى هافانا.

يشمل الهجوم على الصين، الذي روّجت له واشنطن، إغراء الحكومات في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بالمكاسب التي ستحصل عليها، وأنها ستكون قادرة في المستقبل على استبدال أجزاء من سلاسل التوريد التي تسيطر عليها الصين حالياً، مما يبشّر بمرحلة جديدة من الاستعانة بمصادر خارجية. وعليه، فإن النموذج الذي روّجت له إدارة بايدن هو نموذج التجزئة الدائم للاقتصاد العالمي، مع دائرتين بديلتين للتجارة والتعاون الدولي على أساس التكتلات الجيوسياسية الجديدة.