دراساتصحيفة البعث

حان الوقت لوضع حد لنفاق الولايات المتحدة

ترجمة: عائدة أسعد

في الوقت الذي فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات غير مسبوقة على روسيا، بدأ الستار الحديدي الاقتصادي والثقافي الجديد ينسدلُ على القارة الأوروبية. وبينما تستمر العقوبات أحادية الجانب في إلحاق الضرر بأوروبا والعالم بأسره، أطلقت الولايات المتحدة حملة جديدة لعزل روسيا في المنظمات الدولية.

في 7 نيسان الماضي، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان بعد أن اتهمت الولايات المتحدة القوات الروسية بقتل المدنيين الأوكرانيين في بلدة بوتشا. كما حاولت الولايات المتحدة الضغط على إندونيسيا التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين هذا العام لطرد روسيا من المنتدى للاقتصاديات الرئيسية في العالم، لكن إصرار إندونيسيا على دعوة الرئيس بوتين إلى القمة القادمة نهاية العام الجاري خيّب آمالها.

لقد اتضح للعالم الدافع وراء محاولات استبعاد روسيا من جميع المنظمات الدولية وتحويلها إلى “منبوذة على المسرح الدولي” كما قال الرئيس بايدن، فالهدف الحقيقي للولايات المتحدة هو الحفاظ على هيمنتها في الشؤون الدولية، لكن النفاق هو أن الدولة نفسها هي أكبر منتهك للقواعد الدولية.

وعلى الرغم من سجلها الحافل بالقتل الجماعي، وانتهاكات حقوق الإنسان فإن الولايات المتحدة تنتقد باستمرار وضع حقوق الإنسان في البلدان الأخرى، وهو عمل نموذجي للمعايير المزدوجة، فمن العراق والسودان وأفغانستان إلى ليبيا والصومال وسورية، شنّت الولايات المتحدة 10 حروب بين عامي 1989 و2017، وتسبّبت بمقتل 6 ملايين شخص. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 حتى عام 2001 بدأت بـ 201 صراع من بين 248 نزاعاً مسلحاً وقع في 153 منطقة في العالم. وقد كشف تقرير صادر عن جامعة “براون” أن الحروب التي شنّتها الولايات المتحدة في العقدين التاليين لهجوم الحادي عشر من أيلول قتلت أكثر من 900 ألف شخص. وفي حزيران 2018 انسحبت من مجلس حقوق الإنسان، واصفةً إياه ببؤرة التحيّز السياسي والهيئة المنافقة التي تسخر من حقوق الإنسان. ومع انضمامها مرة أخرى إلى المجلس هذا العام لم تفشل الولايات المتحدة فقط في التفكير في سجلها الخاص بحقوق الإنسان، واتخاذ خطوات ملموسة لتحسينه، بل طردت روسيا بدلاً من ذلك من الهيئة بدافع التحيّز السياسي!.

وبسبب هوسها بالاستثنائية، تواصل الولايات المتحدة انتقاد الآخرين لانتهاكهم القانون الدولي، بينما تطبق القواعد الدولية بشكل انتقائي، وتضع قواعدها الداخلية الخاصة بها فوق القانون الدولي، وتطلب من الآخرين اتباع النظام القائم على القواعد، وتدوس على القواعد الدولية، وتنسحب من المنظمات الدولية متى شاءت، كما اتضح من تدخلها العسكري أحادي الجانب أو حروبها في أفغانستان والعراق وسورية، وكذلك انسحابها من اليونسكو، وخطة العمل المشتركة الشاملة، واتفاقية باريس.

إن الولايات المتحدة تعمل على تفكيك مصداقيتها وسمعتها وتقويض النظام الدولي من خلال إعادة العالم إلى عصر الغابة الخارجة عن القانون، تماماً كما أشار نعوم تشومسكي بالقول: “نحن دولة مارقة، دولة مارقة رائدة ذات بعد ضخم، لا أحد قريب منه، ومع ذلك يمكننا أن ندعو إلى محاكمات جرائم حرب للآخرين دون أن يهتز لنا رمش”.

ومع استمرار الصراع في أوكرانيا فإن التفاوض وليس المواجهة هو السبيل الوحيد للخروج، والعقوبات الأمريكية أحادية الجانب ضد روسيا غير قانونية وغير مصرّح بها من قبل الأمم المتحدة، واستبعاد روسيا – العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والقوة النووية – من المنظمات الدولية لا يعتبر بأي حال من الأحوال خطوة بنّاءة، وقد حذّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك ذات مرة من أن مثل هذه الخطوة ستشكل سابقة خطيرة.