احتفاء بيوم الكتاب السوري…. الكتاب هو البوابة السحرية إلى عوالم خفية بين الصفحات
البعث الأسبوعية-جمان بركات
لاحتفالات الروح مواسم، تنتقيها بعناية وتمارس فيها طقوسها بكل دقة والتزام، ويكون المكمل لتلك الصورة البهية وجود عاطفة تجاه تلك الطقوس الاحتفالية، ولعل معارض الكتاب وحالات تعلقنا القديمة المتجددة فيها خير مثال عن هذه الاحتفالات، فمعارض الكتاب كانت ولا زالت موسم لقاء بأهل المحبة للثقافة وبذلك الساحر البهي الكتاب، نتجمع ونلتف كنحل دؤوب وجد فجأة حقلاً من أزهار الأقحوان فنشط في بتلاتها جيئة وذهاباً، ننتقي كتاب هنا لنتصفحه ونضع في سلة المشتريات كتاباً وجدنا فيه ضالتنا ورحنا نناقش العارضين بمحتوى مجلد آخر وهكذا حتى تنقضي ساعات النهار الواحد ثم أيام المعرض كلها، وعن رحلة الحب والثقافة في معارض الكتاب التي أقامتها وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب بمناسبة يوم الكتاب –بحسومات مغرية جداً حيث وصل سعر الكتاب إلى 200 ليرة الصادر قبل 2015- كان لنا هذا التحقيق والوقفات مع بعض من يشتغلون في مجال صناعة الكتاب بفكرهم وألوانهم.
البوابة السحرية
وعن تجربتها مع الكتاب قالت الكاتبة عقيلة علي محمد:
في البدء كانت الكلمة ولا شيء غيرها، ثمّ جاء فعل القراءة، لم تكن مكتبتنا مجرد رفوفٍ خشبية جميلة تُكمل برستيجاً ما، أو مدعاة للتباهي بأمهات الكتب، كانت بوابةً سحرية إلى عوالم خفية بين الصفحات، ورافداً عظيماً لنماء شخصياتنا وتطور مؤهلاتنا لتعلم لوغاريتم الحياة ومواجهة الصعاب.
ما زلتُ أذكر فرحتي وأنا أقرأ كتاباً جديداً، أتجاوز السطور إلى ما بينها من أحاسيس عصفت بكاتبها ووجهته ليفض بكارة الورق بالحبر النبيل، من منّا لم تعد القراءة ترميم وصقل ما خلفته خيبةٌ هنا وانكسارٍ هناك، هي الطبيب الماهر الذي لا يعرف قول “عملنا اللي علينا والباقي على الله” القراءة دائماً تفعل كلّ ما بوسعها لترتق النفوس المصابة بخيوط من عزيمةٍ وقوة.
من عاش كل ما ذكر آنفاً سيحمد الله على نعمة معارض الكتاب التي تجمعنا بكتبنا المفضلة بأسعار معقولة وفي بعض الأحيان بكاتب أو شاعر التقيناه قبلاً بين السطور والكلمات.
الصديق الأول
تحتل الروايات حيزاً من قلب الشاعر مهند صوان، وعن الكتاب قال: الكتاب, العالم الآخر الذي يحوي شتى أنواع القصص والذكريات, الحكمة والعبرة منقوشة في كل صفحة، لي ذكريات لا تنتهي مع الكتب فلطالما كان الكتاب صديقي الوفي الأول والمحبب, ألجأ إليه بحثاً عن لحظات الفرح والسعادة الغامرة التي يؤمنها لي, احتوى الكتاب دائماً على ما يشبع فضولي ويملأ وقتي ويطرد الملل الذي قد يعتريني, تحتل الروايات حيزاً من قلبي لا يسعني إنكاره, فأنا أحب التشويق في حبكاتها والغموض في شخصياتها والتي تخرجني من المشاعر السلبية وتدخلني منطقة التفاؤل والأمل, ولأهمية الكتاب في حياتي وحيوات غيري من الناس أقيمت مكتبات تحوي على الكثير الكتب تأكيداً على أهميتها وحفاظاً عليها فالأدب العربي لطالما كان فريداً من نوعه يستحق الكفاح لتخليده كما يقام سنويا معرض للكتاب في مكتبة الاسد والمراكز الثقافية والتي أدأب لمتابعتها واقتناء الكتب الشائقة الممتعة منها، يعرض فيها أحدث الكتب والمجلات من كل الأنواع كي يتاح للجميع الحصول عليها مما لها من فائدة ضرورية في المجتمع فهي تحث على الخصال الحميدة وتزيد الثقافة وتنشر الحب في نفوس القراء. يتوجب علينا جميعاً الاهتمام بالكتب ودعم الكتاب امتناناً لجهودهم وتقديراً لسعيهم الدؤوب لحماية التراث الثقافي المميز من الاندثار والضياع في ظل التكنولوجيا والانشغالات اليومية والتي باتت عائقاً يمنع الناس من القراءة ويؤول بهم إلى قعر الجهل، هكذا يمكننا الاطمئنان على جيل جديد تولد فيه المعرفة وتعزز القيم والأخلاق لفضل الكتب والمبادئ التي تحتويها فكم من أمة نهضت حضارياً بفضل الكتاب ويؤسفني أن ينعتنا البعض بأننا أمة لا تقرأ، بالفعل هذا هو المرض العضال الذي لابد أن نسعى جميعاً للشفاء منه.
ثروة عظيمة
وصف كاتب قصص الأطفال باسل مزعل الكتاب بالثروة، فقال:
أحد أهم الأهداف الرئيسة من إقامة معارض الكتب هو تنبيه إلى قيمة القراءة والثقافة في حياة المجتمع، فالغرب على رغم من تقدمه التكنولوجي الهائل يحرص دائماً على غرز بذور عادة القراءة في شعوبه وكلنا يعرف هذا، ولما نذكر القراءة أو المطالعة فأننا نعني بها المعرفة ومواكبة العلم والابتكار، لذا شبهها اليابانيون بالثروة العظيمة، لكنها ليست التي نجدها تحت أقدامنا بل في رؤوسنا، معرض الكتاب هو رديف لإعادة الأعمار، وتحد مستمر لآثار الحرب التي لا يزال يكابدها بلدنا، وخاصة الظروف الاقتصادية الصعبة، فكان أن رد عليها معرض الكتاب بنقلة قوية أسعار مغرية تكاد لا تصدق، وختاماً فمثل هذه المعارض كما اعتدنا هي محاولة بل محاولات إنعاش في زمن العزوف عن القراءة لعل وعسى إلا تموت، فالأمة التي أفرادها يقبلون على القراءة هي أمة لديها مناعة ضد فيروس الجهل في أشكال سمومه كافة، والكتاب برائحته وملمسه يبقى وسيبقى متفوقاً على القراءة الإلكترونية.
السفينة
تغوص صبا منذر حسن في عوالم الكتبن وعنهم قالت:
يقول المتنبي: “خير جليس في الزمان كتاب”. وكيف لا يكون الكتَاب خير جليس، وأقرب صديق، فهو الذي يأخذني دوماً في رحلة إلى الخيال، أدور فيها حول نفسي، وفي ذات المكان، أعبر القارات والبحار والجبال، أتعرف الأشياء المبهمة، وأفسر الأسرار المختبئة في قلوب الكتَّاب، فالكتَاب هو سبيلي لمعرفة مكنونات الأدباء، فأغوص في عالمهم وأفسر ما بين السطور، وأقرأ ما يمكن أن يختبئ خلف الحروف.
للكتابة أهمية كبيرة، تفيد الكاتب قبل غيره، فكثير من مشاعرنا ومكنونات أنفسنا لا نستطيع البوح بها إلا للسطور، للحبر والأقلام، فدائما تدفعني الرغبة في التخلص مما يثقل نفسي إلى الكتابة، فأسكب بعضا من روحي على الورق، ليصبح الكِتاب حمامة سلام، تنقل الروح إلى غيرها من الأرواح التي ستقرأ القصص، وتشاركني المشاعر.
وهكذا يصبح الكتاب سفينة تنقل للناس كل المشاعر التي تعتري الكاتب، وما أجمل المكان الذي يكون جامِعاً لمشاعر ومكنونات كل الكتَّاب، ففي معرض الكتاب، تتزاحم أرواح الكتاب، الذين مزجوا تجاربهم ومشاعرهم مع حبر الأقلام، فهُنا كتاب يعلمنا السيطرة على انفعالاتنا، وذاك كتاب يعلمنا الحب كما علم كاتِبهُ من قبل، وذاك كتاب للأطفال ينشد أجمل القصص والأشعار، وغيرها الكثير تجتمع في مكان واحد، يعبق بالحب والسلام، يخرج منه الزائر مالِئاً حقيبتهُ من كل الأصناف، فهنيئاً لكل من عشق قراءة الأرواح.
الساحر الصغير
مازال الفنان علاء ديوب يحتفظ بالكثير من الكتب والمجلات عليها أختام معرض الكتاب بسنوات مختلفة، ومازلت أشعر بالحنين إلى تلك الأيام التي كنا فيها نعتبر الكتاب كخبزنا اليومي وواجب وجوده في منازلنا، في الحقيقة نحن بحاجة لإقامة معارض الكتاب حتى في الأرياف البعيدة ليصل هذا الساحر الصغير إلى كل يد.
الكتاب كان محط اهتمامي منذ الطفولة، ولغاية اليوم ورغم التطور التقني إلا أنني مازلت أبحث عن أي شيء أريده من الكتب لأنه الأساس، والمعلومة فيه غير ناقصة، ومعرض الكتاب يقرب الناس من بعضها، ويشكل موسم فرح جميل.